(شرح كتاب) الفصول لأبقراط (بن أ)قليذس رأس الحكماء ومقدم الأطباء (فيما) وضع من تدبير الطب وتفصيل الأمراض ويسمى بالرومية أفريشموش، شرحه وفسره أفلاذنوش الحكيم وسماه كتاب التفصيل.
Bogga 1
بسم الله الرحمان الرحيم
ابتداء كتاب التفص(يل) ترجمة كتاب أبقراط بن أقليدس مقدم الحكماء فيما (وضع من) تدبير الطب وتفصيل الأمراض بمعالم صادقة وحدود ( ) لزمها من بعده جميع من طلب علم الطب ولم يجدوا مأخذا غيرها وهو الكتاب الذي يسمى بالرومية أفريشموش وترجمته (1) التفصيل وهو الفاصل بالقصد. وتفسيره أنه قال في كل وجه نصب له من الطب قولا جامعا بلغ فيه بقلة الكلام فيه كثيرا من معرفة علم الطب، وفصل ذلك بعضه من بعض على سبعة أوجه وسبعة وخمسين [P2] تعليما في كل تعليم وجوه شتى حتى أتى على آخر ما وضع من تلك الوجوه. وترجمه (2) بتفسيره ذلك حرفا حرفا وفسره حكيم آخر يقال له أفلاذنوس بقول بين جامع يخف على من قرأه بلا إظلام عليه بكثرة كلام ولا تقصير عن بلوغ حد المعرفة. ترجم من الرومية إلى العربية.
i.1a التعليم الأول من الجزء الأول في وجه الصنعة وصفتها
[فصل]
[aphorism]
قال أبقراط: العمر قصير والصناعة طويلة والزمان حديد (3) والتجربة خطأ والقضاء عسير.
[commentary]
Bogga 2
قال أفلاذنوش المفسر: هذا ما ابتدأ أبقراط في أول ما وضع من علمه في هذا الكتاب الذي يسمى التفصيل فينبغي لنا أن نعرف (4) أنه لا بد من أن يكون لكل كتاب علم وضعه أحد من الحكماء ثمانية أوجه. منها الهمة والمنفعة والنسبة والصنف والتأليف والصحة والإسناد (5) والتدبير. وهذا تفسير ذلك أنه لا بد لكل من وضع كتابا من أن يكون له فيما وضع (6) منه همة، A ويكون له فيما وضع منه منفعة، وأن يكون له نسبة ينسب إليها، وأن يكون صحيحا، وأن يكون على صنف من أصناف الكتب معروفا، وأن يكون مؤلفا من أجزاء جمله (7) [P3] مختلفة، وأن يكون مسندا إلى وجه من وجوه الحكمة، وأن يكون له تدبير موصوف. فيقول إن أبقراط جمع هذه الأوجه الثمانية في هذا الكتاب. وكانت همته عظيمة لأنه كتاب محيط بأصول علم الطب كله يخبر بأسباب الأمراض وعلاجاتها فصار كتابا جامعا قاصدا. وكانت (8) منفعة ما وضع منه ليست بواحدة لأنه نافع لما فيه من المعرفة التي يحتاج إليها والعلاج الذي لا بد منه وأنه (9) نافع للفطن وغير الفطن وللمجتهد وذي الكسل والأديب والجاهل من أجل أنه كتاب زمام (10) للطب كتب بنوادر محكمة. فإن وقع في يدي فطن مجتهد أديب، طلب معرفة تفسير تلك النوادر وتكشيفها بتكشيف معانيها وما جمع من العلم فيها حتى ينتشط له في ذلك الرأي ويتبين له منه علم كثير. وإن وقع في يدي كسل جاهل غير لقن، لم يخطئه (11) من تصفحه تلك النوادر أن يتناول بعض العلم منها وما يكون له فيه منفعة. فهو كتاب كما قلنا نافع لكل من اطلع طلعته ممن اقتصر على قراءة نوادره ومن لم يرض ذلك دون استبراء ما فيه من العلم المحكم. وله نسبة ينسبها إلى تدبيره الذي دبره أبقراط فجعل علم نسبته كتاب التفصيل [P4] مديه (12) دبره تدبيرا مفصلا فألحق النسبة بالتدبير. وقد كان نسب كتبه على أربعة أوجه. فنسب (13) بعضها إلى فعل الإنسان مثل كتابه في تقدمة المعرفة لأن من شأن الإنسان تقدمة معرفة الأمر قبل أن يكون B بعلامات يراها. ونسب بعضها إلى فعل الشيء الذي وضع الكتاب فيه مثل كتابه في ماء الشعير، إنه ينسبه إلى ماء الشعير. ونسب بعضها إلى ما يدخل علينا عن خارج مثل كتابه في البلدان والمياه والأهوية لأن الذي ينفعنا منها أو يضرنا ليس منا ولكنه داخل علينا من قبل اختلاف حال البلدان والمياه والأهوية. ونسب بعضها إلى تدبير الكتاب الذي وضع مثل ما فعل في هذا الكتاب الذي سماه كتاب التفصيل لأنه فصله فصلا فصلا. وتفسير المفصل أنه قول جامع قاصد لأمور كثيرة وله صحة معروفة بفضل صاحبه الذي وضعه أنه أبقراط العميق الفكر المنفرد بما وضع من الكتب المشهورة بالعلم وهو هذا الكتاب وكتاب ماء الشعير وكتاب تقدمة المعرفة وكتاب البلدان والأهوية والمياه. وهذه كتب لا بد منها ، وسائر كتب الحكماء يحتاج إليها ويؤخذ منها الفذ. وتفسير ذلك أن الأشياء كلها توجد بوجهين: أحدهما ما لا بد منه، والآخر لما يحتاج إليه مما منه بد. فالذي (14) لا بد منه الطعام والشراب والخلاء [P5] والكسوة والمسكن، والذي يحتاج إليه ومنه بد الركوب وتضعيف الكسوة والطعام وما أشبه ذلك مما يتزين به الناس في دنياهم مما لو عدموه لاكتفوا بغيره مما لا بد منه. وكذلك كتب الحكماء ليس منها كتاب إلا وفيه ما لا يحتاج إليه. وأما كتب أبقراط فهي التي لا بد منها لأنه لا قوام للطب إلا بها. وله صنف من أصناف كتب الطب ذو وجهين (15) لأنه مفتاح علم الطب لا بد من له ابتداء به. وله تأليف وفصول بوجوه كثيرة على ما فسر أبقراط وجزأه جالينوس A من بعده على سبعة أجزاء. وله إسناد لأنه يسند إلى جزئي الطب التامين أحدهما ثبات معرفة الأمر بالعقل، والآخر تمام الفراغ منه بالفعل. وهذان الجزآن بمنزلة أصول لما يلحقها من فروع العلم وهي أجزاء ثلاثة: منها جزء معرفة الطبيعة، وجزء معرفة السبب، وجزء معرفة العلامات. ثم يتولد من هذه الأجزاء أجزاء أخر: منها جزء العلاج، وجزء الحمية، وجزء التسكين. وله تدبير لطيف موصوف (16) لأن أبقراط وضع جميع كتبه على ثلاثة أوجه من التدبير: منها وجه الحديث بأشياء كان (17) أكثر فيها الكلام، ووجه التفصيل مثل هذا الكتاب الجامع الكثير العلم بقليل الكلام، ووجه (18) ممتزج فيما بين الحديث والتفصيل. فينبغي لنا أن ننظر الآن في إحكام ما بدأنا به في أول [P6] ما وضع من هذا الكتاب إذ قال «العمر قصير والصناعة طويلة». فنقول إنه يلزم من أراد تفسير قول أبقراط ثلاثة أشياء: أولها تفسير كلامه الغريب بكلام العامة المعروف، والثاني إظهار ما في كلامه من خبيئة عقله ولطيف فطنته وشرح ذلك لمن طلب معرفته بكلام بين، والثالث أن نخبر بأسباب ما في كتابه من أصناف العلم حتى يصح ذلك ولا تكون (19) شبهة على طالبه. فنبدأ بتفسير الكلمة الأولى من كلامه إذ قال «العمر قصير ». فنقول إن اسم العمر واحد وهو منسوب إلى وجوه شتى، منها مسكن الإنسان في بلاد لم يزل فيه فنقول إن عمره كان ببلد كذا وكذا. ومنها حال المعيشة في الرخاء والشدة والصلاح والفساد، فيقال عمره كان صالحا أو فاسدا في رخاء أو شدة. ومنها طول حياة B الإنسان