ولما غربت الشمس جاءنا الخليفة وأمرنا بأن نتبعه، فسرنا وراءه حتى دخلنا على المهدي وهو قاعد على عنجريب، وكان قد سمن سمنا فاحشا حتى ما كدت أعرفه، فركعنا أمامه وقبلنا يده عدة مرات، وأكد لنا أنه يرغب في الخير لنا وأن القيود والسلاسل تنفع الناس؛ يعني بذلك أن العقاب يمنع الناس من ارتكاب الجرائم فينفعهم لهذا السبب، ثم والى الحديث إلى قرابته الذين كانوا في أسر الإنجليز، وأنه رفض المقايضة بنا قائلا: «إني أحبكم أكثر مما أحب قرابتي؛ ولهذا رفضت المقايضة.»
فأجبته مؤكدا له الأمانة والحب، وقلت له: «إن كل إنسان يحب أن يحبك أكثر مما يحب نفسه؛ لأن من لا يفعل ذلك لا يمكنه أن يحب أحدا من قلبه.»
وكان الشيخ عليش قد أوصاني بأن أقول له ذلك، فلما سمع المهدي كلامي التفت إلى الخليفة وقال: «اسمع ما يقول. قل ثانيا.»
فكررت العبارة على مسامعه فأخذ يدي بين يديه وقال: «لقد قلت حقا. أحبني أكثر مما تحب نفسك.»
ثم طلب لبتون بك وأخذ يده وأمرنا كلينا بأن نقسم يمين الولاء؛ لأننا قد حنثنا بيميننا الماضية، فأقسمنا من جديد، وأمرنا الخليفة بالقيام فقبلنا يد المهدي وشكرنا له بره بنا وعدنا إلى مكاننا.
ومضى زمن قبل أن يأتينا الخليفة، ولما عاد أذن للبتون بأن يرجع إلى عائلته، وكانت لا تزال في بيت المال، وبعث معه بملازم يريه الطريق وأكد له عنايته به، ثم قال لي: «وأما أنت فأين تريد أن تذهب؟ هل تعرف أحدا تذهب إليه؟»
فقلت: «ليس لي سوى الله وأنت، ليس لي أحد يا مولاي يعنى بي، فافعل بي ما تراه خيرا لي.»
فقال الخليفة: «لقد كنت أرجو وأنتظر هذا الجواب منك، ويمكنك أن تعد من هذه الساعة واحدا من أسرتي، وسأعنى بك ولن تحتاج إلى شيء، وستنتفع بملازمتي، ولكن أشترط عليك شيئا واحدا وهو أن تطيع كل ما أرسله إليك من الأوامر، وواجبك ينحصر في أن تقعد مع الملازمين طول النهار على باب المنزل، أما في الليل بعد ذهابي فيمكنك أن تذهب إلى منزلك الذي سأخصصه لك، وعندما أخرج يجب أن ترافقني، وإذا ركبت فعليك أن تسير بحذائي حتى يأتي الوقت المناسب للإذن لك بالركوب إلى جانبي، فهل أنت راض بهذه الشروط؟ وهل تعد بالقيام بها؟»
فأجبت: «أنا راض يا مولاي كل الرضا بهذه الشروط، وستجد في خادما مطيعا وأرجو أن أجد القوة لكي أقوم بواجباتي خير قيام.»
فقال: «الله يقويك ويبعث لك الخير.» ثم نهض وقال: «نم هنا هذه الليلة في حماية الله وسأراك غدا.»
Bog aan la aqoon