فبدا الغضب على المعتضد عندما قرأ البيتين الأخيرين، وقال: يا ضيعة الملك بمثله!! إنه لأجل جارية لا تساوي عقال بعير، يؤثر الحرير على السروج ... اذهبي يا جارية ... يا صاعد ... علي بمحمد، ولعلك تجده في أحد مجالس أنسه، بين الأفاقين من ندمائه، والعواهر من جواريه وقيانه.
وقف المعتمد بين يدي والده يرتعد فرقا، فابتدره المعتضد: إني لا أحظر الشعر ولكني أحظر الفجور، وأحظر أن تؤثر فرش الحرير على السروج، وأبغض أن أراك عبد شهواتك صريع غانية وكأس، وأكره أن تكون بطانتك من السفلة المخادعين، الذين لا يبالون أبقيت الدولة أم زالت ما داموا يطعمون ويشربون.
إن السيف الذي قتلت به أخاك لا يزال الدم عليه جاسدا ... ويل للدولة من الخلعاء ... ويل للدولة من الخمر والنساء.
يا محمد: إن أردت أن تكون خليفتي من بعدي، فاجعل كلماتي هذه في أذنيك أقراطا. اذهب.
خيبة
أراد المعتضد أن يصرف عن ابنه إخوان السوء، وأن يدربه على شئون الملك، فدعاه في غداة يوم، فلما ذهب إليه رآه يقرأ في رسالة، فرفع المعتضد عينيه وقال: هذه يا محمد رسالة من أشياخ «مالقة» يشكون فيها من أميرها باديس بن حبوس عدو دولتنا الألد، ويستحثونني على أخذ المدينة وأن يكونوا لي عونا في قتاله، فاذهب أنت وأخوك جابر بجيوشنا، واستأصل جماعة ابن حبوس، وهات لي رأسه ... غدا ترحل.
لم يجد المعتمد مناصا من الطاعة أمام رجل لا يعف سيفه عن أبنائه، فقال: السمع لك والطاعة لك يا أبي ... سأرحل، وسأكون ابن المعتضد والحقيق بنسبه.
رحل المعتمد وأخوه جابر يقودان جيشا عظيما، فدان لهم البلد وخضع أهله إلا فلولا من السودان لاذوا بقلعة مالقة، فأشار أهل المدينة على المعتمد بالاحتراس منهم، وأن يكون جيشه على أهبة الاستعداد والحذر، فلم يلق المعتمد لهذه النصيحة سمعا، وقضى ليلته في لهو ومجون، وقضى السودان ليلتهم في بث الرسل لباديس والاستنجاد به؛ فجاءهم في جيوش زاخرة، وفتك بجيش المعتمد، وانتهب ذخائره وأثقاله، وفر المعتمد وأخوه إلى «رندة» يجران ذيل الخزي والعار، ويرهبان صولة أبيهما الجبار.
كان المعتمد في حيرة فقال لأخيه: ما نصنع يا جابر؟؟ - إني أؤثر أن أغمد سيفي هذا في صدري على أن أرى وجه المعتضد.
وشاعت القالة في «رندة» أن المعتضد نذر دم ابنه المعتمد، وأعد لمقابلته سيفا بتارا، فقضى المعتمد ليلة في هم وسهد، يكتب ويمحو، ثم يكتب ويمحو، وبزغ الفجر وقد أتم قصيدة في استعطاف أبيه، ثم ذهب فأيقظ أخاه وقال: اسمع يا جابر، سأكتب بهذه لأبي، وقرأ:
Bog aan la aqoon