وقصرها، فيقال طويل العمر وقصيره. وهذا وجه يجر(ي) على مساكنة (20) النفس والجسد أو مفارقتها إياه. وهذا العمر عنى أبقراط بقوله «العمر قصير» يعني به بقاء النفس في الجسد. فنسأل أبقراط عن رأيه في هذه الكلمة فنقول: ما بالك يا أبقراط (21) قلت إن العمر قصير، وقد رأينا عمر الإنسان يبلغ عشرين ومائة سنة، فيخبرنا كتابه بجواب ما سألناه عنه من الكلمة الأولى (في الكلمة) التي [P7] تليها (22)، فنقول إن في الكلمة الثانية التي تقول (23) «الصناعة طويلة» بيان الأولى التي تقول (24) «العمر قصير» بقياس طول الصناعة. فإن قال قائل: كيف لنا أن نعرف (25) أن الصناعة أطول من العمر، قلنا: بحق الصناعة أن تكون طويلة من أجل أن لها جزئين تامين المعرفة بالعقل (26) والفعل بالعمل وأن لكل جزء منها (27) أجزاء أيضا غير المعرفة. فأجزاء المعرفة بالعقل (28) ثلاثة أجزاء: منها معرفة الطبيعة، ومعرفة السبب (29)، ومعرفة العلامات. وأجزاء الفعال (30) بالعمل ثلاثة أجزاء أيضا: منها العلاج بالأدوية، والعلاج بالقطع والبط والكي بالأيدي، والتدبير بالطعام (31) والشراب والأدهان والحمامات وما أشبه ذلك مما يدخل في فروع الصناعة (32). فمن أجل كثرة فروع الصناعة كان الأولون يرضون بلزوم بعضها وإحكامه. فكان بعضهم (33) يحكم العلاج بإسقاء الأدوية كلها التي تختلف والتي لا تختلف وبالفرغ من فوق ومن أسفل. وكان بعضهم يحكم العلاج باليد بالقطع والبط وجبر الكسر والكي وأشباه ذلك. وبعضهم يحكم التدبير A بالطعام والشراب والأدهان والحمامات (34) والإدفاء (35) والتبريد (36) وما أشبه ذلك لأنه من أراد إحكام بعض هذه الأجزاء لم [P8] يحكمها إلا بعد عناء ونصب فكيف بمن يريد أن يجمع ذلك كله، وهذه بعد أجزاء غليظة لأنها أجزاء الفعال (37) بالعمل. فأما أجزاء المعرفة بالعقل فأجزاء لطيفة (38) لا تحكم (39) معرفتها إلا من بعد طلب حثيث ومناجزة (40) واستعمال العقل وهو صاف صحيح لأن أجزاء المعرفة بالعقل معرفة الطبيعة ومعرفة السبب ومعرفة العلامات فمن أراد معرفة الطبيعة فلا بد له أن يعرف العناصر الأربعة الأولى (41) لأنها أمهات وأصول خلقت قبل كل شيء سوى دجى فرادى مرسلة ثم خلق بقية الخلق كله بائتلاف منها وتركيب واجتماع كلها أو بعضها؛ وأن يعرف طبائعها إذا انفردت وإذا ائتلفت وامتزاج (42) بعضها ببعض ومذاقاتها (43) وكيف تتألف وتمتزج وفي أي وقت وجزء من أجزاء السنة يكون مزاج كل واحد منها مع صاحبها، ويعرف ائتلاف ما بينها واختلافه، ويعرف غليظها من لطيفها وثقيلها من خفيفها ويابسها من رطبها وباردها من حارها، ويعرف أجزاء السنة الأربعة الربيع والشتاء والصيف والقيظ؛ ويعرف أن العناصر الأربعة هي الأرض والماء [P9] والهواء والنار، وأن طبائعها فرادى الأرض يابسة والماء بارد والهواء رطب والنار حارة، فإذا امتزج بعضها ببعض كانت الأرض باردة يابسة لامتزاج برودة الماء وكان (44) الماء باردا رطبا لمزاج رطوبة الهواء، وكذلك الهواء رطب B حار لمزاج حرارة النار، وكانت النار حارة يابسة لمزاج يبس الأرض لأن الخالق تعالى وعز جعل مسكن الماء في الأرض لأنها أثقل من الماء ومسكن الهواء في الماء لأن الهواء أخف من الماء (45) ومسكن النار في الهواء لأنها أخف من الهواء ورد حرارة النار وشعل المصابيح كلها إلى الأرض لتأخذ النار اليبس من الأرض فيستقيم مزاج العناصر كلها. المذاقات (46) ويعرف أن مذاقة الأرض حامضة (47) ومذاقة الماء مالحة ومذاقة (48) الهواء حلوة ومذاقة النار مرة؛ ويعرف أن مزاج الأرض والماء يكون في جزء الخريف لمكان نار الشمس في أسفل الفلك ومكان الماء في الهواء ونزوله على الأرض، ومزاج الهواء والماء يكون في الشتاء لما فيها من لطيف برودة الماء في الهواء، ومزاج الهواء والنار يكون في الربيع لتعالي نار الشمس في أعلى الفلك وتداخلها الهواء، ومزاج النار والأرض يكون في القيظ لهبوط نار الشمس في [P10] أسفل الفلك، وأن الأرض عند ذلك مخالف (49) تكون ردا (50) لها؛ ويعرف أن الماء ملائم بالبرودة للأرض مخالف للنار، والهواء ملائم للماء بالرطوبة (51) مخالف للأرض، والنار ملائم للهواء بالحرارة مخالف للماء؛ ويعرف أن الخلائق كلها التي خلقت من مزاج هذه العناصر الأربعة ليست بسواء في خلقتها لأن منها ما خلق من عنصرين وآخر مزاجه من ثلاثة عناصر وآخر مزاجه من أربعة عناصر A اجتمعت فيه؛ وأن الخلق أربع درجات يفوق بعضها بعضا في تلك الدرجات: فمنه خلق لا يتحرك ولا يرى ولا ينبت وهو في الدرجة الدنيا وهو خلق الأرض والجبال والحجارة، ومنها خلق أرفع من ذلك في الدرجة الثانية يرى وينبت ولا يتحرك وهو خلق الشجر والنبات كله، ومنها خلق أرفع (52) من ذلك في الدرجة الثالثة يرى وينبت ويتحرك لأن فيه نفسا تحركه ويحس بها وهو خلق الدواب كلها في البحر والبر والطير كله، ومنها (53) خلق أرفع من ذلك كله في الدرجة الرابعة يرى ويتحرك وينبت وينطق ويحس ويعقل وهو خلق الإنسان أتم الخلق وأكمله لما فيه من فضل العقل والمنطق. [P11] ذكر العناصر الأربعة وجواهرها ونعرف أجزاء العناصر الأربعة المؤتلفة في الإنسان أنها أركان جسده الأربعة وأن كل واحد منها على طبيعة عنصره ومذاقته وحالته قائم بها معروف، فيعرف أن المرة السوداء أرضية يابسة باردة غليظة ثقيلة تقوى في الخريف وأن البلغم مائي بارد رطب غليظ يقوى في الشتاء وأن الدم هوائي حار رطب يقوى في الصيف (54) وأن المرة الحمراء (55) نارية حارة يابسة لطيفة خفيفة تقوى في القيظ (56) وأن مذاقة المرة السوداء حامضة ومذاقة البلغم مالحة (57) ومذاقة الدم حلوة (58) ومذاقة الصفراء مرة وأن البلغم المائي ملائم للمرة السوداء الأرضية بالبرودة مخالف للمرة الصفراء النارية وأن الدم الهوائي ملائم B للبلغم المائي بالرطوبة مخالف للمرة السوداء الأرضية وأن المرة الصفراء النارية ملائمة للدم الهوائي بالحرارة مخالفة للبلغم المائي. ويعرف أن صحة الجسد مع اعتدال هذه المزاجات وبانتقاضها تحدث الأمراض كلها فيه وأن ذلك الانتقاض من وجهين: أحدهما إفراط بعض تلك [P12] العناصر على بعض بالزيادة، والوجه الآخر تغير بعضها عن مزاجه (59) في الحرارة والبرد واليبس والرطوبة والغلظ والرقة مع تغير المذاقة. ويعرف أن إفراطها ذلك وتغيرها يأتي من ثمانية أسباب. ذكر الأسباب التي منها التغييرات أولها من قبل