54

وما نفرت قط من مذمة خبيثة عن مبدأ وعقيدة، وإنما تنفر من جميع الأشياء التي تأباها كما ينفر المرء من طعام يعافه؛ فهي مسألة ذوق ورغبة وليست مسألة شرف واعتقاد.

ومثل هذه الكرامة لن تعصم صاحبها أن يقارف أخبث المنكرات كلما حلت له وغفلت عنه عين الرقيب.

ويحار طبيب الأخلاق كما يحار طبيب الأبدان في إيواء هذا المزاج إلى مأواه من الصحة والداء، أفمن كانت كذلك في نزغاتها وخلجاتها أتكون في رأي الطب امرأة سليمة مستقيمة على سواء الطبيعة؟ إن الإغراق يستلزم الزيغ والاختلال في التركيب ... ولكن أي اختلال عسى أن يكون في تركيب الجسم الذي يندمل جرحه بعد يوم ويقضي النهار والليل في صبارة الشتاء بلباس الصيف ولا يدري ما الزكام؟ كل اختلال يجاور هذه المناعة هو اختلال عجيب الجوار عميق القرار.

أكبر الظن أن الفتاة على ما بها من جموح وشطط كانت وشيكة أن تستقيم وتتزن لو رزقت زوجا يوائم شوقها إلى الرجولة ويغلق عليها منافذ الغواية، ولكنها خابت في الزواج فشقيت، ولجت بها الشقاوة حين كفرت بصداقة الصديقات ومواساة الشقيقات، فعاشت في عالم قد أقفر من جنس حواء إلا أن تكون منافسة مريبة أو عاذلة رقيبة، ولم يبق فيه إلا رجال!

وجوه

ذو الوجهين منافق، وذو الوجه الواحد ميت!

يعيب الإنسان أن يصنع له نفسا غير نفسه ووجها غير وجهه، وأن يبدو للناس بوجهين يلعن أحدهما الآخر، ويعلم أنهما - كليهما - ملعونان.

ولا يعيبه أن يكون له مائة وجه ينم كل منها على سمة من سماته ومعنى من معانيه، ويعرض لنا من ذهنه وسليقته وقلبه في ساعة ما ليس يعرضه في ساعة أخرى؛ لأن كل وجه من هذه الوجوه حق وليس بكذب، وجوهر وليس بطلاء، وصفحة من كتاب لا تتم قراءته إلا باستعراض جميع الصفحات.

ذو الوجهين في كل وجه من وجهيه كذب وطلاء.

وذو الوجوه المنوعة السمات، المعددة الملامح، المفرقة المعاني، راوية صادق الخبر يرينا كل يوم بينة جديدة على صدقه، ولونا جديدا من تمامه ونقصه، ونفسا جديدة في تعبير جديد.

Bog aan la aqoon