Series of Faith and Disbelief - Introduction
سلسلة الإيمان والكفر - المقدم
Noocyada
لا إله إلا الله هي الكلمة الطيبة
كذلك سماها الله ﵎: الكلمة الطيبة، وهناك حكمة من تسمية لا إله إلا الله بهذا الاسم الشريف فهي كلمة بريئة من الشرك، والتشبيه، والتعطيل، فكما يخرج اللبن خالصًا من بين فرث ودم؛ كذلك تخرج كلمة التوحيد خالصة من بين فرث التشبيه ودم التعطيل.
أيضًا صاحبها يكون بها طيب الاسم في الدنيا، يقول ﵎: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ﴾ [النور:٢٦] على بعض التفاسير «الطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ»، أي: المؤمنات للمؤمنين، والمؤمنون للمؤمنات، لكن هناك تفسير لعله أشهر وهو: الطيبات من الصفات للطيبين من الناس.
وعلى أي الأحوال: مما يفيد صاحبها أنه يكون طيبًا في الدنيا، وفي الآخرة تفيده بأن يسكن في مساكن طيبة، ﴿وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾ [التوبة:٧٢]، وطيبة بمعنى: مقبولة.
يقول الله ﵎: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ [فاطر:١٠]، فما يصعد إليه من الكلم الطيب يقبله وما لا فلا يصعد، ويقول ﵊: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا)، فبما أنه كلم طيب فإن الله يقبل الكلم الطيب، لقوله ﵊: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا).
وقد شبهها الله ﵎ بالشجرة الطيبة، قال المفسرون: هي النخلة أقرب مثل للعبد المؤمن؛ لأن المؤمن ينفع الناس على كل الأحوال، ولذلك كان أقرب ما يكون مثلًا له النخلة، فالنخلة لا يرمى منها شيء، وما من شيء في النخل إلا ويستفاد منه، فما هي أوجه الشبه بين المؤمن وبين النخلة؟ أولًا: أن كلمة لا إله إلا الله لا تجري على كل لسان، ولا في كل قلب؛ إنما تنبت في قلب المؤمن فقط، ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ﴾ [إبراهيم:٢٤] في قلب المؤمن ﴿وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ﴾ [إبراهيم:٢٤]، إذًا: كلمة التوحيد لا تجري على كل لسان، ولا في كل قلب؛ فليس كل محل قابلًا لأن يهدى لـ: لا إله إلا الله، لكن من اصطفاهم الله وطهر قلوبهم وزكاهم هم الذين تعمر قلوبهم بلا إله إلا الله، فربما تعرض على قلب آخر مشرك نجس فينبذها ويرفضها ولا تنبت فيه، ولا تصلح معه.
وكذلك النخل لا ينبت في جميع البلدان بل في بعض دون بعض، فله تربة خاصة، وأماكن معينة ينبت فيها.
كذلك كلمة التوحيد هي أعلى الكلمات، والنخلة هي أطول الأشجار، والكلمة الطيبة أصلها ثابت في القلب وهي المعرفة، وفرعها في السماء: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ [فاطر:١٠]، والنخلة أيضًا ثابتة في الأرض وفرعها في العلو، والإيمان يثاب صاحبه في الدنيا لأجل إيمانه بأهلية الشهادة والولاية والأمانة؛ فكونك تدخل في أهل التوحيد بقولك: لا إله إلا الله؛ فإنك تثاب على ذلك بهذه الكلمة الطيبة في الدنيا لأجل هذا الإيمان، وتصبح أهلًا للشهادة والولاية والأمانة، فأنت تثاب مرات عليها.
مرة في الدنيا بهذه الأمور، ومرة في الآخرة وهي الجنة الدائمة والنعيم المقيم، فهي تثمر لك الثمرة الباقية والنعمة الدائمة في الآخرة.
كذلك كلمة التوحيد وإن كان معها شيء من المعاصي لكنها تنفع صاحبها؛ لأن كلمة التوحيد مثل الروح بالنسبة للبدن، فإن البدن إذا بتر ذراعه أو قدمه أو أي شيء منه مما يستقيم له الحياة بغيره يظل حيًا بعد ذلك، لكنه لا يستطيع أن يعيش بلا روح، وكذلك الإيمان قد تتخلف بعض أركانه، وقد يقع الإنسان في بعض الذنوب، ويضيع بعض الواجبات، ولكن ما دام معه في قلبه لا إله إلا الله فإنه يبقى إيمانه حيًا، أما إذا خرجت لا إله إلا الله فهو ميت، ولذلك المشرك الذي لم يقل: لا إله إلا الله هو ميت في صورة حي، ولكن حياته مثل حياة البهائم والأنعام؛ يأكل ويتنفس ويتحرك ويتكاثر، ويعمل كل هذه الوظائف التي يفعلها الحي، كما قال تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ [الأعراف:١٧٩]، فمن كان معه لا إله إلا الله فهو الحي، ومن حرمها فهو الميت، وإن بدا في صورة الحي، يقول الله ﵎ لأهل لا إله إلا الله: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر:٥٣].
فالنخلة وإن حصل في وسط ثمرتها نواة لا خير فيها؛ فإن قيمة الثمرة لا تنقص بسبب النواة، فالتمر والبلح الذي يؤكل يكون في داخله تلك النواة التي ربما لا ينتفع بها، ولكن هل وجود هذه النواة يقدح في قيمة التمرة أو في قيمة هذه الثمرة؟ كلا، كذلك إذا كان مع الإنسان لا إله إلا الله؛ فإنه لا يقدح في إيمانك إن قصرت ببعض المخالفات.
والدين فيه تكاليف شاقة فاصبر على هذه التكاليف، وهذه المشقة تكون مثل الشوك، لكن أعلاه الثمرة الحلوة اللذيذة، وهي معرفة الله، ثم الجنة في الآخرة، كذلك النخلة أسفلها شوك والثمرة في أعلاها.
هذه بعض أوجه الشبه التي حاول الرازي ﵀ في تفسيره أن يجمعها بين النخلة التي هي الشجرة الطيبة، وبين الكلمة الطيبة التي هي لا إله إلا الله.
1 / 9