الغالب على مزاج الجسد في الخلقة من الأركان الأربعة، وذلك من قبل مزاج أجساد الوالدين في اليبس وغيره. والسبب الثاني سن العمر في الحداثة والشباب والاكتهال والكبر. والسبب الثالث موضع البلد من غور أو نجد أو ريف أو بحر أو بدو أو حضر. والسبب الرابع جزء السنة من ربيع وشتاء وقيظ (60) وصيف. والسبب الخامس عادة الطعام والشراب من ثقيل أو خفيف أو نافع أو ضار. والسبب (61) السادس المعيشة في دعة أو كد أو شدة أو رخاء. والسبب (62) السابع صناعة العمل من سفان في ماء أو حداد قرب نارا وما (63) أشبه ذلك. والحد (64) الثامن العادة التي اعتادها مع المولد والتربية. وإن من قبل هذه الثمانية الأسباب يكون انتقاض اعتدال مزاج الجسد. [P13] وهذا ذكر A قوى الطبائع وما جاء فيها عن الفلاسفة وتعرف أن للطبيعة قوى معروفات على حدتها وأن للنفس قوى معروفات على حدتها وأن قوى الطبيعة عاملة في التربية والنبات وأنها في كل خلق ذي طبيعة مما له نفس وما لا نفس له وأن قوى النفس عاملة على خمس وهن السمع والبصر والشم والمذاقة والمجسة وأنها (65) في كل ذي نفس ليست فيما لا نفس له. ونعرف أن قوى الطبيعة هي المربية للجسد وأنها أربع قوى منها جاذبة وهي ناشفة ومنها ماسكة ومنها مغيرة ومنها مبرزة وأن الناشفة هي التي تورد الطعام والشراب في المعدة وأن الماسكة هي التي تمسكه في المعدة لا يهبط إلى الأعفاج حتى تميز صفوه من ثفله وأن المغيرة هي التي تطبخ ذلك الصفو في الكبد وتذيبه وتنفذه في الجسد وأن المبرزة هي التي تبرز الأثفال وتخرجها من الجسد. ونعرف أن لا بد لكل ما ورد المعدة من شراب أو طعام أن يتماشى في المعدة ويذوب في المعدة بحرارتها ورطوبتها وأنه لا يتماشى شيء أبدا ولا يذوب مع يبس وبرودة ولا رطوبة وبرودة ولا حرارة ويبس دون اجتماع الحرارة والرطوبة. [P14] وهذا ذكر قوى المعدة ووصف جواهرها وإن (66) للمعدة أربع قوى مثل قوى الطبيعة. منها قوة حارة ناشفة تقبل ما ورد عليها من المريء، فإن ضعفت ولم تستمر ما أتاها ردته فقأ. وقوة ممسكة تمسك ما ورد عليها حتى يتماشى ويذوب، B فإن ضعفت أحدرته إلى الأعفاج قبل ذوبه فلم ينتفع به الجسد. وقوة مغيرة تغير ما فيها بالتمشية والذوب (67) حتى يتميز ثفله من صفوه، فإن ضعفت عن ذلك برد ما فيها على حاله ولم يصل إلى الجسد منه منفعة. وقوة مبرزة تحدر الثفل الباقي من بعد ذهاب صفوه في الكبد إلى الأعفاج وتخرجه من الحلقة فافهم. وهذا ذكر قوى الكبد ووصف جواهرها وللكبد تلك القوى الأربع أيضا: ناشفة تنشف صفو الطعام والشراب المتميز في المعدة من ثفله، وممسكة تحبسه فيها إلى أن يبدأ بالنضج، وقوة هاضمة تغيره بطبخه لرطوبة الدم وحرارة المرة الصفراء وتنضجه حتى يحمر ويتدمى، ومبرزة تبرز ما طبخت وأنضجت من أجزاء الكيموسات، وهي الطباع الأربع بعضها [P15] من بعض. وتنفذ كل واحد منها إلى موضع كيموسه في مجار (68) خفية لطيفة بعد النضج فتحبس جزء المرة الصفراء في الكبد وتورد جزء الدم القلب وجزء البلغم الدماغ وجزء المرة السوداء الطحال (69) وتبرز ما فضل من مصالة ذلك الصفو بعد النضج فتنشفه الكليتان وهي مصالة صفو الرطوبات التي تنشف الكبد من المعدة بمنزلة مصالة اللبن من الجبن لأن في الكليتين قوى الطبيعة أيضا. وهذه القوى الأربع أيضا هي في الكليتين وجواهرها (70). قوى الطبيعة أيضا ناشفة جاذبة تجذب (71) تلك المصالة المبرزة من الكبد، وماسكة تمسكه حتى تنضجه أيضا، ومغيرة (72) تطبخ وتنضج البول وهو تلك المصالة حتى يتجزأ (73) ما فيه فينفرج A جزء الهواء متصاعدا ويرسب (74) مما (75) فيه من الجزء الترابي في أسفله ويصفو أفرعه (76) وهو الجزء المائي ثم تنشفه المثانة من بعد ذلك وتبرزه من الإحليل. ونعرف أن ورود الطعام والشراب إلى المعدة يجري مجرى بينا وهو المريء لغلظ ذلك قبل التمشية والذوب وأن أثفال ذلك لا تجري فيما بين ذلك إلى داخل الجسد وتمشي إلا بالتنشف لأن [P16] التنشف يصفيه ولا يقبل شيئا من الأثفال فلذلك وصل ما في المعدة من صفو الطعام والشراب ولطيفها إلى الكبد بالتنشف وليس من مجرى معروف وكذلك ينفذ في الجسد ما يطبخ من ذلك الصفو وهو أطيبه وألطفه ولأنه ينفذ في الجسد غذاء تربية أبدا ولا في غير الجسد من الخلق إلا من بعد الطبخ والنضج وكذلك تنشف الكليتين مصالة تلك الرطوبات من الكبد وتنشفها المثانة من الكليتين فصار تدبير التربية من خارج يجري في مجار (77) معروفة واسعة وخفية وتدبيرها في داخل الجسد يجري بالتنشف. فإذا أثبت ذلك كله معرفة بلغت جزء معرفة الطبيعة. وهذا ذكر أسباب الأمراض ثم ينبغي بعد ذلك المعرفة بجزء أسباب الأمراض من أين يأتي انتقاض (78) هذه القوى الطبيعية العاملة في المعدة والكبد والكليتين وتغير قوى النفس الخمس حتى يقع الضعف والمرض في البصر والسمع والشم والذوق والمجسة. ويعرف وجه ذلك B التغيير من أي عنصر هو من زيادة أو نقصان (79) من ذلك العنصر أو برد أو حر أو يبس أو رطوبة حتى يحكم معرفة جزء الأسباب. ثم يعرف بعد ذلك جزء العلامات. [P17] وهذا ذكر العلامات التي تعرض بها حالات الأمراض وهي علامات تعرف بها حالات الأمراض كلها الحادة منها، والمزمنة، وما يرجى برؤه منها، وما لا يرجى برؤه، وما يعرف به المرض الحاد من المزمن وقرب البرء والموت من بعدهما. وهي علامات تسع لا بد لكل من طلب الطب من إحكام معرفتها: أولها اللون (80) في الوجه وغيره وما يظهر من صحته وتغيره؛ والثانية إحكام النظر في المجسة (81)؛ الثالثة إحكام معرفة البول؛ الرابعة السؤال عن النوم وحسن النظر فيه وما يحدث معه؛ والخامسة إحكام النظر في العرق ومعرفة ما يأتي منه؛ والسادسة معرفة النفث وما يجيء من أصنافه من الأمراض التي يحتاج فيها إلى النظر فيه؛ والسابعة معرفة الاختلاف وما يظهر معه مما يحتاج إلى النظر فيه. ثم ابتدأ أيضا فقال: ولهذا كله وغيره مما يحتاج إليه في صنعة الطب من معرفة ما في الأعشاب والأشجار وأصولها وفروعها وورقها ونوارها وثمرها وزرعها وطعومها وألبانها ولحائها من المنافع وما في المعادن من منافع الأجساد المعدنية والكباريت وما في دواب البر (82) والبحر والسباع [P18] والطير وما في أجسادها وعظامها وشحومها ودمائها وألبانها ومراراتها وأبوالها وزبولها. A (82b) وإنا نجدها من المنافع ومما في غير ذلك مما لا يحيط به علمنا (83).
