Sharh al-Aqidah al-Wasitiyyah by Khalid al-Muslih
شرح العقيدة الواسطية لخالد المصلح
Noocyada
إثبات صفتي الإتيان والمجيء لله ﷿
[وقوله: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمْ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنْ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ﴾ [البقرة:٢١٠]، وقوله: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ﴾ [الأنعام:١٥٨]، وقوله: ﴿كَلاَّ إِذَا دُكَّتْ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾ [الفجر:٢١-٢٢]، وقوله: ﴿وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلًا﴾ [الفرقان:٢٥]] .
هذه الآيات أيضًا مما يثبت به صفات الفعل لله جل وعلا، والأصل في إثبات صفات الفعل قوله ﷾: ﴿فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ [هود:١٠٧]؛ فكل صفة فعل تندرج تحت هذه الآية، وهذه الآيات ذكرها ﵀ لأن فيها إثبات صفة الإتيان له ﷾، وذلك في قوله: (أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ)، وكذلك إثبات صفة المجيء، وذلك في قوله: (وَجَاءَ رَبُّكَ)، فهذه الآيات أثبتت لله ﷾ هذين الوصفين على الوجه اللائق به ﷾، والإتيان والمجيء من صفات الفعل، وهو ﷾ يأتي لفصل القضاء في يوم القيامة.
قوله: (هَلْ يَنظُرُونَ) هذا تهديد، والخطاب فيها لأهل الكفر والشرك المعاندين للرسل، (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ الْمَلائِكَةُ) يعني: بالموت (أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ) يعني: لفصل القضاء (أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ) يعني: أشراط الساعة، وهو خروج الشمس من مغربها، وعند ذلك تنقطع التوبة.
قوله: ﴿كَلاَّ إِذَا دُكَّتْ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾ [الفجر:٢١-٢٢]، هذا أيضًا فيه إثبات مجيئه ﷾، وذلك يوم القيامة لفصل القضاء، وهو المذكور في قوله: (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمْ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ) ظلل: جمع ظلة وهي القطعة، (مِنْ الْغَمَامِ) أي: من السحاب الأبيض، وذلك حين مجيئه ﷾ لفصل القضاء، وقوله: (فِي ظُلَلٍ مِنْ الْغَمَامِ) (في) هنا بمعنى (على)، أي: يأتي الله جل وعلا يوم القيامة على ظلل، أي: قد علا ﷾ -كما يليق به- على ظلل من الغمام، (وَالْمَلائِكَةُ) أي: وتأتي الملائكة، وما عاقبة هذا المجيء منه ﷾ ومجيء ملائكته؟ (وَقُضِيَ الأَمْرُ) أي: وقضي الأمر بين الناس بفصل القضاء بينهم.
قوله: (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ) أي: بالسحاب الأبيض، (وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلًا)، وهذا إنما يكون إذا جاء الرب ﷾ لفصل القضاء كما في الآية الأولى: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمْ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنْ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ﴾ [البقرة:٢١٠] فهذه الآيات أثبتت لله ﷿ المجيء والإتيان.
وقد أول أهل الكلام المجيء والإتيان هنا بأنه مجيء أمره وإتيان أمره، وهو تأويل باطل؛ لأن الأصل فيما أضافه الله جل وعلا لنفسه من الأفعال فإنه له حتى يدل الدليل على أنه لغيره -وهذه قاعدة- الأصل فيما ذكره الله ﷿ في كتابه مما أضافه لنفسه بصيغة الإفراد فهو له ﷾ ولا يضاف إلى غيره، وقالوا في تشبيههم: نحن نحمل المطلق في هذه الآيات على المقيد في قوله ﷾ في سورة النحل: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ﴾ [النحل:٣٣] .
قلنا لهم: أخطأتم؛ لأن قوله تعالى: (أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ) المراد بالإتيان هنا هو الساعة وهي القيامة، فذكر الله ﷿ في موضع أن المشركين ماذا ينتظرون تهديدًا لهم؟ هل ينتظرون إتيان الملائكة بالموت قبل الساعة أو بإتيان الساعة؟ وفي موضع آخر ذكر شيئًا مما يكون في الآخرة، وهو إتيانه ﷾ لفصل القضاء.
ثم إننا نقول: لا يعقل أن يكون الأكثر والأغلب في كلام الله ﷿ إضافة الإتيان إليه، ثم نحمل الأقل على الأكثر، ونقول: إن الإتيان والمجيء إنما هو إتيان ومجيء أمر الله ﷿.
ثم نقول: المرجع في بيان الإتيان إلى السنة، وقد بينت السنة الصحيحة أنه ﷾ يأتي لفصل القضاء، فلا مناص ولا مخرج ولا محيص من إثبات ما أثبته الله ﷿ لنفسه في هذه الآية، وهم عندما أنكروا ذلك قالوا: لأنه يتنزه عن الانتقال، ونحن نقول: أأنتم أعلم بالله من نفسه؟ الجواب: لا، والله ﷾ قد أثبت لنفسه هذه الصفات، ومن أين لكم أن الانتقال نقص؟ ومن أين لكم أن إتيانه يلزم منه أن يخلو منه مكانه كما تزعمون؟ قال الله: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى:١١]، فهو كما أخبر به عن نفسه، ولا يمكن أن تدركه عقولنا، ولا أن تحيط به أفهامنا، ولا أن تبلغه فهومنا، بل ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ ﷾.
7 / 7