Sameeyaha Xiddigaha

Zahra Sami d. 1450 AH
71

Sameeyaha Xiddigaha

صانع النجوم

Noocyada

بعد أن راجع صانع النجوم جميع أعماله السابقة بعين جديدة، رافضا كلا منها، مثلما بدا لي، بشعور مختلط من الاحترام ونفاد الصبر، اكتشف في نفسه تصورا جديدا وخصبا.

الكون الذي كان قد خلقه الآن هو الذي يتضمن قراء هذا الكتاب وكاتبه. وقد استخدم في صنعه العديد من المبادئ التي أثبتت كفاءتها في الأكوان السابقة، لكنه قد صاغها ونسجها معا بفن أكثر براعة لتشكل وحدة أكثر دقة وثراء من ذي قبل.

وقد بدا لي، في تخيلاتي، أنه قد أقبل على مشروعه الجديد بمزاج جديد. كانت الأكوان السابقة جميعها تبدو أنها قد صممت بإرادة واعية لتجسد مبادئ محددة، فيزيائية وبيولوجية ونفسية. ومثلما ذكرت من قبل، كثيرا ما كان هناك صراع بين غايته الفكرية والطبيعة الأولية التي كان قد استدعاها من أعماق وجوده المبهم من أجل مخلوقه. غير أنه في هذه المرة قد تعامل مع وسط الخلق بقدر أكبر من الحساسية. إن «المادة» الروحانية الخام التي جسدها من أعماقه الخفية من أجل تشكيل مخلوقه الجديد قد تشكلت بما يتلاءم أيضا مع هدفه، الذي لا يزال مبدئيا، بقدر أكبر من الذكاء المتفهم والاحترام لطبيعة مخلوقه وإمكاناته الكامنة، لكن مع التجرد في الوقت نفسه من متطلباته الأكثر تطرفا.

إن الحديث عن الروح الكونية الخالقة بهذه الطريقة يعطيها صفات بشرية على نحو طفولي. ذلك أن حياة هذه الروح، إن كان لها أي وجود على الإطلاق، لا بد أنها تختلف اختلافا تاما عن العقلية البشرية، ولا بد أنها تستعصي تماما على الإدراك البشري. بالرغم من ذلك، فبما أن هذه الرمزية الطفولية قد فرضت نفسها علي، فأنا أسجلها؛ إذ بالرغم من سذاجتها لربما تنطوي على انعكاس صادق للحقيقة، وإن كان انعكاسا مشوها.

في الكون الجديد، حدث نوع غريب من التباين بين زمن صانع النجوم والزمن الملائم للكون نفسه. قبل ذلك الوقت، كان يستطيع أن يعزل نفسه عن الزمن الكوني حين يكمل التاريخ الكوني نفسه، ويراقب العصور الكونية بأكملها على أنها وقت حاضر، لكنه لم يكن يستطيع أن يخلق المراحل اللاحقة في الكون قبل أن يكون قد خلق المراحل السابقة. أما في خلقه الجديد، فلم يكن محدودا بهذه القيود.

ولذلك، بالرغم من أن هذا الكون الجديد هو كوني، فقد نظرت إليه من زاوية مدهشة. لم يعد يبدو لي سلسلة مألوفة من الأحداث التاريخية التي تبدأ بالانفجار الفيزيائي الأولي وتتقدم إلى الموت الأخير. لم أعد أراه الآن من داخل تدفق الزمن الكوني، بل العكس. لقد شاهدت تشكيل الكون في الزمن الملائم لصانع النجوم، وقد كان تسلسل أحداث الخلق التي قام بها صانع النجوم مختلفا للغاية عن تسلسل الأحداث التاريخية.

