128

Series of Lanterns of Guidance

سلسلة مصابيح الهدى

Noocyada

فضائل خديجة ﵂ ظللت الأبوة الرحيمة هذا البيت، وأنعشت الأمومة الكريمة أنفاس هذا البيت، ما ظنكم بأب هو رسول الله، وبأم هي خديجة الطاهرة صاحبة الشرف والعقل والكمال؟! أجل! إنه وسام سيد الرجال لـ خديجة، ألم يقل النبي ﷺ -واسمعوا إلى هذا المثال، وإلى هذه المنقبة يا عباد الله! والحديث رواه البخاري ومسلم من حديث أبي موسى الأشعري -: (كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) . وفي الصحيحين من حديث علي بن أبي طالب ﵁ أنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (خير نسائها مريم بنت عمران، خير نسائها خديجة بنت خويلد) والراجح كما قال الحافظ ابن حجر: أن المقصود بقوله ﷺ: (خير نسائها) أي: خير نساء زمانها، فـ مريم بنت عمران خير نساء زمانها، وخديجة بنت خويلد خير نساء زمانها بشهادة من لا ينطق عن الهوى ﷺ. إن خديجة لم تبلغ هذه المنزلة الرفيعة عند رسول الله ﷺ فحسب، وإنما بلغت خديجة هذه المنزلة الرفيعة عند ملك الملوك وجبار السماوات والأرض، هل سمعت يا عبد الله بامرأة أنزل الله جل وعلا جبريل ﵇ على رسول الله ﷺ؛ ليبغلها من ربها جل وعلا السلام؟! إنها خديجة ﵂، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: أتى جبريل إلى النبي ﷺ فرأى خديجة مقبلة، فقال جبريل ﵇: (يا رسول الله! هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتت فأقرئها السلام من ربها ومني) فإذا أتت فأقرئها السلام ممن؟! من ملك الملوك وجبار السماوات والأرض، والله إن الحلق ليجف، وإن القلب ليخشع، وإن الجوارح لتسكن أمام هذا السلام الإلهي الكريم من الله جل وعلا، وعلى لسان من؟! على لسان جبريل، إلى لسان من؟! إلى لسان محمد ﷺ، إلى من؟! إلى خديجة ﵂، (يا رسول الله! هذه خديجة قد أتت فأقرئها السلام من ربها ومني) أي: ومن جبريل، وانظروا إلى فقهها، انظروا إلى عقلها، انظروا إلى علمها، انظروا إلى ذكائها وفطنتها، ما قالت: وعلى الله السلام، انظروا إلى كمال العقل والفطنة والذكاء، اسمعوا ماذا قالت خديجة العالمة الذكية العاقلة، فقد ورد في سنن النسائي: (إن الله هو السلام، ومنه السلام -فالسلام اسم من أسمائه-، وعلى جبريل السلام، وعليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته) . يا له من علم! هل انتهت البشارة والمنقبة والفضيلة عند هذا الحد؟! كلا. فتعالوا بنا لنقرأ الحديث كله، ولنستمع إلى الفضل كله، قال جبريل: (يا رسول الله! هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتت فأقرئها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب - أي: من لؤلؤة مجوفة- لا صخب فيه ولا نصب) . وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، فهل أسمعت النبي ﷺ يومًا صخبًا؟! هل أسمعت النبي ﷺ يومًا ضجيجًا؟! هل رفعت صوتها يومًا على حبيب الله ﷺ؟! كلا، وإذا كان ذلك كذلك فإن الجزاء من جنس العمل، فليكن بيت خديجة من قصب لا صخب فيه ولا نصب، هدوء كامل وراحة تامة؛ نظير ما أسعدت النبي ﷺ بالهدوء والراحة التامة.

11 / 6