فسمعه جاهل بالشرع، قبله، لتعظيمهم في نفسه، كما ينقل عن أبي يزيد١ ﵁: أنه قال: تراعنت٢ على نفسي، لحلفت لا أشرب الماء سنة٣. وهذا إذا صح عنه، كان خَطَأً قَبِيْحًا، وزلةً فاحشةً؛ لأن الماء ينفذ الأغذية إلى البدن، ولا يقوم مقامه شيء؛ فإذا لم يشرب، فقد سعى في أذى بدنه، وقد كان يستعذب الماء لرسول الله صلى الله عليه وسلم٤.
أفترى هذا فعل من يعلم أن نفسه ليست له، وأنه لا يجوز التصرف فيها إلا عن إذن مالكه؟!
٦٥- وكذلك ينقلون عن بعض الصوفية: أنه قال: سرت إلى مكة على طريق التوكل حافيًا، فكانت الشوكة تدخل في رجلي، فأحكها بالأرض، ولا أرفعها، وكان عَلَيَّ مسح٥، فكانت عيني إذا آلمتني، أدلكها بالمسح، فذهبت إحدى عيني. وأمثال هذا كثير، وربما حملها القصاص على الكرامات، وعظموها عند العوام، فيخايل لهم أن فاعل هذا أعلى مرتبة من الشافعي وأحمد.
ولعمري، إن هذا من أعظم الذنوب، وأقبح العيوب: لأن الله تعالى قال: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ "النساء: ٢٩"، وقال النبي ﵊: "إن لنفسك عليك حقًّا" ٦. وقد طلب أبو بكر رضي الله عه في طريق الهجرة للنبي ﷺ ظلًّا، حتى رأى صخرة، ففرش له في ظلها٧.
٦٦- وقد نقل عن قدماء هذه الأمة بدايات هذا التفريط، وكان سببه من وجهين: أحدهما: الجهل بالعلم. والثاني: قرب العهد بالرهبانية.
_________
١ طيفور بن عيسى البسطامي، أبو يزيد "١٨٨ -٢٦١هـ" زاهد مشهور، وليد وتوفي في بسطام.
٢ تراعنت: هاجت وتمردت.
٣ لعله يقصد الماء البارد، لا مطلق الماء.
٤ رواه أبو داود "٣٧٣٥" والحاكم "٤/ ١٣٨" عن عائشة ﵂.
٥ المسح: كساء من شعر أو صوف، وهو لباس الرهبان.
٦ رواه البخاري "١١٥٣"، ومسلم "١١٥٩" عن عبد الله بن عمرو ﵁ كما ذكره المؤلف في الفصل "١٦٢".
٧ رواه البخاري "٣٦٥٢"، ومسلم "٢٠٠٩" عن البراء ﵁، ويسمى حديث الرحل.
1 / 43