Codka Gunta
صوت الأعماق: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
Noocyada
liguisticality
لخبرة الإنسان بالعالم».
43
أما موريس بلانشو فيذهب، مثل هيدجر، إلى أن اللغة هي التي تفكر ويؤكد على «الخاصية اللاشخصية للغة، ووجودها المستقل المطلق الذي تحدث عنه مالارميه. فهذه اللغة لا تفترض أي شخص يتكلمها ولا أي شخص يسمعها. إنها تكلم ذاتها وتكتب ذاتها.»
يورجين هابرماس، ورولان بارت، وبرتراند رسل
وفي مقابل هؤلاء الذين أنزلوا اللغة منزلة «المطلق»، ثمة فصيل آخر من المفكرين يعرف للغة نفوذها الهائل وسطوتها النافذة ودورها الخطير ولكن بشكل سلبي ارتيابي.
من هذا الفريق الارتيابي يورجين هابرماس
J. Habermas (1929م-...) الفيلسوف وعالم الاجتماع الألماني الذي ينتمي إلى الجيل الثاني من مدرسة فرنكفورت النقدية . ذهب هابرماس إلى أن اللغة كيان أيديولوجي يختزن في قلبه الزيف والخرافة والاستلاب. وإذا كانت الأيديولوجية في اللغة قمعية كابتة فإن فهم اللغة لا جدوى منه ما لم يتم التحقق من الأيديولوجيات وتمحيصها. ثمة فرق بين الفهم من خلال اللغة وبين الانعتاق من اللغة. ومن المتيقن أن المبادرة السياسية بتصحيح الموقف أهم بكثير من مجرد تفسير الألفاظ؛ ذلك أن تشويهات اللغة لا تأتي من استعمال اللغة بل من ارتباطها بالعمل وبالسلطة، وهو ارتباط يظل أعضاء المجتمع غافلين عنه وغير متفطنين إليه؛ الأمر إذن ينطوي على تشويه منظم للفهم وليس مجرد سوء فهم. بإمكان الأيديولوجيا أن تتسلل إلى نسيج اللغة ذاتها وتسلك نفسها في سدى اللغة ولحمتها. وهكذا تصبح اللغة، وهي الأداة الضرورية للحوار عند جادامر، حاملة للعدوى الأيديولوجية. ومن ثم فإن مهمة نظرية التأويل هي أن تفضح الزيف وتقهر التحيزات عن طريق المنهج النقدي.
44
أما المفكر الفرنسي ومنظر الأدب رولان بارت فيقول: إن معركتنا، نحن المثقفين، تقوم ضد السلطة في أشكالها المتعددة. وليست هذه بالمعركة اليسيرة؛ ذلك أن السلطة متعددة في الفضاء الاجتماعي وممتدة في الزمان التاريخي، وعندما نبعدها وندفعها هنا، سرعان ما تظهر هناك، وهي لا تزول البتة. قم ضدها بثورة بغية القضاء عليها، وسرعان ما تنبعث وتنبت في حالة جديدة. ومرد هذه المكابدة والظهور في كل مكان هو أن السلطة جرثومة عالقة بجهاز يخترق المجتمع ويرتبط بتاريخ البشرية في مجموعه، وليس بالتاريخ السياسي وحده؛ هذا الشيء الذي ترتسم فيه السلطة، ومنذ الأزل، هو ... اللغة! إن اللغة سلطة لأنها تنطوي على تصنيف، وكل تصنيف ينطوي على نوع من القهر. إن كل لهجة تتعين أكثر ما تتعين لا بما تبيح قوله بل بما ترغم على قوله. وفي اللغة الفرنسية أنا مرغم على أن أضع نفسي كفاعل قبل أن أعبر عن الفعل الذي لن يكون إلا صفة تحمل علي. وليس ما أقوم به إلا نتيجة تتولد عما أنا عليه. وعلى نحو مماثل أنا مرغم دوما على الاختيار بين صيغة التذكير والتأنيث ، وليس بإمكاني على الإطلاق أن أحيد عنهما معا أو أجمع بينهما، ثم إنني مرغم على تحديد علاقتي بالآخر، إما باستعمال ضمير المخاطب بصيغة المفرد أنت أو بصيغة الجمع أنتم، وليس بإمكاني أن أترك المجال لمبادرة العاطفة والمجتمع. وهكذا فإن اللغة، بطبيعة بنيتها، تنطوي على علاقة استلاب قاهرة. ليس النطق، أو بالأحرى الخطاب، تبليغا كما يقال عادة؛ إنه إخضاع. فاللغة توجيه وإخضاع معممان.
Bog aan la aqoon