Sawanih Amira
سوانح الأميرة
Noocyada
فلما رأى الملك ذلك الحذاء الصغير عول على أن يبحث عن صاحبته، وما زال يفتش عنها حتى وجدها واقترن بها أخيرا. وقد تركت هذه الملكة لنفسها صحائف خالدة في تاريخ مصر ما زالت مشرقة الجوانب حتى يومنا هذا، وهي نفسها التي أمرت بإتمام الهرم الموجود بالجيزة ودفنت داخله، غير أنه مما يوجب الأسف أن هذه الملكة الجميلة «نيتوقريس» لم يعثر لها على قبر أو تمثال، وقد ازددت أسفا عندما سمعت بأن تاريخ حياتها مدون على صحيفة من ورق «الپابيروس» ضمن معروضات متحف «تورينو»!
وقد ظلت قصة هذه الملكة كحكاية خرافية ولم يبق لها في التاريخ مزية أكثر من ذكر اسمها الموسيقي.
إلى هنا كنت قد أتممت زيارة البهو السفلي فارتقيت السلالم المؤدية إلى القاعات العلوية ودخلت الدائرة الخاصة بالحيوانات المقدسة، فوقع نظري على جملة من القطط والكبوش والتماسيح والقردة والفيران والطيور المعروفة بأبي قردان، وكانت جميعها مرتبة داخل دواليب من الزجاج ترمق المتفرجين شزرا بعيونها الزجاجية الباردة.
كان يلوح لي أن أنواع التقديس وضروب الاحترام التي نالتها هذه الحيوانات وهي حية أكسبتها الجمود البادي عليها الآن، إذ كان الناظر إليها وهي مصفحة بأنواع الحلي الذهبية يخيل إليه أنها في انتظار الذين عبدوها حينا من الدهر.
أي حس عميق يا ترى يسوق الناس إلى إيفاء واجباتهم الدينية في مختلف العصور والأيام حتى يجعلهم يلجئون إلى مثل هذا النوع من العبادة، عبادة عيون الحيوانات ومناقير الطيور؟!
قرب الآن ميعاد غروب الشمس، إذ كانت أشعتها النافذة من القبة الكبيرة تلون الموجودات بلون أحمر وتنشر في أرجاء القصر ألوانا مختلفة من الهيبة والخشوع.
الإطارات والنوافذ والحوائط والمدافن أصبحت جميعها في طوفان من اللون القرمزي، وكان يخيل للناظر أن الهياكل والتماثيل أخذت في الانتباه والصحو، وأن التوابيت تلتهب بالنيران.
هنا في هذا المكان يرى الإنسان الابن بجانب الأب والحفيد في محاذاة الجد، والكل نائم في صف واحد بعضهم مسدل النقاب على وجهه، والبعض يختال في ثيابه وحلله، والبعض راقد بلا ثوب ولا كفن.
هؤلاء الأعيان والذوات الذين كانوا ينفرون من بعضهم البعض وهم أحياء، جمعهم الموت على حظيرة واحدة في هذه المقابر الغرانيتية التي تزين هذا القصر، وقد اختلط حابلهم بنابلهم، فالعدو بجانب العدو، والخصم مجاور للمخاصم، والحاكم على قيد أمتار من المحكوم، فكم من الملوك الذين يقرأ الخلف تاريخهم الآن على الأعمدة ليلم بأعمالهم وآثارهم قد لبوا الدعوة إلى هذا الموعد!
إن هؤلاء الذين دفنوا ردحا من الزمن في طي الصحاري وبطون الجبال قد تلاقوا الآن في هذا المكان، وها هم ينتظرون بفروغ صبر الساعة التي تنعتق فيها أجسادهم من هذا الجمود الأزلي.
Bog aan la aqoon