[التفضيل] فيما عدا العشرة المبشرين بالجنة:
وَأغربُ مِنْ هَذَا كله قول طائفة - مِنهم ابن عَبد البَر المالكي (١) -: «إنَّ مَنْ توفي مِنْ الصحَابة حَال حَيَاته أفضَل مِمن بقي بعدهما» (٢)، وَلعَله محمُول على مَا عَدا العَشرة المبشرة، وَممن كَمل في صِفَاتِهِ وَأمنَ الفتنة في وَقتَ وَفاتِهِ.
وَقالَ بَعض المَشائخِ: إن عَليًا في آخِر أمره وَانتهاء عمره، صَارَ أفضَل مِن أبي بَكر الصدّيق وّغَيره؛ لِزيادةِ المَكاسِبِ العِلِميَّة وَالمراتب العَملية (٣).
فهَذا الاختلافُ بَيْنَ هَذِهِ الطَوَائفِ الإسلامية دَليلٌ صَريحٌ عَلى أن مَسْألة التفضِيل لَيْسَت مِنْ الأمَور القطعِية؛ لأن الأحَادِيث المَروية - مَع كَونها ظنية - مُعترضة مَانعَة مِنْ كَونها مِن الأمُور اليقينِيّة، عَلى أنه لَيْسَ فِيهَا تَصريح بأن الأفضَلِية من أي (٤) الحَيثية، ليعلم أنه بِمَعْنَى الأكثَر ثوابًا عِندَ اللهِ في العُقبَى، أو بِمَعْنَى الأعِلَميَّة بابًا عِندَ الخلقِ في الدنيا، فترك الفَوز (٥) في هذه المبَحث هُوَ الأولى؛ لأن المدُار عَلى طَاعَة المَولى؛ وَلقوله تَعَالى: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا
_________
(١) يوسف بن عمر بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري، أبو عمر، كان فقهيًا حافظًا عالمًا بالقراءات وبعلوم الحديث والرجال، وفاته سنة ٤٦٣هـ. وفيات الأعيان: ٧/ ٦٦؛ سير أعلام النبلاء: ١٨/ ١٠٠.
(٢) ذكر ذلك في مقدمة الاستيعاب: ١/ ١٨. وينظر بحثنا المنشور في مجلة الحكمة (العدد ٢٤): جهود الحافظ ابن عبد البر في دراسة الصحابة: ص ٢٥١.
(٣) نقل شيخ الإسلام ابن تيمية إجماع العلماء - بما فيهم الأئمة الأربعة - على تفضيل أبي بكر ثم عمر على سائر الصحابة، ثم قال: «فأئمة الصحابة والتابعين ﵃ متفقون على هذا ثم من بعدهم ...». منهاج السنة النبوية: ٧/ ٢٨٧.
(٤) (أي) سقطت من (د).
(٥) في (د): (الفتور).
1 / 63