حسن الحضارة مجلوب بتطرية
وفي البداوة حسن غير مجلوب
صاحت عائشة فيما يشبه الهلع وقالت: انظر أبا الطيب، فهل ترى في وجهي تزيينا أو تطرية؟ فأطرق قليلا، وكأنه ظن أن حديث الأدب سينحرف إلى غير وجهه، وقال: إن حسنك من صنع الله يا سيدتي، وأرجو أن يصونه الله. - إن هذا الحسن يهيم بحسن آخر لا يرى بالعين؟ - يهيمن بحسن لا يرى بالعين؟ - نعم يهيم بحسن الروح وجمال العبقرية. - هذا خير أنواع الحب. - ولكن صاحب هذه العبقرية نفور شامس لا يريد أن يلقي عنانا، فأطرق المتنبي ثانية وقال: يا عائشة، إن قلبي نهبته المطامع، وتقسمته الآمال، وأخشى ألا يجد فيه الحب متسعا للهو والمرح. - إن حبنا حب قدسي ملائكي، ليس فيه إربة للهو والمرح. - قد كنت دائما أذود عني طائر الحب خشية أن يصدني عما يعتلج في نفسي من مطامح، وحينما رأيتك أول مرة التمع في قلبي بصيص من الهوى فأخمدته، وصاح صوت في أعماق نفسي فأسكته، ذلك لأنني رجل وهب حياته للمجد، وألقى بنفسه بين شفار السيوف.
تغرب لا مستعظما غير نفسه
ولا قابلا إلا لخالقه حكما
ولا سالكا إلا فؤاد عجاجة
ولا واجدا إلا لمكرمة طعما
يقولون لي ما أنت في كل بلدة؟
وما تبتغي؟ ما أبتغي جل أن يسمى! - إني لا أحبك إلا لهذا ومثله. أحبك حبا عذريا قدسيا تنزه عن دنس الدنيا، وسما فوق كل مأرب، فهل تعاهدني على هذا؟ - أعاهدك يا سيدتي، إن مثل هذا الحب هو الذي طلبه أكثر الناس فلم يجدوه فزهدوا في الدنيا، وزهدوا في الحياة، وإن مثل هذا الحب هو الذي ينفخ في المرء روحا علوية تدفع به إلى عظائم الأمور، وتنير له طريق المجد، الآن أصبحت مصر لي جنة بعد أن كانت جحيما، والآن أجد ما يعزيني في هذه النكبة الفادحة، التي قذفت بي إلى مصر لأمدح الأسود.
وبعد قليل خرج وعطفه يهتز، ووجهه يفيض بشرا، ولعله كان يقول:
Bog aan la aqoon