والآن بدت الأمور تتغير تغيرا سريعا جدا في نظر فرانسي، حتى اختلط عليها الأمر، وشب نيلي الذي كان يصغرها بعام فجأة وفاقت قامته قامتها، وانتقلت مودي دونوفان من مسكنها، ولما عادت بعد ثلاثة أشهر في زيارة لهم، وجدت فرانسي أنها تغيرت، فقد نمت مودي وأصبحت أقرب إلى المرأة في تلك الشهور الثلاثة.
واكتشفت فرانسي التي كانت تعلم أن أمها دائما على صواب، أن أمها تخطئ من حين إلى حين، وتبينت أن بعض ما تحبه كل الحب في أبيها يعد في نظر الآخرين مضحكا غاية الإضحاك، ولم تعد كفتا الميزان في محل الشاي تبرقان بريقهما المعهود، ووجدت الصناديق متأكلة، حقيرة المنظر.
وتوقفت عن مراقبة السيد توموني، وهو عائد إلى بيته في ليالي السبت بعد قضاء رحلاته القصيرة في نيويورك، وخطر ببالها فجأة أن من البلاهة أن يعيش هذه العيشة، فيمضي إلى نيويورك ويعود إلى بيته مشتاقا إلى مكان إقامته في نيويورك، إن لديه ما يكفيه من المال، فما باله لا ينتقل إلى نيويورك ويعيش فيها ما دام يحبها إلى هذا الحد؟
كان كل شيء يتغير، واستبد الفزع بفرنسي، فقد أخذ عالمها يتوارى ويغيب، ترى ما الذي يحل محله؟ ولكن ما الذي تغير فيه؟ لقد دأبت على قراءة صفحة من الإنجيل وصفحة من شكسبير كل ليلة شأنها دائما، وجرت على أن تعزف على البيانو كل يوم ساعة، وتضع البنسات في الحصالة المصنوعة من القصدير، لقد كان حانوت النفايات لا يزال قائما هناك، والحوانيت جميعا هي هي، وما من شيء يتغير، وإنما هي التي كانت تتغير.
وحدثت أباها بذلك، فجعلها تخرج لسانها، وجس معصمها ثم هز رأسه في حزن، وقال: إنك تمرين بدور خطير، خطير جدا. - وما هو؟ - إنه النمو؟
لقد أفسد النمو أمورا كثيرة، أفسد اللعبة الجميلة التي كانوا يلعبونها إذا خلا البيت من الطعام، وكانت كاتي والطفلان حين ينفد المال ويقل الطعام يتظاهرون بأنهم رواد يستكشفون القطب الشمالي، ثم هبت عليهم عاصفة ثلجية حبستهم في كهف، ولم يكن عندهم من الزاد إلا أقل القليل، واقتضاهم الأمر أن يدخروه أطول مدة ممكنة حتى يأتيهم المدد، وقسمت الأم ما كان في الصوان من طعام، وسمته حصص التموين، وكانت تقول حين يظل الطفلان جائعين بعد أن يصيبا وجبتهما: تشجعوا يا رجالي، إن النجدة في الطريق إلينا.
وكانت إذا واتاها بعض المال واشترت قدرا من البقالة، فإنها تشتري فيما تشتريه كعكة صغيرة كنوع من الاحتفال، وترشق بها علما يساوي بنسا، وتقول: لقد تحقق لنا ما نريد يا رجال، وبلغنا القطب الشمالي.
وسألت فرانسي أمها يوما بعد أن واتتهم نجدة من هذا القبيل: إن المستكشفين حين يجوعون ويقاسون على ذلك النحو، يفعلون ذلك لسبب ينتهي إلى غاية عظمى؛ ذلك أنهم يستكشفون القطب الشمالي، ولكن أية غاية كبرى نخرج بها حين نجوع على هذا النحو!
وبدأ الإعياء على كاتي فجأة، وقالت شيئا لم تفهمه فرانسي في ذلك الوقت، قالت: إنك لتلمسين العبرة في ذلك.
وأفسد النمو المسرحي في نظر فرانسي، ليس المسرح بالمعنى الدقيق للعبارة، بل المسرحيات؛ فقد وجدت فرانسي أنها أخذت تشعر بالسخط من طريقة وقوع الأحداث في وقتها.
Bog aan la aqoon