Shacir Andalusi
شاعر أندلسي وجائزة عالمية
Noocyada
1
خمس مرات. سبع مرات. ثلاث عشرة مرة. سبع عشرة مرة. أستعيد روبيني وداريي في هذه الصورة.
إن روبين داريو في وجداني كان ولا يزال حيا، مطردا، واضحا، وكان ولا يزال جديدا أبدا.
وقد رسمت له من قبل ظلالا متعددة، إحداها باسم روبيني وداريي، والأخرى باسم مع وعلى روبين داريو، وغيرها باسم روبين داريو. وغيرها باسم الإسباني ليس إلا، وهكذا وهكذا إلى أشباه هذه الصور، وليست واحدة منها بالصورة التي ترتسم له في الأسطر التالية.
وإن الصورة التي بعثها الآن نبأ وفاته تملؤني اليوم بالحزن، وأنا أتناول القلم لرسمها، كما ملأتني بالحزن حين أبحرت من إسبانيا إلى نيويورك (في سنة 1916) ذات يوم قارس من أيام شهر فبراير، مقلعا من نيوفوندلاند، يغشى على عيني الإعصار الجائح، ويحمل إلي المذياع ذلك النبأ الفاجع عنه في بعض الطريق.
واليوم أنا مقترب من موطنه في نيكارجوا، وهو قد ذهب جثمانه، وحامت في خلدي أمواج من ذكريات داريو - داريو البحر - كما أوحته إلي صورته التي أعارني إياها صديقه ألفونس ريس
Reyes ، قائما في الجو الغائم المطير على شاطئ فلوريد، في ثوبه الأبيض بزي الربان الملاح: ذكرى للأصيل الذهبي الدفيء!
لقد كان داريو دائم الذهول أمام الأمواج، أمام مولد الزهرة ربة الجمال. أمام الملح المشبع بالعافية، ولم يكن - لهذا - يعلم ماذا يصنع بكسوة الفروك، وبالقفاز، وبالقبعة العالية. وبزيه المتنكر في الحلة الدبلوماسية. فما كان هذا بزيه المفضل سفيرا لمليكته الشرقية، أو أميرا بحارا عند الإله نيتون، فقد كان يحتفظ بعري أشد من هذا العري في صوان ملابسه بحجرات الدار؛ ولهذا كثيرا ما كان يرى مستلقيا عند الميزاب متبرما بالكسوة الرسمية لأن استدارته السمينة على قدمه الصغيرة كأنه سمكة القرش واقفة على ذنبها لن تحتمل ضغط الصدار، وربما تخيلته أحيانا سلطانا من الدلفين ينعم بين حريمه الملتف به من عرائس الماء.
كلا. كلا. أيها السادة، إن ترنحه المنتظم لأقرب إلى هزات الموج الزاخر في البحر المحيط منه إلى دوار نوح، وكلما أخرج ساعته الأعجوبة ونظر إليها وإلى الجهات الأربع فهمت أنه يستلهم التوجيه من إبرة الملاح، لا من إبرة ساعة!
إن موطنه الحق هو جزيرة الأرجنوت. جزيرة كولمبس. وكلمته المحبوبة - الأرخبيل - تحسبه حين ينطق بها داخل حلقه كأنه يبتلعها ابتلاع بحار مدله له وزينة من المحار، ولا موجب عنده لخلق أرض القارات إلا أن تكون بمثابة فردوس لذرية الآلهة والناس من سلالة الزهرة ربة الجمال؛ فقد كانت الزهرة ترعاه منذ صباه كما قال: «إن الزهرة من أعماق الهاوية لترمقني بنظرات الشجى والحنين.»
Bog aan la aqoon