190

Secularism: Its Rise and Development

العلمانية - نشأتها وتطورها

Daabacaha

دار الهجرة

Noocyada

لقد كانت بالفعل صدمة هائلة وانتكاسة خطرة. نعم إن داروين لم يصدر أحكامًا مستقلة على الإنسان -وليس من حقه ذلك- ولكن الذين جاءوا من بعده أصدروا أحكامًا وأي أحكام! ذلك أنهم تلقفوا النظرية -أصلًا- بدوافع مغرضة ووجهوها لتخدم أهدافًا خفية، ولهذا فليس غريبًا أن يثوب (الداروينيون المحدثون) -راضين أم راغمين- إلى رشدهم، ويعترفوا بحقيقة تفرد الإنسان عن كل المخلوقات، بينما لا يزال أولئك المغرضون ينفثون أفكارهم الهدامة التي تنظر للإنسان على أنه حيوان، وتحدد مطالبه بمطالب الحيوان وتدرسه كما تدرس الحيوان. وليس الإيحاء بحيوانية الإنسان هو الأثر الدارويني الوحيد الذي حط من قدره وكرامته، بل اقترن به إيحاء آخر لا يقل خطورة عن الأول، وهو الإيحاء بـ (مادية الإنسان) أي: خضوعه للقوانين المادية التي تفرض عليه ما تفرضه على المادة الجامدة. فالإنسان في نظر الداروينية لم يتطور مختارًا، بل كان تطوره مظهرًا لخضوعه المطلق للبيئة الطبيعية، أي لعوامل خارجية حتمية، صحيح أن هذا التطور لمصلحته لكنه لم يكن نابعًا من إرادته، ولم يكن متوقعًا من الداروينية أن تقول في تلك الظروف السيئة إن الله هو الذي اختار للإنسان، لأن ذلك يفقدها صفة (الميكانيكية). بل ويجرها إلى اعترافات أخرى كالإقرار بأن له روحًا، وأن لوجوده غرضًا، كما تقول الكنيسة، وإذن فلا مناص من القول بأن العوامل الطبيعية وحدها صانعة التطور وفارضته على الإنسان، والإنسان ما هو إلا مرآة تنعكس عليها تقلبات الطبيعة المفاجئة وتخبطاتها غير المنهجية.

1 / 197