وتزايد عدد الركاب وازدحمت العربة، لكن واحدا لم يجلس إلى جوارهم، وأخيرا شقت سمكة طريقها خارج اللفافة المبتلة، ووقعت على الأرض حيث رقدت في التراب وقد غشاها الغبار، وكان ذلك أكثر مما تحتمله الصغيرة تيلي، فنظرت في عيني السمكة البراقتين ولم تقل شيئا، ولكنها تقيأت في سكون كل ما في جوفها فوق سترة جوني الرسمية، ونفض نيلي وفرانسي ما في جوفهما أيضا، وكأنهما ينتظران تلك الإشارة، وجلس جوني هناك وفي حجره سمكتان عاريتان وسمكة ثالثة ترقد عند قدميه، وظل يحملق في الإعلان، ولم يكن يعرف ما يفعله غير ذلك.
وأخذ جوني تيلي إلى بيتها بعد أن انتهت الرحلة المريعة، وهو يشعر أنه مطالب ببيان ما حدث، لكن أمها لم تعطه أبدا فرصة للإيضاح، وأخذت تصرخ حين رأت طفلتها المبتلة الملوثة، وخطفت المعطف من فوقها وقذفت به في وجه جوني، وسمته المفسد الأكبر، وحاول جوني مرارا أن يوضح لها الأمر، لكنها لم تستمع له، ولم تقل تيلي الصغيرة شيئا، وأخيرا قال جوني كلمة عارضة: سيدتي، أعتقد أن ابنتك الصغيرة قد فقدت النطق.
واستولت على الأم نوبة عصبية حادة، وصرخت في وجه جوني: أنت الذي فعلت ذلك، أنت الذي فعلت ذلك. - ألا تستطيعين أن تحمليها على أن تقول شيئا؟
وأمسكت الأم بالطفلة وأخذت تهزها وتهزها، وصرخت: تكلمي! قولي شيئا!
وفتحت تيلي الصغيرة أخيرا فمها، وابتسمت في سعادة وقالت: شكرا!
وأعطت كاتي زوجها جوني درسا قاسيا، وقالت إنه لا يصلح لأن يكون أبا لأطفال. وكان الطفلان تتناوبهما القشعريرة ونوبات من الحرارة، بفعل ضربة الشمس الشديدة التي نزلت بهما، وكادت كاتي تبكي حين رأت التلف البالغ الذي أصاب حلة جوني الوحيدة، وإنها خليقة بأن تنفق دولارا لإزالة الأوساخ التي علقت بها وتنظيفها بالبخار وكيها، وأدركت أنها لن تعود إلى حالتها الأولى قط، أما السمك فقد اتضح أنه بلغ من الفساد مبلغا كبيرا، وأن الأمر يقتضي أن يلقى به في صندوق القمامة.
وذهب الطفلان إلى فراشهما، وقد تملكتهما نوبات من القشعريرة والحمى والغثيان، ودفنا رأسيهما تحت الأغطية يضحكان في صمت ويهزان سريرهما، حين يذكران منظر أبيهما وهو يقف في الماء.
وجلس جوني إلى نافذة المطبخ حتى أوغل الليل، محاولا أن يتبين كيف صارت الأمور جميعا على ذلك النحو الخاطئ، لقد غنى أغنيات كثيرة عن السفن وركوب البحر والسفينة تتمايل يمنة ويسرة، وتحير لم لم تكن الرحلة على نحو ما يقال في الأغنية، فيعود الأطفال مسرورين وقد تغلغل في قلوبهم حب البحر، ويعود هو وقد امتلأ وفاضه بالسمك، لماذا؟ أوه ... لماذا لم تكن الرحلة على نحو ما تردد الأغنية، لماذا تقرحت يداه وتلفت حلته وأصيب الأطفال بضربة الشمس، وتعفن السمك وحدث الغثيان؟ لماذا لم تفهم أم تيلي الصغيرة نيته وتتغاضى عن النتيجة؟ لم يستطع أن يتبين هذا، أجل لم يستطع أن يتبينه، فقد خدعته أغاني البحر.
30
وكتبت فرانسي في مفكرتها في ذلك الصيف، الذي بلغت فيه الثالثة عشرة من عمرها. «اليوم، إنني امرأة.»
Bog aan la aqoon