فتمتم عمر ساخرا: من جد وصل. - أتعلم أنني كلما لقيت زينب هذه الأيام أوجعني ضميري؟
فقال باستهانة: ثمة آلام أعنف من ترف الضمير.
وأشار مصطفى إلى المتاعب التي تجيء من وراء العشق.
فقال عمر: كلما رأيت أنثى خيل إلي أنني أرى الحياة على قدمين.
وأقبلت وردة في حركة نشيطة، بلا تلكؤ أو افتعال، وهي تحدجه بنظرة ثابتة من عينيها الواسعتين الرماديتين، وتنشر في الهواء شذا خصلة من الياسمين مرشوقة في أسورتها، وصافحته وهي تقول بسرور: أخيرا وجدت رجلا لا أنظر إليه من فوق.
وجلست بين الرجلين، ونفضت يدها؛ فتساقط الياسمين فوق غطاء المائدة الأحمر. وجاءت الشمبانيا وجرى الحباب. وتبدت وردة رزينة، ولكن نمت نظرتها الرمادية عن ميل مؤجل للمرح. وبادلت مصطفى ابتسامة ألفة ليست بنت ساعتها. واستمعت إلى الثناء المنتظر عن رقصها وجمالها، ولكنها جعلت تنظر طيلة الوقت إلى عمر باحترام. وتفحصها هو بعناية وهو يسأل الغيب عن الأمل المنشود وراء العينين الرماديتين. أنا لم أحضر لأنني أحب، ولكنني حضرت لأحب. والبشرة صافية، والشذا طيب، والعين تحرك رموشها الطويلة لتنفث تعاويذها. - إذن فأنت المحامي الكبير؟ - هذا لا يهم إلا إذا كان لديك مشاكل. - مشاكلي لا تحل بالقضايا، ويا للأسف! - وما وجه الأسف؟ - كان يمكن أن تحل على يديك.
فقال مصطفى ضاحكا: إنه جدير بالثقة في المحكمة وخارجها.
ورمق بحب استطلاع عنقها الطويل المطوق بعقد لؤلؤي بسيط، وأعلى صدرها المنبسط في رحابة، ونضارة الجنس التي تنضح بها شفتاها الممتلئتان الملونتان والنظرة السائلة من عينيها، فنبض وجدانه بشوق غريب غير محدود، وتلهف غامض كالذي يساوره في آخر الليل، وود أن يخاطب الأعماق، وأن تخاطبه الأعماق بلا وسائط ، وأن يجد إن خانته النشوة المنشودة بديلا في لذعة الجنس السحرية. الذروة المتفجرة التي تمتص رحيق الحياة وأحلامها في رشفة واحدة زائلة. وقلق من التلهف، والترقب، ودغدغة المغامرة، ومن سورة الشراب بلا حيطة، ومن شذا الياسمين المضغوط تحت قاعدة الكأس، ومن نظرة وردة الموحية بالقبول، ومن نجم يومض من خلال ثغرة في التكعيبة، وقال لها عندما آذنت السهرة بانتهاء: نذهب؟
وودعهما مصطفى وذهب، وتأثرت وردة لمنظر الكاديلاك التي وقفت كفيلا أنيقة. - أين مسكنك؟ - غير ممكن، أليس لك بيت؟ - فيه زوجة وابنتان. - إذن وصلني لمسكني كما يفعل الخياليون.
انطلق إلى صحراء الهرم بسرعة جنونية، واستكن في الخلاء كليلة مارجريت، وتربيع القمر يتهاوى إلى المغيب. وضمها إليه بذراعه، وتناول قبلة رشيقة كافتتاحية، ثم تبادلا قبلة طويلة تحدوها حرقة صراع في مستوى القمر، وهمست في تنهدة: هذا حسن.
Bog aan la aqoon