والشأن ، وعلى ذلك يكون معنى الجملة : لم تكن راجيا لأن يلقى اليك الكتاب ، وتكون طرفا للوحي ، والخطاب الا من جهة خاصة ، وهي أن تقع في مظلة رحمته وموضع عنايته ، فيختارك طرفا لوحيه ، ومخاطبا لكلامه ، فالنبي بما هو انسان عادي لم يكن راجيا لأن ينزل إليه الوحي ، ويلقى إليه الكتاب ، وبما انه صار مشمولا لرحمته وعنايته ، وصار انسانا مثاليا ، قابلا لتحمل المسؤولية ، وتربية الامة ، كان راجيا به ، وعلى ذلك فالنفي والاثبات غير واردين على موضع واحد.
وبهذا خرجنا بفضل هذا البحث الضافي أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان إنسانا مؤمنا موحدا عابدا لله ساجدا قائما بالفرائض العقلية والشرعية مجتنبا عن المحرمات عالما بالكتاب ومؤمنا به إجمالا وراجيا لنزوله إليه إلى أن بعث لانقاذ البشرية عن الجهل ، وسوقها إلى الكمال.
الآية الخامسة : لو لم يشأ ما تلوته
قال سبحانه : « قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا ادريكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون » (1)، والآية تؤكد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان لابثا في قومه ، ولم يكن تاليا لسورة من سور القرآن ، أو آية من آياته وليس هذا شيء ينكره القائلون بالعصمة ، فقد اتفقت كلمتهم على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقف على ما وقف عليه من آي الذكر الحكيم من جانب الوحي ، ولم يكن قبله عالما به واين هذا من قول المخطئة من نفي الايمان منه قبلها.
وان اردت الاسهاب في تفسيرها فلاحظ الآية المتقدمة ، فترى فيها اقتراحين للمشركين وقد اجاب القرآن عن أحدهما في الآية المتقدمة وعن الآخر في نفس هذه الآية واليك نصها : « قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن ابدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى الي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم » (2).
Bogga 310