Series of Faith and Disbelief - Introduction
سلسلة الإيمان والكفر - المقدم
Noocyada
المحبة لكلمة التوحيد ولما اقتضته ودلت عليه
الشرط السابع: المحبة أي: محبة هذه الكلمة، ومحبة ما اقتضته ودلت عليه، ومحبة أهلها والعاملين بها، والملتزمين بشروطها، وبغض ما يناقض ذلك.
أن تحب هذه الكلمة، وتحب معانيها، وحقوقها، وأهلها، وتبغض ما ينافيها من المعاني والألفاظ، قال الله ﷿: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾ [البقرة:١٦٥]، يعني: يتخذون الأنداد والأضداد والشركاء لله، فيحبونهم كحب الله، وليس معناه: أنهم يساوون في المحبة بين الله وبين هذه الأنداد، لكن المقصود هو كما قال ﵎: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ﴾ [المائدة:٥٤]، فأخبرنا الله ﷿: أن عباده المؤمنين أشد حبًا له، وذلك لأنهم لم يشركوا معه في محبته أحدًا؛ لأن أصل الإله من الألوهة، وهي المحبة الشديدة لله ﵎، والمؤمنون لم يشركوا في محبة الله أحدًا كما فعل مدعو محبته من المشركين الذين اتخذوا من دونه أندادًا يحبونهم كحبه.
ونرى للأسف ممن ينتسبون زورًا إلى الإسلام من هو شديد المحبة للأنداد الذين يتخذون من دون الله، حتى وإن كانوا من أولياء الله الصالحين، تجد أن الناس يحلفون كذبًا بالله ﵎، بل يحلف اليمين الغموس الذي تغمسه في جهنم كاذبًا بالله ﵎، فإذا طلب منه أن يحلف على ذاك الشيء بـ البدوي أو الدسوقي يتلعثم ويرتعش، ويقر بأنه كان كاذبًا، ويرفض أن يحلف بغير اسم الله ﵎ كاذبًا، ويتجرأ ويتجاسر على أن يحلف بالله ﷿ وهو كاذب في ذلك، انظر -والعياذ بالله- إلى مدى بعد هؤلاء الناس عن حقيقة التوحيد.
يقول الله ﵎: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا﴾ [الفرقان:٤٣]، فعلامة حب العبد ربه: تقديم محابه وإن خالفت هواه.
هذه علامة محبة الله ﷿، وهذا شأن المحبوب دائمًا، أما المحبة بدون طاعة وانقياد فلا تسمى محبة، فهذه كذب ودعوى، فكذلك من ادعى محبة الله ﵎ فعلامة صدقه في هذه المحبة: أن يقدم ما يرضي الله على ما تهواه نفسه، ويدفعه إليه هواه، ويبغض ما يبغضه ربه وإن مال إليه هواه.
وقد حقق السلف معنى الولاء والبراء لله ﷿ أعظم التحقيق، ومحبة أهل لا إله إلا الله، وبغض من خالفهم، حتى إن الإمام أحمد بن حنبل ﵀ رأى رجلًا نصرانيًا، فأغمض عينيه، فقيل له: هل حرام أن تنظر إلى النصراني؟ قال: ليس حرامًا، ولكني لا أطيق أن أملأ عيني ممن يشرك بالله، وهذه لا نقول: إنها سنة، أو إنها من الدين، وأنك إذا رأيت نصرانيًا أو يهوديًا تغمض عينيك، لكن انظر إلى هذا الانفعال والبغض للكفر وأهله، حتى أن الإمام أحمد ما أطاق أن يملأ عينه ممن يسب الله، هذا الرجل يشتم الله، ويقول: إن محمدًا كذب على الله، وأنه ادعى الرسالة، وأن الوحي ينزل عليه، وأنه ألف هذا القرآن ونسبه إلى الله والعياذ بالله! ومع ذلك تجد المسلم في هذا الزمان يرى أشياء يعجب لها الإنسان، وعلامة حب العبد لربه تقديم محابه وإن خالفت هواه، وبغض ما يبغض ربه وإن مال إليه هواه، وموالاة من والى الله ورسوله ﷺ، ومعاداة من عاداه، واتباع رسوله ﷺ، واقتفاء أثره، وقبول هداه.
وكل هذه العلامات شروط في المحبة لا يتصور وجود المحبة مع عدم شرط منها، قال الله ﵎: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا﴾ [الفرقان:٤٣].
