والطفل مسموح له نظريا أن يخرج من الفصل إذا طلب الإذن بذلك، وهناك نظام للتسلل المحتشم، فإذا ما رفع الطفل إصبعا واحدة كان معنى ذلك أنه يرغب في الخروج فترة قصيرة، وإذا رفع إصبعين كان معنى ذلك أنه يرغب في الخروج فترة أطول، ولكن المدرسات الضجرات القاسيات أكد بعضهن للبعض الآخر، أن ذلك ليس إلا حيلة يحتالها الطفل ليخرج من الفصل فترة قصيرة، وكن يعلمن أن لدى الطفل متسعا من الوقت في فترة الفسحة وفي فترة الغداء، وعلى هذا النحو قررن طريقة التصرف بينهن وبين أنفسهن.
ولاحظت فرانسي بالطبع أن الأطفال ذوي الحظوة والنظافة والأناقة، الذين يلحظون بعين العناية في الصف الأول، هم الذين يسمح لهم بالخروج في أي وقت، ولكن ذلك كان مختلفا على نحو ما.
أما بقية الأطفال فقد تعلم نصفهم أن يلائم بين قضاء حاجته وأفكار المعلمات عن مثل هذه الأمور، والنصف الآخر أصبحوا من المدمنين على بل سراويلهم.
والخالة سيسي هي التي عالجت موضوع الخروج من الفصل لفرانسي، ولم تكن قد رأت الطفلين منذ أخبرها جوني وكاتي بألا تزور البيت مرة أخرى، وشعرت سيسي بأنها تفتقدهما، وعلمت أنهما دخلا المدرسة فأرادت أن تعلم كيف تمضي بهما الحال فحسب.
وحل شهر نوفمبر، وكان العمل كاسدا، فخرجت سيسي من المصنع وأخذت تتهادى في شارع المدرسة في موعد خروج التلاميذ، وفكرت في أنه لو باح الطفلان بلقائها فسوف يبدو اللقاء كأنه مصادفة، ورأت نيلي أولا في الحشد، وقد اختطف قلنسوته صبي أكبر منه وداسها ثم جرى بعيدا، واتجه نيلي إلى صبي أصغر وفعل نفس الفعلة بقلنسوته، وأمسكت سيسي بذراع نيلي، ولكنه تملص منها، وهو يصرخ صرخة جافة وانطلق يجري في الشارع، وتحققت سيسي وهي تشعر بتوقد حاد أن نيلي يشتد عوده.
ورأت فرانسي سيسي فأحاطتها بذراعيها في قلب الشارع، وقبلتها وأخذتها سيسي إلى محل صغير للحلوى، واشترت لها ببنس قطعة من الشوكولاتة المعالجة بالصودا، ثم أجلستها تحت ظلة، وجعلتها تحكي لها كل شيء عن المدرسة، وأرتها فرانسي كتابا من كتب المطالعة ودفتر واجبات للبيت يشتمل على حروف كبيرة، وتأثرت سيسي ونظرت طويلا في وجه الطفلة النحيل، ولاحظت أنها كانت ترتعش، ورأت أنها لا ترتدي الملابس المناسبة لذلك اليوم البارد من شهر نوفمبر؛ إذ كانت تلبس رداء من القطن وسترة صغيرة ممزقة وجوربا قطنيا رفيعا، وأحاطتها سيسي بذراعها وضمتها إلى صدرها الحاني الدافئ: يا طفلتي فرانسي! إنك ترتعدين كورقة في مهب الريح!
ولم تكن فرانسي سمعت هذا التعبير قط، فأخذت تفكر في إمعان، ونظرت إلى الشجرة الصغيرة المنبثقة من الخرسانة على جانب المنزل، وكانت بعض الأوراق القليلة الجافة لا تزال متعلقة بها، وقد راحت واحدة منها تخشخش في مهب الريح، وأخذت الطفلة تنتفض كورقة الشجر، واختزنت في مخيلتها تلك العبارة، ثم مضت ترتعد وترتعد ... وسألتها سيسي: ماذا بك؟ إنك باردة كالثلج!
ولم تقل فرانسي شيئا أول الأمر، ولكن سيسي أغرتها فدفنت وجهها الملتهب من الخزي في رقبة سيسي، وهمست لها ببعض الكلمات، وقالت سيسي: يا حبيبتي! ليس عجيبا أن تشعري بالبرد، لماذا لم تطلبي أن ... - إن المدرسة لا تلتفت إلينا حين نرفع أيدينا! - هدئي روعك ولا تنزعجي لذلك، فإن ما قلت خليق بأن يحدث لأي طفلة، بل هو قد حدث لملكة إنجلترا حين كانت طفلة صغيرة. - ولكن هل كانت الملكة تشعر بمثل هذا الخزي والتأثر حيال هذا الأمر؟
وبكت فرانسي بحرقة في صمت، وطفرت من عينيها دموع الخزي والخوف، وكانت تخشى الذهاب إلى البيت لئلا توبخها أمها توبيخا مخزيا. - إن أمك لن تؤنبك، وإن مثل هذه الحادثة قد تقع لأي بنت صغيرة، لا تقولي إنني قلت لك إن أمك بللت سروالها حين كانت طفلة، وقد فعلت جدتك ذلك أيضا، إن ذلك ليس شيئا جديدا في العالم، ولست أول طفلة يحدث لها ذلك! - ولكني غدوت أكبر من أن أفعل ذلك، وإنما يفعله الأطفال الصغار، ولسوف تهينني أمي أمام نيلي. - أخبريها بصراحة قبل أن تكتشف ذلك بنفسها، وعديها بأنك لن تفعلي ذلك أبدا، وسوف لا تهينك حينئذ! - إنني لا أستطيع أن أعدها، فقد يحدث لي ذلك مرة أخرى؛ لأن المدرسات لا يسمحن لنا بالخروج. - من الآن فصاعدا سوف تسمح لك مدرستك بالخروج من الفصل في أي وقت ترغبين، أنت تصدقين الخالة سيسي، أليس كذلك؟ - نعم، ولكن كيف يتسنى لك ذلك؟ - سوف أشعل شمعة في الكنيسة من أجل ذلك.
وهدأت نفس فرانسي لذلك الوعد، وحين عادت إلى بيتها وجهت إليها كاتي شيئا من التأنيب المعتاد، ولكن فرانسي كانت قد تسلحت لذلك في ضوء ما قالته لها سيسي عن قصة البلل الذي كان يدور بين نساء الأسرة.
Bog aan la aqoon