Bogga 9
تفسير قول أبقراط «الصناعة طويلة»: قال أبقراط «الصناعة طويلة» يعني بالصناعة عمل الطب فبحق قال إن «العمر يسير وقصير». وأما قوله «الزمان حديد (84)» فإنما عنى بذلك انتقال الأشياء وتغيرها وأن الطبيعة جارية على كل حال. وعنى بها أيضا سرعة انتقال حال المريض في الأمراض الحادة. فربما دخل الطبيب على المريض فلم [P21] يتهيأ له ما ينبغي له من الدواء في ساعته تلك فألا (85) أن يعالجه به قد (86) ربما تغيرت طبيعة المريض وضعفت قوته فلا يقوى على شرب الدواء. فلذلك وأشباهه مما يحدث سرعة تغير الطبيعة في الأمراض الحادة قال «الزمان حديد (87)». وأما «التجربة خطأ» فقد ينبغي لنا أن نطلب معرفة ذلك فنقول إن الذي دعاه إلى ذلك معرفته بفضل (88) عمل الطب على سائر الأعمال فإنها (89) لا تستقيم التجربة في صنعة الطب كما تستقيم في سائر الصناعات لأن في كل صناعة يبدأ بالتجربة في كل شيء ثم تعمل بالإحكام (90) في شيء آخر مثل ما يعمل النجار قبل أن يحكم فيخبر في أعواد رديئة حتى يستمر على العمل ويحكمه فيخبر رديء العيدان وجيدها. فأما الطبيب فليس له جسد يجرب العلاج فيه سوى الجسد الذي يعالجه فلذلك لا تستقيم التجربة في الطب. فإن تعرض لذلك الطبيب قبل أن يحكم أخطأ. والتجربة أيضا على وجه آخر خطأ. وذلك أن من الأدوية ما يوافق بعض الناس ولا يوافق غيرهم وليست توافق الناس كلهم الأدوية كلها لأن الأمراض ليست تتولد كلها من كيموس واحد ولا مزاج B الناس كلهم [P22] واحد فمن ألزم التجربة من غير علم أخطأ. وأما قوله «القضاء عسر» فإنه معناه في هذا الفصل على وجهين: أحدهما أنا نجد للمريض الواحد أدوية كثيرة كلها موافقة فيعسر علينا معرفة أنفعها له، والقضاء لذلك الدواء بذلك القضاء عسير؛ والوجه الآخر أن الأمراض الحادة سريعة الانتقال لحدتها فربما احتد المرض فتحق فناء هلاك صاحبه ثم لم يلبث المرض أن تتغير حدته فتنكسر فيرجى صاحبه ثم لا يلبث أن يحتد المرض، فلسرعة تغير حال المريض في الأمراض الحادة يعسر على الطبيب (91) القضاء فالفرج قبل أن يبلغ المريض الحدود التي سماها أبقراط. وينبغي لنا أن نعلم (92) ما بال أبقراط ابتدأ في كتابه هذا مثل هذا الابتداء، فقال «العمر قصير الصناعة طويلة»، فنقول إنه قد أراد بذلك وجوها غير واحد ليكون قوله داعيا لكل حريص أو كسل إلى أن يعلم الطب: أما الحريص فيزداد حرصا، وأما الكسل فيستقل من الكسل إلى الحرص إذا سمع أن الصناعة طويلة؛ وليبلو (93) بذلك حالات (94) أنفس طلاب هذا العلم: فمن كان منهم نزيه النفس ذكي العقل حريصا على العلم لزم الطب ولم يغتم بقول أبقراط إن «العمر قصير الصناعة طويلة»، ومن كان على غير ذلك اغتم بقوله ورجع عن [P23] قرب (95) ولم يتناول علم أبقراط من ليس بأهله. ولأنه كان أول من وضع في الطب كتبا من الحكماء فأراد إعلام من بعده أن الذي دعاه إلى وضع العلم في الكتب معرفته بأن العمر يسير وأن المعلمين لا يبقون حتى A يحكم المتعلمون صنعة الطب لكثرة ما يحتاجون إليه من العلم قبل ذلك، ووضع العلم في كتب لتكون تلك الكتب تعليما للمتعلمين بعد موت المعلمين. ومن ردد كلام أبقراط في هذا الفصل الأول وجد له (96) معنى آخر أيضا. وذلك أنه لما علم أن القضاء عسير لما ذكرنا آنفا دله (97) عسر القضاء على خطأ التجربة، وعرف أن خطأها (98) لم يأت إلا لحدة الزمان التي هي سرعة تغيير الأشياء كلها وانتقال الحالات، فعرف بحدة الزمان ما يحتاج إليه من كثرة العلم، فقال «الصناعة طويلة» ودله طول الصنعة على أن العمر بقياس ذلك قصير، فنكس الكلام فابتدأ من آخره حتى انتهى إلى أوله لسعة عقله وعموق فطنته، فقال «العمر يسير والصناعة طويلة والزمان حاد والتجربة خطأ والقضاء عسير ».
i.1b وهذا ابتداء الفصول وهو أول باب من الفصول بعدما تقدم في أدب الصناعة
[aphorism]
قال أبقراط: ينبغي للطبيب ألا يقتصر على فعل ما ينبغي له أن يفعل [P24] دون أن يستعين بالمريض على نفسه وبمن يحضره وبالذين من خارج.
قال أبقراط: هذا الفصل.
[commentary]
Bogga 10
وقال المفسر: إن أبقراط لما جزم القول في الفصل الأول فقال «العمر قصير والصناعة طويلة»، رأى أن يشير علينا في هذا الفصل كيف ينبغي لنا أن نفعل إذ صار (99) العمر عند طول الصناعة يسيرا والزمان حادا والتجربة بلا معرفة خطأ والقضاء عسيرا لحال انتقال الأشياء، فقال «ينبغي للطبيب ألا يقتصر على فعل ما ينبغي له أن يفعل دون أن يستعين بالمريض على نفسه وبمن يحضره وبالذين من خارج». وليس يسقط عنا B أن في مشورته هذه أشياء مستورة كما كان في قوله الحازم في الفصل الأول أشياء مستورة. فينبغي لنا أن نكشف ما في فصله هذا من خبيئة عقله ولطيف فطنته كما فعلنا في الفصل الأول. فنقول إن الذي دعاه إلى أن يشير علينا بهذه المشورة معرفته بكثرة ما يصيب المريض من حوادث الأمراض وما يأتي فيها من الخطأ وإن ذلك كله ينسب إلى الأطباء ويحمل عليهم ويقال إنهم الذين اجتلبوا ذلك المرض. ويكون الخطأ من قبل المريض إذا كان عاصيا للطبيب وأن يكون الخدم غير موافقين. فمن أجل ذلك قال إنه [P25] «ينبغي للطبيب ألا يقتصر على فعل ما ينبغي أن يفعل دون أن يستعين بالمريض على نفسه وبمن يحوله وبالذين من خارج». فالعجب (100) للطيف فطنة أبقراط كيف أسند معرفة ما ينبغي إلى الطبيب ولم يقل أي شيء ينبغي لمعرفته أن ذلك أمر لازم للطبيب أن يعرف من حال المريض ما ينبغي له ويعالجه بما ينبغي ولكنه يحق علينا إظهار ما ينبغي للطبيب أن يفعل وأن نقول إنه ينبغي للطبيب أن يطلب معرفة العضو الرئيس المريض إن كان رئيسا من الأعضاء أو غير رئيس أو كان مبتدأ مرضه ذلك منه أو من غيره انتقل إليه ومن أي سبب ذلك كيما يقاتل ذلك المرض على معرفة منه حتى يحزمه. وأما استعانته بالمريض على نفسه وبمن يحضره فإنه يعني به طاعة المريض للطبيب في الشيء والكم والمتى وعلى أية حال. فأما في الشيء فألا يتعدى ما يأمره الطبيب من الأشياء الحارة والباردة وما أشبه ذلك. وأما في الكم فألا (101) (101b) A يزيد على المقدار الذي رآه الطبيب موافقا. فإن الكثرة من الشيء والقلة حيث لا ينبغي تضران (102). وأما المتى فألا يتناول الشيء دواء كان أو طعاما إلا في الإبان (103) الذي يوقت له الطبيب. وأما على أية حال فألا يخالف صفة الطبيب في الأكل مرة أو مرارا كثيرة أو قليلا قليلا. وينبغي أن يكون من يحضره على مثل ذلك في الطاعة، وأعني بمن يحضره (104) الخدم الذين يلون (105) أمره. والخدم على صنفين: منها صنف يلزم قرب المريض ممن يطعمه ويسقيه ويكمده ويدهنه (106) ويقبله فقد ينبغي لأولئك أن يكون لهم لطف؛ وصنف آخر منهم ممن يعالج له طعاما أو شرابا ويطلب حوائجه. فينبغي أيضا لأولئك (107) أن تكون لهم لطافة وأن يكون من يجلس إليه ويحدثه أقاربه وأهل بيته ووده ولا يقرب مجلسه من يبغضه ويثقل عليه. وأما «الذين من خارج» فإنما عنى (108) بذلك الهواء وما يهيأ له (109) منه مما يحتال له فيه من تسخين الهواء وتبريده في مضجعه حتى يكون موافقا للمريض وأن يكون (110) عنه ما يسره ويستر عنه كل ما يكرهه ويؤمر الجيران ألا يؤذوه. فربما نام المريض وأسرف (111) على تفريج من عرق دنا منه فيكون من الجيران وجبه (112) وجلبه (113) توقظة من نومه فيلحقه بذلك سهر ومن سهر الحمى (114). [P19] ولو تم له (115) نومه ذلك فعرق، أفاق. فإن قال قائل: ومتى ينبغي أن يخبر المريض بأمر يكرهه وأن يحدث بما يحزنه، قلنا :نعم إذا كان المريض مسبتا وخيما احتلنا لصاحبه أن يخبر بكل ما يحزنه ويقلقله ويحدث به كيما يحركه ذلك ولا يدعه B في عرقه وسباته، بل نحن نأمر عند مثل تلك الأمراض الخدم أن يصوتوا ويجلبوا عند المريض وأن يفعل الأطباء مثل ذلك الحال لحال ثقل مرضه وسباته. وينبغي أن تعلم أن لكل عمل يعمل كبيرا كان أو صغيرا أربعة أشياء لا يعمل ذلك العمل إلا بها، منها صانع ونقل وأداة فإذا تم العمل كان شيئا رابعا: كعمل الحداد والنجار أنه (116) لا بد من الصانع حدادا كان أو نجارا ولا بد من نقل الحديد للحداد والعيدان للنجار ولا بد من أداتهما من الحديد الذي يعملان به فهذه الثلاثة الأشياء صانع ونقل وأداة، فإذا تم العمل كان شيئا رابعا؛ وبيان ذلك أن السكة التي عمل الحداد لما أتم عملها صارت شيئا آخر معروفا غير الحداد ولا الحديد ولا الأداة، والباب الذي عمل النجار لما تم عمله صار شيئا آخر معروفا غير النجار والعيدان ولا الأداة. فإن (117) ذلك نظر أبقراط فذكر في هذا الفصل الطبيب والمريض والخدم [P20] ليخبرنا أن الطبيب هو الصانع وأن المريض هو النقل والذي يتبين فيه صنعة الصانع وأن الخدم هم أداة العمل، ولم يذكر تمام العمل وهو البرء. وإنما ترك ذكره لمعرفته أنه إذا اتفقت الأشياء الثلاثة تبعها الرابع فجاء البرء. وقد بقي الهواء لم يدخله (118) في شيء. وبعض الناس يزعمون أن الهواء لا يضر ولا ينفع وإنما مثله مثل الموضع الذي فيه المريض والأيام التي تمر به لا تنفعه ولا تضره فكذلك الهواء. وقد أخطؤوا (119) في ذلك لأن الهواء إذا حسن مزاجه نفع المريض، وإذا اختلف مزاجه ضره. A (119b) فينبغي أن نجعل الهواء (120) مع الصانع إلا أنه صانع متنابي (121) والطبيب صانع لازم. وينبغي أن نعرف أن المصارعة (122) في كل مرض تقع بين ثلاثة أحدها الطبيب الآخر المريض والآخر المرض وأنه (123) إذا توازر اثنان منها (124) [P26] على الواحد صرعاه: فإن وازر المريض الطبيب بطاعته إياه هزم المرض؛ وإن وازر المريض المرض بما يركب من الخطأ هزم الطب؛ وإن وازر الطب المرض بسوء علاج الطبيب هزم المريض (125).