إذًا هذا مقتضى قولك: لا إله إلا الله، أي: لا إله حق إلا الله، فـ (لا) نافية للجنس، ولا يصح أن نقدر خبر (لا) النافية للجنس (بموجود) هنا فنقول: لا إله موجود إلا الله؛ لأن هناك آلهة تعبد من دون الله كثيرة جدًا، ونأتي بالأدلة من القرآن، قال الله تبارك تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾ [الجاثية:٢٣]، فكلمة إله أعم من لفظ الجلالة الله، فهي تطلق على إله الحق والباطل، أما لفظ الجلالة (الله) فهو علم على الذات المقدسة لا يمكن أبدًا أن يسمى أحدًا بهذا الاسم، فالهوى إله يعبد من دون الله، والدليل هنا قوله ﵎: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ﴾ [الجاثية:٢٣] إلى آخر الآية، فالمال إله كما قال النبي ﵌: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد القطيفة، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش)، يدعو عليه ﵊ بأنه إذا دخلت شوكة في جلده فلا تخرج، ويظل يتألم منها فهذا عبد المال.
قال تعالى: ﴿لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [المجادلة:٢٢]، وقال ﵎: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ [المائدة:٥١]، هذه الآية تتزلزل لها القلوب، يقول أحد الصحابة ﵃: ليحذر أحدكم يصير يهوديًا أو نصرانيًا وهو لا يشعر؛ لهذه الآية: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ)، فمن يواد ويوالي اليهود والنصارى فإنه منهم ويصبح كافرًا مثلهم، وقال ﵎: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [التوبة:٢٣]، وقال ﷿: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ [الممتحنة:١]، وغير ذلك من الآيات.
وقال ﷿ مشترطًا اتباع رسوله ﷺ: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران:٣١ - ٣٢] وقوله: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ)، كما ذكر بعض السلف: أن هذه الآية حينما ادعى قوم محبة الله ﷿ امتحنهم الله وابتلاهم بهذه الآية؛ ليميز الخبيث من الطيب، والصادق من الكاذب: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي﴾، من أحب الله أحب رسول الله ﵊؛ لأنك إذا أحببت الله معناه أنك تحب أن تعبد الله، وكيف تعبد الله؟ كيف تعلم كيفية الصلاة والصيام والزكاة؟ وكيف نكون منفذين لما يحبه الله؟ لا طريق لمعرفة ما يحبه الله وما يقرب إلى الله إلا باتباع رسول الله ﷺ، فجعل اتباع الرسول ﵊ علامة صدق هذه المحبة، ثم بين أنه يكافئهم بما هو أعظم: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي)، فإن اتبعتموني كيف يكافئكم الله؟ (يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)، فليس الشأن في أن يحب العبد ربه، هذا هو رد الفعل الطبيعي، والقلوب جبلت على محبة من يحسن إليها، فكونك تحب الله لما أنعم به عليك من النعم العظيمة والجسيمة، فهذا ليس فيه شأن كبير، هذا أقل ما ينبغي، أنت مقصر على كل الأحوال، لكن الشأن في أن يحبك الله: ﴿فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران:٣١ - ٣٢]، وصفهم بالكفر بسبب توليهم عن مقتضى اتباع رسوله ﷺ.
وقال رسول الله ﷺ: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان)، من أراد أن يذوق طعم الإيمان وحلاوة الإيمان فلينظر أين هو من هذه الثلاث؟ أولًا: (أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار)، انظر إلى شدة بغضه للكفر والمعاصي، وكل ما يمقته الله ويمقت فاعله.
وهذا الحديث في الصحيحين.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)، بل ولا يتم إيمانه حتى يحب رسول الله ﷺ أكثر مما يحب نفسه، ودليل ذلك قوله ﵎: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)؛ بحيث إذا تصورت أنه يوشك أنك تموت من العطش، وأمامك جرعة ماء يمكن أن تنقذ حياتك إذا شربتها، فتكون على يقين جازم بأنه إذا كان رسول الله ﵊ موجودًا معك الآن، ويريد أن يشرب هو هذا الماء، وأنت ستموت وتهلك وتخرج روحك إذا لم تشرب هذا القدر من المياه، فيجب عليك حتمًا أن تقب
2 / 10