248

الصفات ، وحملها على مشاق الاعمال :

سبب آخر لرعي الغنم :

ويمكن أن نذكر هنا سببا آخر أيضا وهو ان رجلا حر النفس والعقل كرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تجري في شرايينه وعروقه دماء الغيرة والشجاعة كان يشق عليه ان يشاهد كل ذلك الظلم والحيف الذي كان يمارسه طغاة مكة ، وعتاة قريش وزعماؤها الظالمون القساة بحق الضعفاء ، والمحرومين ، وكذا كان يشق عليه ان يرى تظاهرهم بالعصيان والفسوق في حرم الله ، وعند بيته المعظم.

إن اعراض سكان مكة عن عبادة الله الواحد الحق ، وطوافهم حول تلك الأصنام الخاوية هي بلا ريب أسوأ واقبح ما يكون في نظر الرجل الفاهم ، والعاقل العالم ، واثقل ما يكون عليه.

من هنا رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقضي ردحا من الزمن في الصحاري والقفار وعند سفوح الجبال التي كانت يومئذ بعيدة بطبيعة الحال عن تلك المجتمعات الفاسدة وأحوالها وأوضاعها ، ليستريح ( أو يتخلص ) بعض الشيء من آلامه الروحية الناشئة من رؤية تلك الأوضاع المزرية ، والأحوال المشينة.

على أن هذا الأمر لا يعني أن للرجل المتقي أن يسكت على الفساد والظلم ، ويقر عليهما.

ويفرق بين حياته وحياة الآخرين ويعتزل عنهم ويتخذ موقف اللامبالاة تجاه الأوضاع المنحرفة ، والاحوال الشاذة ، بل ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما كان مأمورا من جانب الله سبحانه بالسكوت والانتظار ، لانه لم تكن ظروف « البعثة » والهداية قد توفرت وتهيأت بعد لذلك اتخذ صلى الله عليه وآله وسلم مثل هذا الموقف.

* * *

Bogga 253