في بداية الأمر، جسد من أعماق وجوده شيئا لا هو بالمادة ولا بالذهن، بل شيئا ثريا بالاحتمالات وبالسمات والومضات والتلميحات الموحية لخياله الإبداعي. لقد تأمل هذه المادة الراقية لفترة طويلة. لقد كانت وسطا يستلزم أن يكون الفرد والجميع فيه يعتمد أحدهما على الآخر على نحو في غاية الدقة، وأن جميع الأجزاء والشخصيات الموجودة فيه يتخلل بعضها بعضا، وأن يبدو كل شيء فيه محض تأثير في جميع الأشياء الأخرى، وألا يكون الكيان الكلي في الوقت ذاته سوى محصلة لمجموع الأجزاء الخاصة به، ويكون كل جزء فيه معرفا للكيان الكلي. لقد كانت مادة كونية لا بد أن تكون كل روح فردية فيها، على نحو ملغز، ذاتا مطلقة ونسجا خياليا من جانب الكيان الكلي في الوقت ذاته.

كان صانع النجوم الآن قد نحت هذا الوسط الأكثر دقة بصورة مبدئية ومنحه البنية العامة للكون. وهكذا صمم نظاما غير محدد بعد للزمان والمكان، وكأنه لم يمنح صيغته الهندسية بعد؛ فكان شيئا فيزيائيا غير متبلور لا يتمتع بما للقوانين الفيزيائية من تعقيد وليس له صفة أو اتجاه، وتوجه حيوي له تصور مميز ومغامرة ذهنية ملحمية، وذروة محددة على نحو مدهش من الصفاء الروحي. وهذا الأمر الأخير، بالرغم من أن موقعه في الزمن الكوني سيكون متأخرا في الأغلب، كان أول العوامل الكونية التي قد منحت شكلا دقيقا في التخطيط في تسلسل العمل الإبداعي. وقد بدا لي أن ذلك قد حدث لأن المادة الأولية نفسها قد كشفت بوضوح شديد عما بها من إمكانات لمثل هذا الشكل الروحاني. وهكذا قد تجاهل صانع النجوم التفاصيل الفيزيائية في عمله في البداية، وتجاهل العصور الأولى من التاريخ الكوني أيضا، وكرس مهارته في البداية بصورة كلية تقريبا إلى تشكيل الذروة الروحانية للكون بأكمله. وهو لم يحدد أيا من التوجهات النفسية المختلفة التي يجب أن تؤدي في الزمن الكوني إلى المرحلة الأكثر تيقظا للروح الكونية إلا بعد أن يضع تماما ملامح تلك المرحلة. وهو لم يخصص كامل انتباهه لوضع أنظمة التطور البيولوجي والتعقيد الفيزيائي والهندسي الأقدر على استثارة الإمكانات الأكثر دقة في الروح الكونية التي كانت ما تزال في مرحلة التشكيل المبدئي إلا بعد أن حدد محاور النمو الذهني الفائقة التنوع. بالرغم من ذلك، فحتى وهو يضع النظام الهندسي، كان يعود في بعض الأحيان ليعدل الذروة الروحانية نفسها ويزيدها جلاء. وهو لم يمنح تلك الذروة الروحانية الفردانية الواضحة المعالم إلا بعد أن أشرف على الانتهاء من البنية الفيزيائية والهندسية للكون بأكملها تقريبا.

بينما كان لا يزال يعمل في تفاصيل ذلك العدد الهائل من الحيوات الفردية المؤثرة، ومصائر البشر والسمكيات والنوتيات وبقية السلالات، صرت مقتنعا بأن موقفه تجاه مخلوقاته مختلف للغاية عما كان عليه في أي كون آخر. إنه لم يكن لا مباليا بشأنهم ولم يكن ببساطة يحبهم. كان لا يزال يحبهم بالتأكيد، لكن بدا أنه قد تجاوز كل رغبة في إنقاذهم من عواقب طبيعتهم المحدودة والتأثيرات القاسية للبيئة. كان يحبهم لكن دون شفقة؛ إذ رأى أن الفضيلة التي تميزهم هي طبيعتهم المحدودة، وخصوصيتهم الدقيقة، وتوازنهم المعذب بين البلادة والصفاء، وأن إنقاذهم من هذه الأمور يعني القضاء عليهم.

حين أضفى اللمسات الأخيرة على جميع العصور الكونية بداية من اللحظة الأسمى رجوعا إلى الانفجار الأولي ووصولا إلى الموت الأخير، تأمل صانع النجوم عمله، ورأى أنه حسن.

Bog aan la aqoon