من يفعل ما هو دون ذلك من المعاصي، فكيف بالشرك، كما نهى الذين سجدوا (١) له، ونهى الذين صلوا خلفه قيامًا، وقال: «إن كدتم تفعلون فعل فارس والروم فلا تفعلوا» (٢) رواه مسلم.
وفي المسند بإسناد صحيح عن أنس قال: «لم يكن شخص أحب إليهم من (٣) رسول الله ﷺ وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له لما يعلمون من كراهته لذلك» وفي الصحيح أن جارية قالت عنده «وفينا نبي يعلم ما في غده» فقال ﷺ: «هذا وقولي الذي كنت تقولين» (٤)، ومثل هذا كثير من نهيه عن المنكر بحضرته، فكل من رآه في حياته لم يتمكن أن يفعل بحضرته منكرًا يقر عليه.
إلى أن قال: ومعلوم أنه لو كان حيًا في المسجد من أفضل العبادات وقصد القبر الذي اتخذ مسجدًا مما نهى عنه، ولعن أهل الكتاب على فعله (٥): وأيضًا فليس عند قبره مصلحة من مصالح الدين، وقربة إلى رب العالمين إلا وهي مشروعة في جميع البقاع (٦)، فلا ينبغي أن يكون صاحبها غير معظم للرسول ﷺ التعظيم التام والمحبة والتامة إلا عند قبره، بل هو مأمور بهذا في كل مكان.
وزيارته في حياته مصلحة راجحة لا مفسدة فيها، والسفر إلى القبر بمجردة بالعكس مفسدة راجحة، وهناك بفعل من حقوقه ما يشرع في سائر المساجد، وهذا مما يتبين به كذب الحديث الذي يقال فيه: «من زارني بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي» وهذا الحديث هو معروف من رواية حفص بن سليمان الغاضري صاحب عاصم، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن
_________
(١) كأنه يشير إلى حديث معاذ بن جبل عندما قدم من الشام وسجد له فنهاه، عن ذلك والحديث أخرجه ابن ماجة وغيره وهو ضعيف إلا أنه بمجموع طرقه صالح للحجة انظر كلام شيخنا مقبل بن هادي الوادعي حفظه الله.
(٢) رواه مسلم ١/٣٠٩ وأبو داود في الصلاة ١/٤٠٣ حديث ٦٠٢ وابن ماجة ١/٣٩٣ حديث رقم ١٢٤٠ جميعًا عن جابر ورواه غيرهم.
(٣) رواه أحمد في مسنده ٣/١٤٣ وسنده صحيح.
(٤) رواه البخاري ٩/٢٠٢ وأحمد - ٣٦٠ والبيهقي ٧/٢٨٨-٢٨٩ من حديث الربيع بنت معوذ بنغفران.
(٥) تقدم صفحة ٤٧ حديث (٣)
(٦) يريد الصلاة والسلام عليه وقد مر الحديث صفحة ٤٧ حاشية (١)
1 / 78