فحملقت ليدا فيه مذهولة وشدت الوشاح على جسمها فضحك سانين ومالت هي الأخرى على حافة النافذة وهي مرتبكة، وصارت منه بحيث كانت تحس أنفاسه على خدها. فقال: «واها لك من جميلة!»
فأرسلت إليه نظرة عجلى وأخذها الخوف مما خيل إليها أنها تقرؤه في وجهه وأحست كل جارحة في جسمها أن عيني أخيها ترشقانها فلوت وجهها مستفظعة. وبلغ من استهوالها خواطرها وتقززها منها أن كاد قلبها يجمد. إن كل رجل ينظر إليها هذه النظرة وهي ترتاح إلى ذلك. فأما أن يفعل أخوها هذا فمستحيل لا يحتمل التصديق. على أنها ما لبثت أن ثابت إليها نفسها فقالت مجيبة: «نعم أعلم ذلك.»
وراقبها سانين في سكون وكان الوشاح والقميص قد زالا عن كتفيها لما انحنت على النافذة وبدا صدرها الرقيق ملتمعا في ضوء القمر، فقال سانين بصوت خافت مرتعش: «إن الناس لا يزالون أبدا يقيمون سورا من أسوار الصين بينهم وبين سعادتهم.»
فبهتت ليدا وسألته وعيناها إلى الحديقة مخافة أن يلتقي طرفها وطرفه: «وماذا تعني؟»
وخيل إليها أن سيحدث شيء لا تجرؤ على التفكير فيه، وعلى أنها لم يخالجها شك في ماهيته، شيء رهيب فظيع إلا أنه لذيذ فالتهب ذهنها وعادت وما تكاد تبصر، وظلت واقفة مستيشعة مستغربة وهي تحس النفس الحار على خدها يعبث بشعرها ويرسل الرعدة في جسمها.
فقال سانين وصوته يرتجف: «ماذا أعني؟ هكذا!»
فكأنما أصابت ليدا هزة كهرباء ففزعت إلى الوراء ومالت على المنضدة وهي لا تدرك ما تصنع ونفخت الشمعة فانطفأت وأغلقت النافذة وقالت: «لقد آن أن أنام.»
ولما انطفأ النور خفت الظلمة خارج الغرفة وظهر شخص سانين في الحديقة واضحا بارزا وأكسب ضوء القمر قسمات وجهه شيئا من الزرقة، وهو واقف بين الحشائش الطويلة المطلولة يبتسم.
وانصرفت ليدا عن النافذة، وجلست على السرير وهي ترجف من فرعها إلى قدمها وعجزت عن جمع خواطرها وتنظيمها، وسمعت وقع قدمي سانين على الحشائش فزاد خفقان قلبها وجعلت تسأل نفسها وهي مكروبة: «أتراني جننت؟ ما أفظع هذا؟ كلمة كهذه لعلها قيلت عرضا تحرك في ذهني مثل هذه الخواطر؟ أترى هذا جنون؟ الشهوة؟ هل وصلت إلى هذا الدرك من السفالة والانحطاط؟ لقد هويت حقا إذا كان يجري ببالي مثل هذا الخاطر!»
ودفنت وجهها في الوسادة وبكت بكاء مرا.
Bog aan la aqoon