i.2a ومن التعليم الأول في وجوه الاختلاف والقيء (126) يعرض من غير دواء والذي يخرجه (127) الدواء أيضا
[aphorism]
قال أبقراط: إذا تحرك البطن باختلاف أو قيء طوعا فإن استقاء (128) منه ما ينبغي فهو أمثل وأخف، وإلا فهو خلاف. وكذلك يكون إذا كان من قبل إفراغ الأدوية فإن (129) كان كما ينبغي أن يكون فهو أمثل وأخف، وإلا فهو على خلاف ذلك.
[commentary]
Bogga 11
قال المفسر: لا بد من أن يكون سبب الاختلاف والقيء كله من قبل كثرة أحد الكيموسات الأربعة. فقد ينبغي عند ذلك أن يفرغ من كثرة الكيموس الزائد. وللفرغ وجهان: أحدهما من قبل الطبيعة تلفظ (130) تلك الزيادة بلا دواء ولا بعلاج طب، وإفراغ تلك الزيادة بالدواء (131)، وإياهما عنى أبقراط. فإن جاء الفرغ من قبل الطبيعة فذلك أسهل، وإلا احتجنا إلى الإفراغ بالطب. وقد (132) ينبغي أن ننظر إلى ما يخرج من الفرغين (133). فإن كان الكيموس الزائد فهو أمثل وأخف على الذي يفرغه لأن من قبل الزائد [P27] يكون المرض ومع إفراغه تأتي الصحة. وإن كان ما أفرغ من غير الكيموس B الزائد فذلك خلاف الأمر الذي يراد وهو أبعد من الصحة وأثقل على من استفرغ الكيموس الناقص مكان الكيموس الزائد.
i.2b فصل آخر يذكر الزمان
[aphorism]
قال أبقراط: وقد ينبغي لنا أن ننظر في الزمان والبلاد والسن والأمراض التي ينبغي النظر فيها أو لا.
[commentary]
قال المفسر: إنما قال أبقراط «ينبغي لنا أن ننظر في الزمان والبلاد والسن والأمراض» من أجل الفرغ الثاني الذي يأتي بالعلاج لا تعالج به حتى ننظر في زمان السنة أي جزء هو من صيف أو شتاء وفي البلاد وحاله والسن من الحداثة والكبر والأمراض وأصنافها إن كان ذلك كله موافقا للعلاج. فأما الفرغ الأول الذي يأتي من قبل الطبيعة فليس إلينا حيلة ولا دفعة.
i.3 في وجه تكشيف صحة الجسد والفرغ
[aphorism]
قال أبقراط: عند تكشيف الصحة القصوى أخطأ إن كانت في المنتهى لأنها لا تستطيع أن تثبت على حالها ولا تقيم على غير انتقال، وإذا كان لا بد لها من الانتقال وليس تقدر على أن تنتقل إلى خير مما هي عليه [P28] فقد بقي أن تنتقل إلى ما شر. من أجل ذلك هو أمثل أن تطلق الصحة بلا إبطاء كيما (134) يبتدئ الجسد بالتربية من ذي قبل وألا يفرط في التنقص فإن ذلك خطأ ولكن على قدر ما تحتمل طبيعة الذي يفعل ذلك به. قال: وكذلك أيضا الفرغ إذا بلغ المنتهى خطأ والملء إذا بلغ المنتهى خطأ.
[commentary]
Bogga 12
قال المفسر: إن قول أبقراط في وجه التكشف والفرغ كله على معنى واحد A يقول إن الصحة تكشف الإنسان كما يكشف الإنسان الدابة حتى يعرف فضل جريها. فإذا بلغت الصحة منتهاها في الجسد ومنتهاها أن تمتلئ أوعية الجسد حتى لا تسع شيئا ولا يكون لها متنفس فإن ذلك خطأ وإن كان الكيموس الذي ملأها صحيحا صالحا لأن الطبيعة لا بد لها من أن تجمع فضولا فإذا ألقت تلك (135) الفضول إلى الأوعية وهي مملوءة سدت المجاري وجاء من ذلك شر كثير. من أجل ذلك ينبغي أن تحل الفضول سريعا بالفرغ ولا يبطأ عن تنقصها كيما تبتدئ الطبيعة بتربية الجسد من ذي قبل إذا وجدت متنفسا وموضعا (136) للزيادة. ولا ينبغي أن يكون التنقص (137) مفرطا على الطبيعة ولكن على قدر قوة الذي يفعل ذلك به فليكن إفراغه.
i.4 التعليم الثاني في وجه أصناف طعام المريض [P29] وتقدير ما يصلحه
[فصل]
[aphorism]
قال أبقراط: الأطعمة اللطيفة لطافة رقيقة (138) جدا ليست تحمل لا في الأمراض المزمنة ولا في الحادة، والأطعمة التي أيضا على حد اللطافة رديئة مثل أن الماء (139) الذي على الحد الأقصى رديء يعني الممزوج.
[commentary]
Bogga 12
قال المفسر: أراد أبقراط في هذا الموضع أن يبصرنا تقدير أطعمة المرضى. فقال إن من طعام المرضى طعاما لطيفا (140) جدا يقال له الأقصى، وطعاما (141) آخر يقال له لطيف ليس على لطافة حد الأقصى وهو الطعام الذي يطعمه أهل الأمراض الحادة، وطعاما (142) آخر يطعم عند منتهى المرض. والطعام اللطيف جدا الذي على الحد الأقصى العسل الممزوج بالماء مزاجا رقيقا، والطعام الوسط اللطافة الذي يطعمه B أهل الأمراض الحادة ماء الشعير، والطعام الذي دون ذلك في اللطافة نأذن فيه عند منتهى المرض. وينبغي أن نضع لهذه الأطعمة تفسيرا بينا، ونسميها على أربعة أصناف ووقت كل صنف منها الذي يطعم فيه. فأما الطعام اللطيف جدا فالماء السخن وحده أو ممزوج بشيء من عسل قليل، وذلك الغذاء ينبغي للذين بهم مرض حاد من بدء مرضهم وأول ضجعتهم إلى اليوم الرابع. وأما الطعام اللطيف وليس في الحد الأقصى فماء [P30] الشعير وهو ينبغي لهم من اليوم الرابع إلى السابع. وأما الطعام الذي دون الأولين في اللطافة فحسو الخمير وحسو البيض المشوي وهو ينبغي لهم من اليوم السابع إلى تمام الأربعة عشر يوما. وأما الطعام الذي هو أغلظ من ذلك كله فالأحساء والكعك والبيض، وذلك بعد تمام الأربعة عشر يوما. والسمك الطري يطعمه الذين بهم مرض يطول من الأمراض المزمنة.
i.5-6 في وجه العلاج بالطعام
[aphorism]
Bogga 13
قال أبقراط: إن المرضى يخطون (143) في الأطعمة اللطيفة يتجاوزهم (144) إباءها (145) ولذلك يعظم ضررهم لأن الذي يكون عن خطائهم أعظم ضرا عليهم (146) من الطعام الذي يرخص لهم فيه دون اللطيف قليلا. فمن أجل ذلك ينبغي للأصحاء شدة التحفظ من الأطعمة اللطيفة جدا لأنهم يأتون من الخطأ ترخيصهم لأنفسهم فيما يأكلون أعظم مما نرخص لهم نحن فيه. ولذلك صارت (147) شدة التحفظ في الأطعمة اللطيفة جدا خطأ عند الأمراض التي هي ألين قليلا. فأما عند الأمراض الحادة A جدا على الحد الأقصى فشدة التحفظ في الأطعمة على الحد الأقصى أفضل. [P31]
[commentary]
قال المفسر: من أجل أن كثيرا من المرضى لا يقوون على طاعة الطبيب في لزوم الأطعمة اللطيفة جدا فيتناولون من أضر الأطعمة لهم ويعظم خطاؤهم (148) فلذلك هو أمثل أن يأذن لهم في الطعام الذي فيه بعض الغلظ فلا يتناولون ما هو أغلظ منه وأضر لهم جدا.
i. 7 في الوقت الذي ينبغي لهم فيه شدة التحفظ في الطعام
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان المرض حادا جدا وكان (149) معه وجع شديد فعند ذلك لا بد من لزوم الطعام اللطيف جدا على أفضل حد اللطاف. وإذا لم يكن كذلك وكان المرض ثقيلا فليطعم أغلظ من ذلك قليلا وينبغي أن يكون التنزل في الطعام من اللطافة إلى الغلظ على قدر تنقص المرض من أقصى حد الحدة إلى أدناه.
