Codka Gunta
صوت الأعماق: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
Noocyada
تخيل الآن أن هناك خارج الحجرة مجموعة من العلماء الصينيين، لست تدري بوجودهم على الإطلاق، وأنهم يدفعون إلى غرفتك بأرتال من الخربشات هي عبارة عن أسئلة باللغة الصينية، وأنت ترد بأرتال من الخربشات تبلغ أن تكون إجابات عن هذه الأسئلة. مثال ذلك أن أحدهم قدم سلسلة من الرموز تعني بالصينية «من هو فيلسوفك المفضل؟» فقدمت بدورك، مسترشدا بالدليل الضخم، سلسلة من الرموز تعني باللغة الصينية (وإن كنت تجهل ذلك) «فيلسوفي المفضل هو دونالد دافيدسون، وإن أكن أيضا معجبا بمارتن بيوبر أيما إعجاب.» إنك بغير شك ستثير دهشة المتحدث وستبدو للعلماء الصينيين كما لو كنت تعرف الصينية، ولكنك في الحقيقة لا تفهم الصينية، إنك تسلك «كما لو كنت» تفهم، إنك تسلك مثل آل سيمانتية وتملك كل ما يمكن للذكاء الصناعي أن يضعه فيك عن طريق أحد البرامج الكمبيوترية، ولكنك لا تفقه من الصينية حرفا، ومبلغك أنك تقلد الناطق بالصينية.
هكذا يفند سيرل نظرية التمثيل القائمة على فكرة أن العقل آلة سيمانتية وأن العمليات الذهنية عبارة عن تناول صوري لرموز غير مفسرة. غير أن التجربة تثبت أن العقل أكثر من ذلك. إن الإنسان الآلي أو جهاز الحاسوب يخدعنا بسلوك مبرمج، ويوهمنا بأنه ذكي وبأن لديه عقلا، بينما هو في الحقيقة دون ذلك، وقصاراه أنه يتظاهر بالذكاء ويقلد الفهم. (4) نقد تجربة سيرل
تعرضت تجربة سيرل لانتقادات عنيفة من جانب أنصار نظرية التمثيل وغيرهم، أهمها أن سيرل قد ارتكب «مصادرة على المطلوب»
begging the question
حين افترض أنه لا يوجد في حجرة اللغة الصينية أي فهم للصينية، ويعود ذلك إلى أن التجربة تدعونا إلى التركيز على مكون واحد من مكونات النظام لا على النظام ككل، وهذا المكون الواحد هو «أنت»، جالسا على كرسيك تفرز الأحرف التي تملأ السلة وتجهل الصينية جهلا تاما. ولكن حقيقة الأمر أنه بينما تجهل أنت الصينية فإن النسق الكلي، الذي تعد أنت جزءا منه، يفهم الصينية! هذا النسق الذي يشملك كما يشمل السلة والأحرف والدليل الإرشادي.
وفي صياغة أحدث لحجة حجرة اللغة الصينية يقول سيرل في مقال له ملحا على المغزى الرئيسي لتجربته: «إن غاية القصة هي أن تذكرنا بحقيقة تصورية ما نفتأ نعرفها على الدوام، وهي أن هناك فرقا بين تناول العناصر التراكيبية للغات وبين الفهم الفعلي للغة على مستوى سيمانتي (دلالي). إن الشيء الذي يفتقده الذكاء الصناعي في تقليده للسلوك المعرفي هو ذلك التمييز بين النظم (التركيب) والمعاني (الدلالة)؛ فحين نفهم لغة ما فهما حقيقيا فنحن نمتلك إذ ذاك شيئا ما يتجاوز المستوى الصوري أو النظمي؛ نمتلك الدلالة
semantics . ونحن لا نقوم بمجرد رص رموز صورية غير مفسرة، بل نعرف فعلا ما تعنيه.» (5) الجانب الصائب من تجربة سيرل
حين عرضت بغير قليل من التفصيل لتجربة سيرل، لم يكن يعنيني موقعها من فلسفة العقل، بل متضمناتها في صميم حياتنا. وحين قلت إنها استهدفت للنقد لم يكن يعنيني وجهها المغلوط، بل وجهها الصائب. إن في تجرية سيرل جانبا يبقى صائبا على الدوام وشديد الأهمية حتى في نظر منتقديه. ونحن نجتزئ هنا بهذا الجانب الذي لا يمكن أن يجحده أحد سواء كان متفقا مع سيرل في مجمل مذهبه أو لم يكن. إنه صائب في توكيده على أن تجربته تظهرنا على أن شيئا ما أو شخصا ما يمكن أن يبدو ذكيا وهو غير ذكي، ويبدو فاهما وهو لا يفهم، ويبدو محاورا وهو لا يحاور. ونحن في حياتنا الخاصة كثيرا ما نتظاهر بسمات أو قدرات ذهنية لا نمتلكها في واقع الأمر، ونسلك «كما لو» كنا نعرف ونحن لا نعرف؛ فالسلوك الظاهر قد يخفي الجهل ويواري الأمية الصميمة وراء قناع صفيق.
ويبدو أن هذا الداء قد استفحل عندنا حتى أصبح التظاهر بالعلم فنا قائما بذاته، وبرنامجا حاسوبيا يعلمك من غير معلم كيف تتشدق وتتعالم وتختلب الجهل بظاهر المعرفة. ونحن نصادف ذلك في صورته الكاريكاتورية لدى زمرة من كتابنا الأميين، أي الذين لا يقرءون، غير أنهم يكتبون! فكيف كان ذلك؟ ... بالحجرة الصينية! إن كتابنا الأميين لا يكتبون حقا بل يتقمصون شخصية الكتاب الحقيقيين ويلوكون رطانتهم وأساليبهم، ويقلدون ما يتصورون أنه حال الكتابة وما تشبه أن تكون، ولا يتورعون عن نقل فقرات برمتها من بطون الكتب لا صلة لها بموضوعهم فيتمحلون لها الصلة، ويزجون بها زجا ويقحمونها إقحاما؛ ليموهوا بها على هزالهم وفقر مادتهم، ويتعمدون إقحام أسماء مذاهب «كبيرة» وأسماء أعلام جهيرة حتى يوهموا القارئ أنهم يلمون بهذه المذاهب ويعرفون هؤلاء الأعلام. ودأبهم في ذلك أن يمسوا الأفكار الكبرى مسا خارجيا لا يتجاوز القشور، وألا يوغلوا في العمق شبرا واحدا حتى لا يفتضح أمرهم وينكشف جهلهم بما يتحدثون عنه، وأن يتشبثوا دائما بعلامات التنصيص والفقرات المقتبسة يرتقونها معا كمرقعة الدراويش، فلا يفرغ القارئ الأخضر من قراءتهم إلا وقد وقر في ظنه أن هذا الدعي أو ذاك لا بد أن يكون حبرا باقعة لا هم له إلا العلم ولا شغل له إلا التحصيل. ولا يدري أن صاحبنا الكاتب جهول أمي لا يقرأ ولا يعرف، ولكنها بركة الحجرة الصينية. (6) علم اللغة، الحاسوب، البرامج
ينقسم علم اللغة العام
Bog aan la aqoon