Shacir Ghazal Cumar Ibn Abi Rabica
شاعر الغزل عمر بن أبي ربيعة
Noocyada
ومهما يكن من صدق النسبة في هذه الأبيات أو كذبها؛ فالذي يلوح منها أن قائلها أحس شجى الحلق من تقلب المعشوقة الواحدة وود لو ظفر بالمعشوقة التي لا تتقلب ولا تلين لغيره كما لانت له، ولا تغدر به كما تغدر بسواه، فعدل إلى التأسي وهو كاره لهذه المتعة راض بها على غير اختيار لو ملك الاختيار. وليس هذا مما يقوله الشعراء الغزلون المطبوعون على التردد بين مجالس النساء الكثيرات؛ بل لعله مما يضجرهم، ويثقل على طبائعهم أن يطالبوا بالوفاء، ويحال بينهم وبين التقلب في مجالس الحديث واللقاء.
وكذلك جاء من أخبار ابن أبي ربيعة أنه علق بامرأة واحدة هي الثريا بنت علي، وأطال الغزل فيها والتودد إليها، وأجفل مما بلغه عرضا من خبر نعيها، ولكنه ظل وهو يغازلها ويبادلها المودة عرضة كل يوم لعتاب منها على مغازلة غيرها ومبادلتهن مثل هذه المودة. •••
ومما ينبغي أن نستحضره في هذه المقارنات أنها ليست للموازنة بين شاعرية وشاعرية، أو بين قدرة فنية وقدرة فنية، فما لا شك فيه أن كثيرا وإخوانه يحسنون أبوابا من القول لا يستطيعها ابن أبي ربيعة، إلا أنهم لا يحسنونها لأنهم أشعر منه وأرجح في الملكة الفنية، فإنه هو أيضا يحسن أبوابا من القول لا يستطيعونها ولا يلمون بها، وإنما يحسن كل منهم ما يحسنه؛ لأنه يحسه ويصدق في التعبير عنه والدلالة عليه. فليس للشعراء العشاق قصيدة واحدة تعدل مساجلات ابن أبي ربيعة وحكاياته الغزلية؛ لأنهم لا يألفون هذا الضرب من الشعور، ولا يجنحون إلى وصفه والغبطة بتمثيله. وكذلك تبحث في ديوان ابن أبي ربيعة عن صرخة واحدة من أعماق القلب المصدوع، والنفس الوالهة فلا تظفر بها ولا تحوم حولها؛ لأنه لم يرزق هذه الطبيعة التي تتعلق بمعشوقة واحدة، وتعلق عليها سعادتها وشقاءها وإقبالها على الحياة وصدوفها عنها.
وما يقال في الفرق بين شعراء الطريقتين يقال في الفرق بين قراء الطريقتين على نحو واحد؛ فالقراء الذين يأنقون للغزل العمري يفضلونه على غزل كثير وقيس وجميل، ولا يعدلون به شعرا من غير طريقته وغرضه. ويشبههم قراء العشاق «الموحدين» الذين يحسون إحساسهم، وينطبعون على مثل مزاجهم، فلا يرضون بديلا بشعر أولئك العشاق، إلا أن ينظروا إلى الطريقتين بعين الفن الخالص، فهما إذن متعادلتان حافلتان بمتعة الجمال وبراعة التعبير، كما يتعادل مصور الحدائق ومصور البحار عند من ينظر إلى قدرة التصوير عند هذا وذاك، وإن كان هو في طوية نفسه مؤثرا لمناظر الحدائق في الطبيعة أو مؤثرا فيها لمناظر البحار. (6) الصدق الفني في شعره
عرضنا فيما تقدم للصدق في شعر ابن أبي ربيعة من الوجهتين التاريخية والخلقية.
والصدق من الوجهة التاريخية هو الصفة التي نتحراها، حين نبحث عن وقوع الأخبار التي رواها الشاعر في أشعاره القصصية.
أما الصدق من الوجهة الخلقية فهو الذي نتحراه حين نبحث عن دلالة تلك الأخبار على خلقه وأدبه، أهو صادق أم كاذب، ومخلص في عقائده الدينية وآدابه الاجتماعية أم موارب فيها، وقادر على نفسه أم مستسلم لشهواته وغواياته؟!
وكلتا الوجهتين من صدق التاريخ أو صدق الأخلاق لا نتعرض له مرة أخرى في هذه الكلمة التي ننظر فيها إلى صدقه من الوجهة الفنية.
فقد يكون الرجل صادقا فيما روى من أحاديثه، وقد يكون صدقه فيها دالا على خلق حسن أو معيب، فهذا وذاك غير الصدق الذي يحاسب عليه الشاعر من الوجهة الفنية، وهو صدق الشعور الذي يعبر عنه، وصدور ذلك الشعور منه عن مزاج أصيل لا تكلف فيه ولا اختلاق.
حدث المغيرة بن عبد الرحمن عن أبيه قال : «حججت مع أبي وأنا غلام وعلي جمة، فلما قدمت مكة جئت عمر بن أبي ربيعة، فسلمت عليه وجلست معه، فجعل يمد الخصلة
Bog aan la aqoon