44

Shacir Ghazal Cumar Ibn Abi Rabica

شاعر الغزل عمر بن أبي ربيعة

Noocyada

فضحك عمر ثم قال: وأبيك لقد أحسن وأجاد وما أبقى ...»

فهو قمين أن يكثر من الإجادة لو أكثر من الاستجادة وأن يقوم من صناعته لو نظر في صناعات المقتدرين من صاغة القريض، ولكنه - كما يبدو من أخباره ومن كلامه - كان معكوفا على نفسه راضيا بما يصل إلى سمعه في غير ما جهد ولا متابعة.

ومن ثم كان إمام مدرسة ولم يكن إماما في صناعة القصيد، وكانت مدرسته فذة في الأدب العربي بأسره؛ لأنها مدرسة لا يسهل على العقل أن يتخيل نظيرها كثرة وشيوعا في غير الحجاز وفي غير تلك الآونة؛ إذ هي تحتاج إلى بيئة وسط بين البادية والحضر، ووسط بين الجاهلية المولية وآداب الإسلام المقبلة، ووسط بين شواغل العاصمة التي فيها الملك والدولة، وشواغل المدينة الصحراوية القاصية التي لا يبلغها شيء من ذلك، ووسط بين حالة مكة في عهد النبي والخلفاء الراشدين، وحالتها في عهد الأمويين والعباسيين، وما بعد ذلك من أيام اقتصر شأنها فيها على منسك الحج من العام إلى العام.

وهل كانت مدرسة كمدرسة ابن أبي ربيعة وزملائه تنشأ في بغداد أو في القاهرة أو في عواصم الأندلس، وفيها الإباحة المكشوفة، أو فيها الشواغل للرجال والنساء، غير عقد المجالس في الخلوات وتبادل الأحاديث؟

أو هل كانت مدرسة كمدرسة ابن أبي ربيعة تنشأ في مكة نفسها بعد مائة عام، وليس فيها حياة مدنية تحتمل إقامته وإقامة أمثاله وأمثال صاحباته، ولا حياة أدبية يترجم عنها الشعراء؟

فابن أبي ربيعة هو ابن الحجاز، وابن العصر، وابن البيئة التي ترجمها، فأحسن الترجمة، ثم عاش بهذه المزية بين شعراء العربية. •••

وللحكم على صناعة ابن أبي ربيعة وجه آخر التفت إليه العصريون مذ شاعت القصة بينهم نظما ونثرا وكثر التفاتهم إليها، فرأى بعض النقاد أن الشاعر قد أبدع فن القصة المنظومة أو أكثر منها إكثارا لم يؤثر عن شاعر قبله، وهذا صحيح إذا أردنا الإكثار دون الإبداع والاختراع، وأردنا «الحوار القصصي» ولم نرد القصة بمعناها الشامل الوافي ولو كانت أقصوصة وجيزة. فالقصة شيء والحوار الذي يرد خلال القصة شيء آخر، ومن قال لنا إنني ذهبت إلى فلانة فقلت لها وقالت لي، وبكت وبكيت، فقد روى لنا منظرا قصصيا يدخل في حكاية مستوفاة العرض والوصف والملاحظة والحوار، ولكن ابن أبي ربيعة لم يكن يتوخى هذا الاستيفاء، أو يتجاوز الحوار القصصي إلى ما وراءه من التخيل والتمثيل، وتهيئة القالب النفسي الذي يتركب فيه الحوار بالكلام. وإن فعل ذلك فإنما يفعله مسوقا إليه بحواره وسرده، ولا يزال بين هذا وبين فن القصة بون بعيد، فإنما هذا من فن «الحديث المنظوم» وليس من فن القصة كما يتخيلها المطبوعون عليها. ولا نزاع في قدرة ابن أبي ربيعة على الحديث المنظوم، فهو في هذا الجانب من صناعته قليل النظير. (5) مقارنة

قال أبو غسان دماذ: «سألت أبا عبيدة عن السبب الذي من أجله نهى المهدي بشارا عن ذكر النساء قال: كان أول ذلك استهتار نساء البصرة وشبانها بشعره حتى قال سوار بن عبد الله الأكبر ومالك بن دينار: ما شيء أدعى لأهل هذه المدينة إلى الفسق من أشعار هذا الأعمى. وما زالا يعظانه.» «وكان واصل بن عطاء يقول: إن من أخدع حبائل الشيطان وأغواها لكلمات هذا الأعمى الملحد. فلما كثر ذلك وانتهى خبره من وجوه كثيرة إلى المهدي، وأنشد المهدي ما مدحه به نهاه عن ذكر النساء وقول التشبيب، وكان المهدي من أشد الناس غيرة.»

قال أبو غسان: «فقلت لأبي عبيدة: ما أحسب شعر هذا أبلغ في هذه المعاني من شعر كثير وجميل وعروة بن حزام وقيس بن ذريح وتلك الطبقة، فقال: ليس كل من يسمع تلك الأشعار يعرف المراد منها، وبشار يقارب النساء حتى لا يخفى عليهن ما يقول وما يريد، وأي حرة حصان تسمع قول بشار فلا يؤثر في قلبها؟ فكيف بالمرأة الغزلة والفتاة التي لا هم لها إلا الرجال؟ ثم أنشد قصيدته:

قد لامني في خليلتي عمر

Bog aan la aqoon