ولكن لنتابعن سيرنا في الغرفة:
في منتصف الجدار إلى اليمين صورة هوغو في شيخوخته ويده تحمل جبهته المثقلة بالأفكار العظيمة، كأنما هو في جلوسه يناجي الأجيال قائلا: ها أنا ذا! أنا هوغو الذي أنالته الحياة مجدا وثروة وحبا. أنا ذاك الذي شاخ في المنفى فكان سعيدا في الشقاء. أنا ذاك الذي بحث عن نوابغ الماضي ودون أسماءهم تاركا بعدها مكانا واسعا لاسم جديد. والاسم الذي أعني إنما هو اسم الرجل الجالس هنا حاملا على يده جبهته المثقلة بالأفكار العظيمة: فيكتور هوغو.
وإلى شمال هوغو أرى الفيلسوف الرياضي ديكارت الذي قال فولتير في وصفه إنه جعل العميان يبصرون؛ إذ بين للقرن السابع عشر أغلاط القرون الخاليات، وجعل شعار هذه الجملة: «لتبلغ الحقيقة يجب أن تنسى مرة في حياتك جميع الآراء والاعتقادات التي شببت عليها، ثم تقيم أسسا جديدة لآراء واعتقادات شخصية.»
إلى شمال ديكارت أرى بوسويه أسقف «موو». ترى بأي شيء يسر ديكارت إلى بوسويه في ساعات الوحدة، وبماذا يجيب الأسقف الكاثوليكي؟ ليت لي من سبيل إلى التجرد من جسدي حينا؛ لأسمع محاوراتهما ولو مرة واحدة؛ ولأعلم كيف يتناقش العلم والدين في عالم الأرواح.
على يمين هوغو موليير الشاعر الفذ الذي ملأ رواياته، وراء لهجة الاستخفاف والظرف والتنكيت، انتقادات اجتماعية وعلمية ودينية، وعلم أهل زمانه الضحك من أنفسهم غير متذمرين.
وعلى يمين موليير وجه نحيف جذاب، من هذا؟ لو نسي مصورك كتابة اسمك تحت رسمك، لو درست آثار فكرك وعلمك وانتقادك وطمس الزمان كل ما أبده قلمك، لو أكلت النار وجهك غير مبقية إلا على شفتيك لعرفتك يا فولتير! يا لفمك من فم هائل في كلامه، هائل في بسمته، هائل في سكوته حتى في سكوت الصور!
تحت هوغو إطار ذو رسمين يمثل أحدهما راسين والآخر بوالو. ولو أنصفت الجامعة لوضعت راسين فوق هوغو وأقصت النظام بوالو عن الشاعرين. لكني أفهم أن صورة هوغو عندها أكبر من صورة راسين. كذلك تسير مواكب الحياة! فكثيرا ما يقطن الأكبر تحت الكبير ويقف الأحسن دون الحسن، ولكل أن يرضى بما قسم له؛ لأن الزمان شاء ومشيئته لا تتغير!
من زاوية فولتير إلى الباب تمتد مكتبة صغيرة خالية مما وجدت له، تتجلى فوقها صورة امرأة عظيمة: مدام ده سفينيه، كم تسرني رؤية هذه المرأة قرب هؤلاء الرجال! كأن وجودها هنا عنوان اهتمام الجامعة بالفتيان والفتيات على السواء، كأن صورتها على هذا الجدار صوت يستحث الفكر النسائي قائلا: إلى الأمام!
على الجدار المقابل لجدار فولتير صورة فنيلون «أسقف كمبري» مؤلف كتاب «تليماك» المفعم بالانتقاد الدقيق الخفي لحكومة لويس الرابع عشر وللملك العظيم نفسه، وإلى جانبه معاصره الشهير كورنيل واضع الروايات البديعات اللائي ما برحن ميدانا، فيه الحب والواجب يتنازعان .
وعند الباب هيكل عظام بشري إلا أنه صنع من خشب الجوز أو من خشب آخر دهن بهذا اللون. كل ما هنا يساعد ما في جواره لجعل هذه الغرفة كبيرة في صغرها، عظيمة في سذاجتها.
Bog aan la aqoon