Sharh al-Aqeedah al-Waasitiyyah by al-Ghunayman
شرح العقيدة الواسطية للغنيمان
Noocyada
أدلة إثبات صفة الكلام لله تعالى
يقول المصنف ﵀: [وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا﴾ [النساء:٨٧] ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا﴾ [النساء:١٢٢] ﴿وإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ﴾ [المائدة:١١٦] ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا﴾ [الأنعام:١١٥] ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ [النساء:١٦٤] ﴿مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ﴾ [البقرة:٢٥٣] ﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ﴾ [الأعراف:١٤٣] ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا﴾ [مريم:٥٢] ﴿وَإِذْ نَادَى رَبُّك مُوسَى أَنْ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [الشعراء:١٠] ﴿وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ﴾ [الأعراف:٢٢] ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِي الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ [القصص:٧٤] ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمْ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القصص:٦٥] ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَك فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ﴾ [التوبة:٦] ﴿وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:٧٥] ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ﴾ [الفتح:١٥] ﴿وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إلَيْك مِنْ كِتَابِ رَبِّك لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ﴾ [الكهف:٢٧] ﴿إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [النمل:٧٦] ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ﴾ [الأنعام:١٥٥] ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْته خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ [الحشر:٢١] ﴿وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [النحل:١٠١] ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّك بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ [النحل:١٠٢] ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾ [النحل:١٠٣]] .
لا يزال المصنف ﵀ في مسألة الكلام، ومسألة الكلام -كلام الله جل وعلا- اختلف الناس فيها كثيرًا، ولكن أدلة الحق واضحة وجلية، ومنها هذه الآيات التي ذكرها المؤلف، وبدأها بقوله: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا﴾ [النساء:٨٧] ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا﴾ [النساء:١٢٢]، وكذلك التصريح بالقول: ﴿وإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ﴾ [آل عمران:٥٥]، وكذلك التصريح بأن له كلمات، وأنه يتكلم: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا﴾ [الأنعام:١١٥]، وكذلك التأكيد بمصدر الفعل على أنه يكلم من يشاء: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ [النساء:١٦٤]، وهذا إذا جاء بهذه الصيغة فإنه لا يحتمل إلا الحقيقة، كما نص على ذلك أهل النحو وأهل اللغة، وكذلك قوله: ﴿مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ﴾ [البقرة:٢٥٣]، ﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ﴾ [الأعراف:١٤٣]، هذا لفظ الكلام والقول، ثم يذكر النداء، والنداء لا يكون إلا بالقول الذي يستند على الحرف والصوت؛ لأن النداء لمن بعد بخلاف النجوى، فإن النجوى للقريب، والنداء للبعيد، وإن كان الرب جل وعلا كل شيء لديه قريب، ولكنه ينادي من يشاء من عباده كما سيأتي، وهذا جاء في أحد عشر موضعًا من كتاب الله جل وعلا، وهو من أصرح الأدلة على أن الله جل وعلا يتكلم كلامًا بحرف وصوت كلامًا حقيقيًا، وكذلك قوله: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ﴾ [التوبة:٦]، والإضافة تمنع أن يكون الكلام لغيره جل وعلا وقد أضافه إليه؛ والمعنى إذا أضيف يتعين أن يكون صفة، بخلاف العين القائمة بنفسها فإنها تكون من إضافة المخلوق إلى خالقه كقوله: رسول الله نبي الله عبد الله بيت الله ناقة الله، فهذه وإن كان يقصد بها التشريف والتكريم والاختصاص ولكن هي من إضافة المخلوق إلى خالقه، بخلاف كلام الله سمع الله بصر الله وما أشبه ذلك، فإن هذا يتعين أن يكون من إضافة الصفة إلى الموصوف.
قال ﵀: [وقوله: ﴿وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:٧٥]، وقوله: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ﴾ [الفتح:١٥]] وهذا في قصة الحديبية وبيعة الرضوان لما بايع الصحابة رضوان الله عليهم رسول الله ﷺ على الموت أو على ألا يفروا حسب ما جاء في الحديث، وإذا كانوا لا يفرون فيلزم من ذلك أن الإنسان يقاتل حتى ينتصر أو يقتل ولابد، فأثابهم الله جل وعلا بأن عجل لهم مغانم خيبر التي وعدهم بها، وأمر ألا يخرج مع الرسول ﷺ إلا من حضر تلك الغزوة، فأراد بعض المنافقين -لما علموا أن الغنائم مضمونة- أن يتبعوهم وليس عندهم رغبة في الأجر، فأمر الله جل وعلا نبيه أن يقول: «لَنْ تَتَّبِعُونَا» [الفتح:١٥] وأخبر أن اتباعهم هذا خلف لوعد الله جل وعلا: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ﴾ [الفتح:١٥]، ووعد الله الذي وعدهم به هو بكلامه الذي أنزله على رسوله ﷺ، هذا على قول.
والقول الآخر: أن التبديل لا يكون لخلق الله، كما قال الله جل وعلا: ﴿لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ [الروم:٣٠]، وإنما التبديل يكون للكلام كما أخبر الله جل وعلا أن اليهود يبدلون كلام الله بغيره، فالكلام يمكن تبديله ولو كان الكلام مخلوقًا -كما يقول أهل الباطل- ما أمكن تبديله، هذا وجه الاستدلال من الآية: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ﴾ [الفتح:١٥]، فكونهم أرادوا ذلك فهذا يدل على إمكانه، وقد أخبر جل وعلا أن من اليهود من بدل كلام الله، أما لو كان مخلوقًا -كما يقول أهل الباطل- فإنه لا يمكن؛ لأن الله جل وعلا يقول: ﴿لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّه﴾ [الروم:٣٠]، فخلق الله لا يبدل، إذا خلق الله شيئًا فلا يمكن أن يبدل بغيره.
6 / 2