وانقضت مدة لا يسمع منها ولا تسمع منه، ولا يسعى إليها ولا تسعى إليه، ونازعته أهواؤه مرات في أثناء هذه المدة أن يراها وأن يتحدث إليها فنفر أشد نفور وكظم هذه الرغبة بجهد أليم، وبينما هو يحسب نفسه غاضبا نافرا إذا به يتحول رويدا رويدا إلى مشفق حزين، وإذا بإشفاقه الحزين أقرب إلى إشفاق الأبوة الرحيمة منه إلى إشفاق الغرام اللجوج، وإذا به في ساعة من الساعات يكتب إليها في الخطاب:
أيتها الصديقة:
أيا كان رأيي فيك أو رأيك في فلا ضير في إرسال هذه الكلمة إليك، ولا خسارة علي إن ضاعت عندك أو صادفت نصيبا من الإصغاء ... إن مسحة من الألم ألمحها على وجهك تخيل إلي أنني أخاطبك منك مستمعا، وأن موضعا حيا في ضميرك لا يزال مفتوحا لهذا الخطاب.
لا حاجة إلى البحث في تفاصيل حياتك القديم منها أو الجديد، فحسبي ما سمعته من لسانك، وحسبي أنك تعترفين لي أنا بعلاقات ماضية مع أكثر من رجل واحد، وفي هذا كفاية وفوق الكفاية!
فلو قيل لي إنني سأسمع هذا الخبر من إنسان لما خطر لي قط أنني أسمعه منك أنت باختيارك، ولو جاز أن تبوحي به لكل أذن لكانت أذني هي الأذن الوحيدة التي يجمل بك أن تكتمي السر عنها؛ لأنني أنا الرجل الوحيد الذي يرى لك كرامة غير كرامة جسدك، ويحب أن يعرف لك قيمة أكبر من هذه القيمة.
ومع هذا بأي بساطة كنت تتحدثين عن علاقاتك بالرجال وخلوتهم بك هنا وهناك! ... لكأنما كنت تفخرين ... أو كأنما كنت تشفقين من كتمان هذا الحظ السعيد ... فيا صديقتي لشد ما ضللك الشقاء حتى جهلت ما تعرفه المرأة بالفطرة بغير حاجة إلى تعليم وتلقين، وحتى نسيت أن المرأة تستطيع أن تكون لهذا ولذاك، ولكنها لا تستطيع أن تفخر بشيء لم تعجز عنه امرأة بين النساء، فهل أصدق حقا أنك تلك المرأة التي لم يبق لها إلا هذا الفخر المخجل الأليم؟ وهل أنت حقا تلك المرأة التي تجد سعادتها في هذا المجال؟!
أظن - وأرجو أن يكون ظني صحيحا - أنك تخدعين نفسك يا صديقتي الخادعة المخدوعة.
لست أنت التي تشعر بالسعادة في هذه العيشة الأسيفة.
غيرك من النساء تنعم بها وتستطيبها، ولكن شقاءك أنت بها لا يعدله شقاء.
انظري إلى وجهك في المرآة، انظري إلى ألم ضميرك الذي يبكيك كثيرا ولا ريب في ساعات الوحدة والانفراد.
Bog aan la aqoon