[commentary]
قال المفسر: إذا كان المرض حادا جدا، تعرض منه الأوجاع الشديدة من أول وقعته فعند ذلك ينبغي أن نلزم المريض الطعام اللطيف جدا كيما لا يكون للمرض ثقل يلقيه فيستأنف به.
i. 8 فصل آخر إذا كان المرض في زيادة
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان المرض في زيادة، ينبغي أيضا لزوم الطعام اللطيف والشراب إلى منتهى المرض. [P32]
[commentary]
قال المفسر: إنه يقع بين الطبيعة والمرض جهاد عند زيادة المرض إلى منتهاه فلذلك لا يعطى المريض طعاما غليظا وليكن ما يفعل بالصريع: إذا أراد الصراع لا يكثر له بالطعام كيما لا تثقل قوته فلزمه الفتر، وكذلك يفعل بالطبيعة فيما نطعمها.
i. 9 فصل آخر
[aphorism]
Bogga 13
قال أبقراط: ينبغي لنا B أن ننظر المريض إن كان به احتمال لزيادة المرض أم لا وننظر أي الأمرين كائن أينهزم المريض قبل فيقوى بالطعام أو ينهزم المرض قبل ويطفأ (150).
[commentary]
قال المفسر: ينبغي لك أيها الطبيب أن تعرف قوة المريض إن كانت تحتمل زيادة المرض إلى منتهاه. فإن كان المرض طويلا والقوة ضعيفة فينبغي لك أن تطعمه قليلا قليلا كيما تستطيع القوة احتمال زيادة المرض حتى تنتهي.
i. 10 فصل آخر
[aphorism]
قال أبقراط: كل الذين يكون منتهى مرضهم عاجلا فينبغي أن يعجل بتلطيف الطعام، وكل الذين يكون منتهى مرضهم مؤخرا فينبغي لهم [P33] عند ذلك وقبله أن ينقص من طعامهم قليلا وأن يلين لهم الطعام فيما قبل ذلك كيما يحتمل المريض زيادة المرض.
[commentary]
قال المفسر: الذين يكون منتهى مرضهم قريبا من اهتياجه فينبغي لك أن تلطف طعامهم كيما لا تشغل الطبيعة بغلظ الطعام عن صرعة المرض. فإن ظننت أن منتهى المرض يبطأ (151) وأنه إنما يكون بعد الأربعة عشر يوما فرخص للمريض في قليل من الطعام إلى الأحد عشر يوما كيما تقوى الطبيعة على احتمال مصارعة شدة المرض ثم قصر أيضا في طعامه وألزمه ألطفه من بعد أحد عشر يوما كيما لا تثقل قوته عن حمل منتهى المرض وعن صراعه.
i. 11 التعليم الثالث في وجه اهتياج الحمى
[فصل]
[aphorism]
قال أبقراط: عند اهتياج حمى المرض ينبغي التحفظ في الطعام فإن (152) الزيادة فيه مضرة، وكل ما (153) يعرض من الأمراض الحين بعد الحين فينبغي التحفظ عند اهتياجها مثل ذلك. A
Bogga 14
[commentary]
قال المفسر: ينبغي لك أيها الطبيب أن تحسن النظر وقت الاهتياج وأن تطعم المريض قبل حضور الاهتياج بساعتين لأنه إن أطعمته وقت اهتياج مرضه حملته وسقا (154) آخر مع مرضه. [P34]
i. 12a فصل آخر
[aphorism]
قال أبقراط: الأدلة على اهتياج الأمراض وأشكالها الأمراض أنفسها وساعات السنة وتداول الاهتياج بعضه بعضا إن كان يكون في كل يوم أو كان يكون يوما بعد يوم وإن كان في أكثر ذلك يكون.
[commentary]
قال المفسر: أراد أبفراط بذكر الاهتياج في كتابه أن يؤذن بأخذ الحمى وعلم كل صنف منها إنما هو أن تأخذ في كل يوم أو غبا أو ثلثا يوما بعد يوم أو ربعا يوما بعد يومين. وعنى بقوله «ساعات السنة» وأي جزء هو منها الذي عرض له المرض فيه. فإن كان جزء الربيع يعني الخريف (155) فالحمى ربع من أجل قوة السوداء فيه وسائر الحمى على نحو ذلك.
i. 12b التعليم الرابع في وجه ما يدل على حال الأمراض
[فصل]
[aphorism]
قال أبقراط: الدليل على حال الأمراض ما يظهر من لفظ الجسد فيها مثل من به ذات الجنب إن ظهر به نفث عاجل من أول المرض قصر مرضه، وإن ظهر ذلك متأخرا طال مرضه. والبول والبراز والعرق وإذا ظهر على الوجه الذي يجري عليه القضاء بالفرج أو على خلاف ذلك دل على قصر الأمراض وطولها.
[commentary]
Bogga 14
قال المفسر: الأمراض علامات تعرف بها حالاتها، منها خاصة مثل علامة وجع الجنب لأن وجع الجنب إنما هو في الجنب خاصة وليس في جميع الجسد وعلامته [P35] النفث الذي يخرج منه. ومنها علامة ذهاب العقل بما يتبين من وصول B المرض إليه في البول وغيره. ومنها علامات تحضر مع غيرها وليست بثابتة ومما لا بد أن يكون مثل تغير اللون مع اختلاف والقيء (156) والسهر وأشباه ذلك. ومنها علامة تؤذن بهلاك وعلامات تكون تؤذن بخلاص على ما بينت في كتاب تقدمة المعرفة. ومنها علامات تؤذن بالقضاء بالفرج وقد بينت في هذا الكتاب العليم في باب الثاني (157) عشر في وجه معرفة القضاء (158) بالفرج . ومنها علامات تؤذن بطبخ ونضج وانهضام، وعلامات تؤذن بخلاف ذلك من الفجاجة (159). وذلك في البول والبراز والنفث والعرق لأن نضوج كل قرحة (160) تكون في الجوف علاماتها تعرف بما يخرج في النفث أو في البول أو في البراز ونضوج الأمراض كلها (161) الخاصة منها في بعض الجسد وفي العامة في كل الجسد تعرف في البول والبراز أيضا ومعرفة ذلك في العرق إذا أتبعته جفة (162). وقد لخصنا تفسير معرفة العرق والبراز والبول والنفث في هذا الكتاب. فأما البول فقد لخصت معرفته في كتاب البول.
i. 13 فصل آخر في وجه طعام الأصحاء على قدر السن
[aphorism]
قال أبقراط: الشيوخ يحتملون الصوم ويخف عليهم، ومن بعدهم على PageVPP36 الذين انتهى شبابهم. فأما الأحداث فاحتمالهم له يسير. والصبيان أقل احتمالا لذلك ولا سيما الأكياس منهم لكثرة الحرارة فيهم.
[commentary]
Bogga 15
قال المفسر: الصوم الذي يقول أبقراط ليس بالكف كله عن الطعام ولكنه قلة الطعام. وبحق قال إن الشيوخ أقل طعاما لقلة الحرارة وضعف القوة وحيث تقل الحرارة تقل الحاجة إلى A الطعام وحيث كثرت الحرارة فهنالك كثرة الانفراج. من أجل ذلك يحتاج الصبيان إلى طعام كثير، والذين بين الشيوخ والصبيان على قدر حرارتهم.
i. 14a التعليم الخامس في وجه طعام الأصحاء على قدر السن
[فصل]
[aphorism]
قال أبقراط: كل ما ينبت فهو كثير حرارة الغريزة (163) ولذلك يحتاج إلى كثرة الطعام، وإلا بلي جسده.
