Sharh al-Arba'een al-Nawawiya by Atiyya Salim
شرح الأربعين النووية لعطية سالم
Noocyada
ترغيب النبي ﵊ في النية الحسنة والترهيب من ضدها
وجاء عنه ﷺ: (ألا إنما الدنيا لأربعة: رجل أعطاه الله مالًا وعلمًا، فعرف حق الله فيه فهو في أعلى عليين، ورجل لم يعطه الله مالًا وأعطاه علمًا فقال: لو أن لي من المال ما لفلان لعملت فيه كما يعمل، فهما في الأجر سواء، ورجل أعطاه الله مالًا ولم يعطه علمًا، فلم يعرف حق الله فيه فهو في أسفل سافلين، ورجل لم يعطه الله مالًا ولا علمًا فقال: لو أن لي مالًا لعملت فيه مثلما يعمل فلان، فهما في الوزر سواء)، فالذي بلغه ماله وعلمه أعلى عليين أدركه صاحب النية الحسنة، وذاك جاهل يعمل في ماله بما لا يرضي الله، وذاك نوى لو كان عنده مال لعمل فيه مثل عمل الذي قبله، فأدركه في أسفل سافلين؛ لا لشيء إلا بالنية، والأخبار في ذلك طويلة.
إذًا: هذا الحديث من أهم الأحاديث التي تدخل في العبادات وفي العادات وفي المعاملات وفي جميع أحوال الناس.
وفي الحديث: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) وليس هذا تكرارًا للمعنى، بل تقرير لصحتها ومرادها وتوجيهها، أي: كل عمل فهو بنيته.
والجملة الثانية: (وإنما لكل امرئ) امرئ: مذكر، مؤنثها: امرأة، وإذا جاء بلفظ امرئ فإنه يشمل المرأة فتكون داخلة فيه، بخلاف ما إذا عيَّن كقول من قال: (امرؤ القيس) فإنه خاص بشخص معين.
(وإنما لكل امرئ ما نوى): (إنما) أيضًا للحصر، فلا يتعدى عمل العبد ما نواه، ثم فصل ﷺ فقال: (فمن كانت هجرته) .
ذكر الهجرة خاصة مع أن هناك الجهاد وغيره: فمن كان جهاده لله فجهاده لله، ومن كانت صلاته لله فصلاته لله، وكذلك الزكاة، بل كل عمل يندرج تحت الأعمال بالنيات، ولكن نص على الهجرة بخصوصها.
والهجرة أصلها مأخوذ من الهجر، والهجر البعد والافتراق، والهجر مأخوذ من الهجير، والهجير شدة الحر في الظهر، ومنه الهاجرة، وهي شدة الحر، وانتقلت حقيقة اللغة المحسوسة -شدة الحر- إلى الهجرة بمعنى الانتقال إلى الهجران وهو المقاطعة، لأن الناس في وقت الهجير والهاجرة يعتكفون في ظلهم ويتقاطعون عن التواصل مخافة شدة الحر.
2 / 6