230

كان اماما بارعا فى الحديث والتفسير حافظا لكتاب الله ضابطا للقراآت السبع «3» ناصحا لعباد الله قامعا للبدعة ووالده وجده ايضا كانا من العلماء ينتهى نسبه الى الأمام ابي حنيفة رضى الله عنه، روى ابن القناد «4» فى سيرته ان جده الأمام شمس الدين محمدا النعمانى «5» كان يدرس فى مدرسة السلطان محمد شاه «6» ببلدة الرى «7» مدة مديدة فلما توفى السلطان واختلف الناس رجع الى بغداد وان ابنه الأمام نجم الدين محمودا «1» قدم اصبهان لرسالة يؤديها من قبل الخليفة «2» (ورق 133 ب) فلما رآه الملك دولتشاه «3» استأنس بلطائف محاوراته ثم تبرك برواتب عباداته فسأله ان يقيم عنده قواعده على العود اليه فلما رجع الى بغداد استجاز الخليفة فى ذاك فأعطاه قياده واولاه مراده فانتقل مع اهله الى اصبهان ووالى الملك عليه رواتب الأحسان، ثم انه كان يتضرع الى الله تعالى ان يرزقه ولدا صالحا روى عنه انه قال بت ليلة من الليالى بالدعاء والبكاء رافعا يدى الى السماء اقول رب هب لى من لدنك ذرية طيبة انك سميع الدعاء فهتف هاتف عند السحر بعد مقاساة السهر قد كشفنا عنك ضرا واعطيناك ولدا حرا فلما اصبحت جاءتنى البشارة بولادة ولد ووافى غلام من حريم الملك عند طلوع الشمس ببراءة وتشريف ومنشور لتدريس اصبهان فعلمت انه ولد مبارك فسميته احمد ولقبته حرا، قال وكان لوالدته غلام قد ابق منهم مدة فرجع ومعه اقمشة كثيرة وغلمان وجوار فسئل عن شأنه فقال رأيت فى المنام* كأن سلطانا قاهرا اشخصنى اليه فاحضرنى لديه (ورق 134) فأمر بضرب رقبتى فبكيت وتشفعت وقلت ما ذنبى فقال انت الذى ابقت عن مولاك فعاهدت الله تعالى فى المنام «4» ان ارجع اليكم قال فاعتقته والدته شكرا لموهبة الله اياها لذاك «5» الولد، ثم ان الشيخ تاج الدين لما ترعرع تعلم القرآن فحفظه فى اقل مدة ثم اقبل على الحديث والتفسير حتى برع فيهما وحفظ اثني عشر الف حديث من الصحاح والحسان وثلاثة آلاف من الموضوعات ومن مشايخه الأمام ابو الفتوح العجلى «1» والشيخ شهاب الدين السهروردى «2» ومن في طبقتهما، وله كتاب فى الحديث سماه سبعة ابحر من مؤلفات الحر، ثم صار اليه خطابة اصبهان وتذكير المحافل وكان يقرأ كل يوم سبعا من القرآن العظيم وكل ليلة سبعا منه ويقضى صلوة يوم وليلة فى كل سحر، ولما انتقل الى شيراز وتلقوه «3» بالأكرام والأعزاز كان يذكر الناس* فى الجامع العتيق كل سبت وفى الجامع السنقرى كل جمعة و«4» فى الجامع الجديد ايام رمضان ويسلك طريق السلف الصالح فى [لبس] ثياب «5» البذلة وحمل السلعة واشتغال المهنة «6» (ورق 134 ب)، قال ابن القناد «7» كنت عند الشيخ نجيب الدين على بن بزغش «8» اقرأ عليه الحديث فبلغت يوما حديث معاذ «9» رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم ان الله تعالى يحب الأتقياء الأخفياء الذين اذا غابوا لم يتفقدوا «10» واذا حضروا لم يعرفوا اولئك مصابيح الهدى، فجرى فى معنى الحديث ذكر اولياء الرجال من «11» الأوتاد والنقباء والأبدال فقلت فى نفسي يا ليتنى عرفت احدا منهم واين اولئك فى هذا الزمان فمضيت الى بيتى متفكرا وامسيت ليلتى متحسرا فلما فرغت من «1» الأوراد قضيت «2» صلوة يوم وليلة وكان ذلك دأبى منذ سنين ثم نمت فرأيت فى منامى كأنى عزمت الى «3» زيارة الشيخ الكبير ابى عبد الله محمد بن خفيف «4» واذا على الباب غلام تركي «5» حسن الوجه فقصدت الدخول فمنعني وقال اليوم نوبة الأبدال والأوتاد فكأن الشيخ سمع صوته فقال ائذن له فدخلت فرأيته مستندا الى المحراب فسلمت عليه واردت ان اقبل يديه فقال اجلس هناك، فجاء الغلام وقال ان شهاب الدين السهروردى «6» يستأذن فقال ايذن له (ورق 135) فدخل وسلم وجلس «7» * ثم جاء وقال ان صدر الدين الأشنهى «8» يستأذن فقال ايذن له فدخل وسلم وجلس، ثم جاء فقال ان صدر الدين روزبهان «1» يستأذن فقال ايذن له فدخل وسلم وجلس، ثم جاء فقال ان تاج الدين الحر يستأذن فقال ايذن له فدخل وسلم وجلس، ثم جاء فقال شهاب الدين البيضاوى «2»، ثم نجيب الدين [بن] بزغش «3»، ثم اصيل الدين عبد الله «4»، كلهم يستأذنون فيدخلون فيسلمون ويجلسون، فرأيت سبعة انفس «5» قد لبس كلهم «6» البيض، والعمامة والقلنسوة والرداء كلها بيض ومع كل واحد منهم رقعة بياض يضعها عند الشيخ وهو يرفعها وينظر فيها ثم يكتب فيها شيئا، ثم رفعوا رقاعهم وخرجوا فسمعت قول المؤذن قد قامت الصلوة وانتبهت من النوم فلما غدوت اتيت الشيخ نجيب الدين ولم يبق من اولئك السبعة الا هو والأمير اصيل الدين «1» فاخبرته عن منامى فقال يا احمد «2» هذا من جملة اسرار الله لا ينبغى لك ان تفشيه، فعاهدت ان لا اظهر هذه القصة فى حيوتهما فما تكلمت بها حتى توفيا «3»، وبقى الشيخ تاج الدين ثمانيا «4» وثمانين سنة ولما نوفى القاضى امام الدين البيضاوى «5» وعظ الناس يوم ختمته ثم قال فى آخر المجلس يا اخوانى اغتنموا نصيحتى وصحبتى (ورق 135 ب) فأنما بقائى فيكم وقيامى بينكم الى يوم الخميس ثم بكى بكاء شديدا وانشد ابياتا وهى هذه:

ذنوبى مثل اعداد الرمال ... فهب لي توبة يا ذا الجلال

شبابى كالسراب بدا وولى ... وشيبى قد تأذن بارتحالي «6»

Bogga 309