[commentary]
قال المفسر: قد زعم أبفراط بقوله «كل ما (164) ينبت» الدواب والنبات والناس فأخبر أن الصغار من ذلك كله بمنزلة الصبيان الصغار لأجل ما فيهم من كثرة حرارة الغريزة يحتاجون (165) أن يعطوا كثرة إنفاذ (166) وهو الطعام. وينبعي أن نضع للطعام حدودا ووجوها معروفة يتبين فيها حالات الطعام وكيف ينبغي أن [P37] يطعم، ونضع (167) له وجوها أربعة لأن الأشياء كلها تجيء على أربعة وجوه ولا بد للطعام أن يكون كذلك إما كثيرا ومرارا كثيرة وإما قليلا ومرة واحدة وإما قليلا ومرارا كثيرة وإما كثيرا ومرة واحدة، فهذه وجوه الطعام. وأما كيف ينبغي أن يطعم فعلى هذا التفسير: إن كانت القوة صحيحة والجسد محتاجا إلى الطعام فلذلك الوجه الأول: يطعم كثيرا ومرارا كثيرة؛ وإن كانت القوة ضعيفة والجسد لا يحتاج إلى الطعام فذلك له الوجه الثاني: يطعم قليلا مرة واحدة؛ وإن كانت القوة ضعيفة والجسد محتاجا (168) إلى الطعام فذلك له الوجه الثالث يطعم قليلا ومرارا كثيرة؛ وإن كانت القوة صحيحة والجسد لا يحتاج إلى الطعام فذلك له الوجه الرابع يطعم كثيرا مرة واحدة.
i. 14b فصل آخر B يذكر فيه
Bogga 15
الشيوخ وما يصلحهم
[aphorism]
قال أبقراط: في الشيوخ الحرارة فيهم قليلة فمن أجل ذلك إنما حاجتهم إلى قليل من الإنقاد (169) فإن أكثر الإنقاد (170) عليهم طفئت حرارتهم. ولذلك لا تكون الحمى في الشيوخ حادة (171) صلبة لأن الجسد بارد.
[commentary]
قال المفسر: قال أبقراط هذا ليعلمنا أنه ينبغي أن يكون طعم الشيوج قليلا قليلا ولا يكثر لهم من الطعام بمنزلة الشجر الذي لا يستقيم أن يربى بمرة لأن [P38] الجسد بارد. فأما الصبيان فينبغي أن يطعموا كثيرا لأن التفريج فيهم كثير. فافهم.
i. 15 فصل في وجوه الطعام على أجزاء السنة
المعروفة
[aphorism]
قال أبقراط: الأجواف في الشتاء والصيف حارة بالطبيعة والنوم فيها (172) طويل فينبغي في هذين الجزئين أن تعطى الأجساد إنفاذا (173) كثيرا لأن حرارة الغريزية كثيرة فيهم يحتاجون إلى كثرة الطعام. وعلامة ذلك من الأسنان والصغر بين (174).
[commentary]
قال المفسر: إن أبقراط قد جمع بذكره الأجواف المعدة والأعفاج والقلب والكبد لأن لذلك كله أجوافا. ففي الشتاء تهرب الحرارة إلى العمق وتتصفق الجسد فلا تجد الحرارة إلى التفريج سبيلا ومن أجل ذلك تحتاج إلى كثرة الطعام. فإذا كان المريض شيخا وجزء السنة الشتاء فينبغي أن تنيله من الطعام كثيرا لأن الحرارة تحتاج إلى الطعام كثيرا. وفي القيظ والربيع يريد الخريف يطعم قليلا قليلا لأن تفريج ذلك في الجسد عسر من أجل قهر الحر وظهور حرارة غريزة الأجساد خارجا.
i. 16,17 A التعليم السادس في وجه ما ينبغي للمحمومين من الطعام
Bogga 16
[فصل]
[aphorism]
قال أبقراط: التدابير الرطبة لجميع المحمومين أمثل ولا سيما للصبيان ولغيرهم [P39] من اعتاد ذلك التدبير. ولبعض مرة ولبعض اثنان (175) وأقل وأكثر ومرة بعد مرة. وأعطوا الساعة والبلاد والسن والعادة حظها .
[commentary]
قال المفسر: التدابير الرطبة تنبغي للأمراض (176) الهائجة من كثرة حرارة ويبس لأن الحرارة المفرطة على الطبيعة رديئة فينبغي أن ترطبها (177) بالأطعمة والأدهان. فأما الأطعمة فماء الشعير وشبهه (178) لأن ماء الشعير رطب غاسل ينقى، والصبيان خاصة أحق بالترطيب (179) بالطعام والأدهان. وينبغي إن كان صيفا أن يقصر بالترطيب وإن كان شتاء أن يزاد فيه. فلذلك قال أبقراط «أعطوا الساعة حظها» يعني بالساعة جزء السنة إما صيفا وإما شتاء.
i. 18 فصل آخر في القيظ والربيع
[aphorism]
قال أبقراط: في القيظ والربيع يريد الخريف الأطعمة عسرة الانهضام وفي الشتاء يسيرة وفي الصيف نحو ذلك.
[commentary]
قال المفسر: إن في القيظ تخرج الحرارة في ظاهر الجسد ويصير البرد باطنا في عمق الجسد. فلذلك لا تنهضم الأطعمة ولا تنضج، والربيع أيضا كذلك. وأما في الشتاء فتنهضم الأطعمة يسيرا لمكان الحرارة في العمق، وكذلك في الصيف يريد الربيع يكون. فلذلك قال «أعطوا الساعة حظها».
i. 19 [P40] فصل آخر في الحمى
[aphorism]
قال أبقراط: الذين تعرض لهم الحمى في الحين بعد الحين لا يعطون طعاما كثيرا ولا يكلفون ذلك بأن يقصر من طعامهم قليل قبل B أن تأخذهم الحمى.
Bogga 16
[commentary]
قال المفسر: أراد أبقراط بذلك يذكر (180) الحمى التي تعرض حينا بعد حين لأن كثيرا من الحمى تعرض على غير وقت معلوم. فإن أطعمنا أصحابها حبسنا الطبيعة وشغلناها (181) بهضم الطعام عن مصارعة الحمى فأبطأت (182) إفاقة المحموم أن تأني (183) في إبانها (184).
i. 20 التعليم السابع في وجه معرفة الوقت
[فصل]
[aphorism]
قال أبقراط: ما يتفرج وما قد تفرج آنفا لا يحرك ولا يحدث به حدثا لا بأدوية ولا بغيرها مما يهيج ذلك الآن (185).
[commentary]
قال المفسر: في هذا الموضع من أجل الفرغ الطبيعي تكلم أبقراط وقال إنه ينبغي لك أن تعرف ما تفرج وما قد يتفرج وتكون معرفتك بذلك من المجسة وسائر العلامات حتى يتبين لك إن كان يتفرج ما بالمرض(؟) من مرضه بعرق [P41] أو باختلاف (186) أو بقيء يقيئه (187) أو رعاف أو غير ذلك مما يأتي الفرج معه. فإن كان قد تفرج ذلك وبرر (وبرز) فينظر فيما كان من ذلك. فإن كان فيما ألقت الطبيعة فلا دواء من ذلك الفساد كفاف وقفت عنها ولم تحركها ولم تحدث بها حدثا بدواء ولا بغيره مما تهيجها به، فإنك إن فعلت تنقصت الكيموس الصحيح وضررت ذبلك الإنسان إلا أن تكون (188) قد بقيت بقية من الفساد لم تخرج فيما لفظت الطبيعة فعند ذلك تفرغها بالدواء.
i. 21 فصل آخر يذكر الفراغ
[aphorism]
قال أبقراط: الذي ينبغي أن يجتلب فيجتلب من حيث اندفع من الموضع الذي هو أمثل.
[commentary]
Bogga 17
قال المفسر: الذي ينبغي أن يفرغ من الفساد والزيادات (189) فليفرغ من حيث يندفع، ذلك إن كان الخام فمن أسفل، وإن كانت مرة فمن فوق، وأشباه A ذلك كذلك.
i. 22 فصل آخر في الفرغ
[aphorism]
قال أبقراط: ما كان نضيجا فعالج وحرك، ولا فجا (190) ولا في البدء (191) إلا أن لا يكون فجا (192) فما (193) أكثر ما لا يكون فجا (194).
[commentary]
قال المفسر: عند نضج (195) المرض ينبغي أن يتقيء الجسد بالدواء وليس في بدء [P42] المرض في مثل حمى ربع والتي تأخذ كل يوم لأن الكيموس في بدء ذلك يكون لزجا بماء (196)، وإن حرك (197) قبل أن تدفعه الطبيعة بالنضج صير ذلك المرض مضعفا ومثلثا في البشر. وقوله «فما أكثر ما لا يكون فجا (198)» فذلك أن كثيرا من الأمراض تنضج في أول يوم ويأتي فرجها في بدئها مثل الأمراض الحادة.
i. 23 فصل آخر في إخراج
الفضول
[aphorism]
قال أبقراط: ما يخرج من الفضول فلا كثرته بالكثرة ولكن ما دام يخرج وما احتملته الطبيعة، وحيث ينبغي فليبلغ ذلك إلى صغر النفس ويفعل (199) ذلك إن كان في المريض محتمل.
