ثالثا: أنه يمكن أن نجعل استوى في هذا البيت أيضًا بمعنى علا، فيكون قوله: «قد استوى بشر على العراق) أي قد علا على العراق لكنه علو معنوي، كقوله تعالى: (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) (محمد: الآية ٣٥) فليس معنى (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) إننا فوق المشركين وعلى رؤوسهم، لكن هذا علو معنوي، فيكون استوى بشر على العراق يعني علا عليه، لكن علوًا معنويًا. هذا إن صح أن قائل هذا البيت من العرب العرباء، مع أنه لم يصح، فبطل الاستدلال بهذا البيت على أن استوى بمعنى استولى.
إذًا فعقيدتنا التي ندين الله بها، ونسال الله أن نكون عليها حتى نموت، هي أن استوى على العرش: أي علا عليه علوًا خاصًا كما يليق بجلاله وعظمته، لا نكيفه، ولا نمثله.
أما العرش فهو ذلك المخلوق العظيم الذي فوق جميع المخلوقات، واختصه الله تعالى لنفسه، وهو محيط بالكون كله، وقد ورد أن السموات السبع والأراضين السبع بالنسبة للكرسي الذي وسع السموات والأرض كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض، فالحلقة إذا ألقيت في فلاة من الأرض فإنها لا تمثل شيئا بالنسبة إليها، ولا تنسب إليها، قال: «وإن فضل الله على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة) (١) . إذًا فالعرش لا يقدر قدره إلا الله ﷿، ولا يمكن أن نتصور عظمة هذا العرش، ولهذا وصفه الله بأنه مجيد، وانه عظيم؛ لأنه اكبر المخلوقات التي نعلمها، وأعلى المخلوقات التي نعلمها، ولذلك هو عرش يليق بالله ﷾.
(١) رواه محمد بن أبي شيبة في العرش (٥٨)، وابن مردويه كما في تفسير ابن كثير ١/٣٠٩، ٣١٠.