[commentary]
Bogga 17
قال المفسر: إنه ينبغي أن تكون علاقتنا فيما يفرغ من الجسد كثرة الفرغ بل إن رأيت فرغا كثيرا فلا تعلق (200) ولكن ما دامت ترى الكيموس الذي بقي الجسد منه يخرج فلا تقطع نشاطة الطبيعة وذره (201) يفرغ لمعرفتك أنه ينبغي للكيموس الزائد أن يفرغ. وحيث ينبغي فليكن الفرغ إلى أن (202) تصغر النفس، وحتى ترى أنك قد أفرغت الكيموس الزائد إفراغا تاما. ومثل ذلك بين في إفراغ العروق، فإنه ربما صغرت أنفسهم قبل أن يحل الطبيب رباطه فليس ينبغي لنا أن (203) نكف (204) عن إخراج الدم لصغر (205) النفس ولكن نذره حتى يتغير. وبيان ذلك في الدم إن كان الذي يخرج [P43] منه أسود (206) فذره يسيل حتى يحمر، B فإنه ربما قصدنا العرق لمن به غم شديد وإغماء من شدة حرارة (207) الدم فانتهينا بفرغ الدم إلى صغر النفس فاستخرجنا الحرارة فبرد الجسد وذهب المرض ولكنا نفعل ذلك إذا أصبنا القوة الصحيحة (208)، وكذلك نفعل بالذين يصيبهم الذئبة (209) نكثر إفراغهم من أجل كثرة الدم وثقله.
i. 24 فصل آخر في الأمراض الحادة
[aphorism]
قال أبقراط: في الأمراض الحادة لا ينبغي الإفراط بالدواء إلا قليلا في البدء، وذلك بعد التسهيل قبل الدواء.
[commentary]
Bogga 18
قال المفسر: قد علمنا أن أبقراط إذ قال في هذا الفصل إنه لا ينبغي علاج الأمراض الحادة بالدواء المفرط لأن الحمى صالبة (210) والطبيعة في صلابة المرض مشتغلة. فإن جاءت حال لا بد من ذلك فيها ولا سيما إن كان الكيموس فجا (211) فعند ذلك لا ينبغي أيضا أن يكون الفرغ إلا قليلا بعد أن يركن (212) جسد المريض إن كان قويا كثير اللحم. وقد ينبغي التوحش قبل شرب الدواء الذي يفرغ وتلطف الكيموس بالطعام والإمراق. أما الطعام فماء الشعير، وأما الإمراق فماء الأفيثمون والصعتر. وذلك إن كان الكيموس غليظا من خام أو مرة [P44] سوداء وإن كان من صفراء، فبماء قد طبخ بما يبردها (213) ويرطبها، وبعد ذلك التسهيل يعطى يسقى الدواء المنقي. وعند الأمراض الحادة لا يستقيم ذلك لأنا إن أبطأنا عنها ازداد (214) المرض حدة ولم نقدر (215) على أن نغير فيه بشيء. وفي غير الحادة قد يعالج بأشياء حارة حريفة (216) A من أجل غلظ الثفل (217) الذي نريد إخراجه. فأما الأمراض الحادة فإنما تكون من حرارة، والحرارة تطلب أبدا التصعد، فكيف لنا أن نعرف أن المريض محتاج إلى التنقية بالإفراغ إلا من قبل البراز والبول وما يخرج فيهما (218).
i.25 فصل آخر
[aphorism]
قال أبقراط: إن كان كما ينبغي أن ينقو استنقوا (219) فذلك أمثل وأخف، وإلا فخلاف ذلك يعسر (220).
[commentary]
قال المفسر: إذا أسقينا الدواء المفرغ فأفرغ وخف ذلك على المستفرغ فقد تبين لنا أنه إنما أفرغ الكيموس الزائد لخفة ذلك عليه. وإن (221) أفرغ الكيموس الذي لا ينبغي عسر الإفراغ على صاحبه وثقل. فينبغي (222) للطبيب أن يعرف الكيموس الزائد قبل أن يسقى الدواء فيهيء (223) له الدواء الموافق لذلك الفرغ.
ii الحد الثاني
ii. 1, 2 التعليم الثامن في وجه النوم وما يحدث معه
[فصل]
[aphorism]
قال أبقراط: في أي نرض إن جاء النوم بوجع فذلك مميت، وإن نفع النوم فليس بمميت. وإن رد النوم ذهاب العقل فذلك سبب صالح.
[commentary]
Bogga 18
قال المفسر: في هذا الفصل تقدمة معرفة وكانت همة أبقراط فيه وضع علامات النوم. فينبغي إذ ذكر النوم أن نطلب معرفته بعينه ما هو وكيف يكون فنقول كما قلنا فيما سلف من تفسيرنا إنه لا بد لكل عمل من أربعة أشياء منها صانع ونقل وأداة وتمام عمل وإن النوم كذلك يكون وإن صانعه الطبيعة ونقله رطوبة الغريزة وأداته حرارة العريزة B وتمام عمله ملء ما نقص من الرطوبة في اليقظة (224) بالتفريح. وتفسير ذلك أن الطبيعة إذا تأهبت لعمل النوم ضمت أداتها إليها في عمق الجسد وهي حرارة الغريزة، فإذا أذابت تلك الحرارة رطوبة (225) الغريزة استرخى الجسد وضعفت قوى النفس وجاء النوم. وينبغي أنم نعرف أن رطوبة الغريزة تتفرق عند اليقظة وتنتقص (226) بالحركة لأن الحركة تفرج وتيبس. وإذا جاء النوم كان تمام عمله ملء ما نقص من الرطوبة فتمت عند ذلك الأشياء الأربعة التي ذكرنا من الصانع والنقل والأداة وتمام العمل في النوم، لأن النوم والسكون يرطبان ويسكنان مثل ما تفرج (227) اليقظة [P46] والحركة وتيبسان وينفذ أفعالها الناشفة والماسكة والمغيرة والمبرزة ولذلك يكون الطبخ والنضج والتفريج في النوم أقوى وتضعف عند (228) ذلك قوى النفس الخمس من (229) البصر والسمع والشم والمذاق والمجسة فتسكن ولا تنفذ لها أفعال حتى تأتي اليقظة، وأن (230) قوى الطبيعة الأربع تضعف في اليقظة لظهور حرارة الغريزة في ظاهر الجسد وتقوى قوى النفس الخمس وينفذ فعالها، وينبغي كما عرفنا خير النوم أن (231) نعرف أن الأمراض كلها العامة منها في جميع الجسد والخاصة في بعض الجسد أربع درجات مبتدأ وصعود ومنتهى ورجعة وأن مبتدأ المرض العام في الجسد كله انكسار التمشية والنضج وصعوده إلى أن تبتدئ (232) التمشية والطبخ فعلان ومنتهاه تمام النضج بالتمشية ورجعته تفريج A الكيموس الغالب الذي كان سبب انكسار التمشية والطبخ من قبله وأن (233) انتداء المرض في الناحية من الجسد من يدي ورود حرارة الغريزة في داخل الجسد وبرودة الأطراف وصعوده ما دامت تلك (234) الحرارة تزيد وتبقى الثقل ومنتهاه إذا سهل مزاج الثقل والحرارة ورجعته إذا تفرجت الحرارة من داخل وظهرت في الأطراف، فمن أجل المرض الذي يكون في طائفة نمن الجسد وضع أبقراط هذا الفصل. فإن كان في يدي ذلك المرض نوم فلا عجب أن ينشئه [P47] أحدهما بالآخر لأن ابتداء المرض وابتداء النوم وورود حرارة الغريزة في عمق الجسد. فإن كان النوم في صعود المرض أو منتهاه عند اجتهاد الحرارة على الخروج في ظاهر الجسد فذلك دليل على أحد أمرين: إما صحة من قوة جاهدت أسباب المرض وأرادت (235) إنضاجها بالنوم لأن النضج في النوم يكون على ما وصفنا؛ وإما ضعفا من القوة هدمها شدة المرض. فإن كان ذلك النوم من قبل صحة القوة يتبين ذلك مما يتبع النوم من الخفة، وإن كان النوم من قبل ضعف القوة يتبين ذلك مما يتبع النوم عند اليقظة من العسرة والوجع. فلذلك قال أبقراط «في كل مرض يأتي فيه النوم بوجع فذلك مميت، فإن جاء بمنفعة فليس بمميت» ليخبرنا أنه إذا كان نوم المريض من قبل صحة القوة كما وصفنا فخفف أسباب مرضه وشدته حتى تظهر تلك الخفة عند اليقظة فذلك نوم مخلص. وإن جاء النوم بخلاف الخفة من العسرة والوجع عند B اليقظة فذلك كما قال أبقراط نوم مميت، ونعم ما قال في النوم المخف إنه ليس بمميت. وتفسير ذلك أنا لا نأيس (236) من أن يتبع المكروه خلاص لأن المميت أيضا مكروه والمكروه ليس بمميت. وينبغي أن نتم تفسير بقية هذا الفصل هو قول أبقراط في النوم أيضا في آخر الفصل إذ قال «فإن رد النوم ذهاب العقل فذلك [P48] صالح» وأن (237) نقول إن همة أبقراط في ذلك كله أن يخبرنا متى يكون النوم مخلصا ومتى يكون النوم مهلكا ولذلك ذكر ذهاب العقل لأنه أشد ما يصاب به المريض ذهاب العقل وأكره علاماته ليعلمنا أن ما سوى ذهاب العقل من العلامات المكروهة في المريض المزمنة أيسر منه وأن النوم إذا قوي على رد ذهاب العقل قوي على ما دون ذلك وأنه إن حل وجعا أو فرق ورما أو كسر لحما فهو نوم مخلص.
ii. 3 فصل آخر يذكر (238) النوم والسهر وقدرهما
[aphorism]
قال أبقراط: النوم والسهر كلاهما إن كانا زائدين على القدر فهما شر.
[commentary]
Bogga 20