الفصل الحادي عشر
نجوم وأوبئة
(1) المجرات العديدة
كان «اتحاد عوالم المجرة» قد سعى إلى تحسين تواصله مع المجرات الأخرى. وكانت وسيلة الاتصال الأبسط هي الاتصال التخاطري، غير أنه قد بدا من المرغوب أيضا أن يكون هناك اتصال مادي عبر ذلك الفراغ الهائل الذي يفصل هذه المجرة عن التي تليها. وفي المحاولة المتمثلة في إرسال مبعوثين في مثل هذه الرحلات، جلب اتحاد العوالم على نفسه وباء النجوم المتفجرة.
قبل أن أصف هذه السلسلة من الكوارث، ينبغي أن أقول شيئا عن ظروف المجرات الأخرى مثلما عرفناها من خلال المشاركة في تجربة مجرتنا.
لقد أوضح الاستكشاف التخاطري منذ فترة طويلة وجود عوالم عاقلة في بعض المجرات الأخرى على الأقل. والآن، بعد تجارب طويلة، كانت عوالم مجرتنا قد اكتسبت من خلال عملها لتحقيق هذا الغرض بصفتها عقلا مجريا واحدا، معرفة في غاية التفصيل عن الكون بأكمله. وقد ثبتت صعوبة هذا الأمر بسبب ما يتسم به التوجه الذهني لدى عوالم كل مجرة من المجرات من ضيق أفق غير متوقع. لم يكن هناك من اختلاف كبير في التركيب الفيزيائي والبيولوجي الأساسي للمجرات؛ إذ يضم كل منها مجموعة متنوعة من السلالات تنتمي إلى الأنواع العامة نفسها كالسلالات الموجودة في مجرتنا. بالرغم من ذلك، فقد أنتج اتجاه التطور على المستوى الثقافي في كل من مجتمعات المجرات خصوصيات ذهنية هامة غالبا ما تكون عميقة الترسخ حتى إنها تصبح غير متعمدة؛ ولهذا فقد كان من الصعب للغاية على المجرات المتطورة في البداية أن تتواصل مع بعضها. لقد كانت الثقافة السائدة في مجرتنا هي ثقافة السلالات التكافلية والتي تطورت في مجرة فرعية سعيدة على نحو استثنائي. وبالرغم من أهوال العصر الإمبريالي، فقد كانت ثقافة مجرتنا تتسم بنوع من اللطف جعل من إقامة الاتصال التخاطري مع المجرات الأكثر مأساوية أمرا صعبا. إضافة إلى ذلك، فقد كانت تفاصيل المفاهيم والقيم الأساسية التي يقبلها مجتمع مجرتنا قد تطورت إلى حد كبير من الثقافة البحرية التي كانت قد سادت في المجرة الفرعية. وبالرغم من أن شعوب العوالم «القارية» كانت بشرية في الغالب، فقد تأثرت ثقافاتها الأصلية تأثرا عميقا بالعقلية المحيطية. ونظرا لندرة هذا النسيج الذهني المحيطي بين المجتمعات المجرية، فقد كانت مجرتنا أكثر انعزالا من معظم المجرات.
بالرغم من ذلك، فبعد عمل قد تطلب الكثير من الوقت والصبر، نجح مجتمع مجرتنا في عمل مسح مكتمل نسبيا للشعب الكوني للمجرات. وقد اكتشف في ذلك الوقت أن المجرات العديدة كانت في مراحل مختلفة من التطور الذهني والفيزيائي أيضا. لم تكن العديد من الأنظمة الحديثة للغاية، والتي كانت المادة السديمية فيها لا تزال أكثر من النجوم، تحتوي على أي كواكب بعد. أما بعض المجرات الأخرى فلم تكن الحياة فيها قد اقتربت من المستوى البشري على الإطلاق بالرغم من وجود عدد قليل من الحبات الحيوية. بعض المجرات الأخرى كانت قاحلة تماما من الأنظمة الكوكبية بالرغم من نضجها الفيزيائي؛ وذلك إما بسبب الصدفة المحضة أو بسبب التوزيع المتفرق للغاية لنجومها. وفي العديد من بين الملايين من المجرات، تمكن عالم ذكي واحد من نشر سلالته وثقافته عبر أنحاء المجرة، منظما المجرة بأكملها مثلما ينظم جنين البيضة في داخله جوهر البيضة بأكمله. تأسست الثقافة في هذه المجرات على نحو طبيعي للغاية، بناء على الافتراض القائل بأن الكون بأكمله سيؤهل بالسكان من هذا الجنين الواحد. وحين جرى التوصل إلى الاتصال التخاطري مع المجرات الأخرى في نهاية المطاف، كان تأثيره محيرا للغاية في بادئ الأمر. لم تكن المجرات التي تطور فيها اثنان أو أكثر من هذه الأجنة على نحو مستقل ثم تواصلت معا في النهاية بالعدد القليل. في بعض الأحيان، كانت النتيجة تتمثل في النظام التكافلي، وفي بعض الأحيان كان ينتج عن ذلك صراع لا نهائي أو حتى تدمير متبادل. وقد كان النوع الأكثر انتشارا على الإطلاق من المجتمعات المجرية هو ذلك المجتمع الذي تطورت فيه العديد من أنظمة العوالم على نحو مستقل، ثم تصارعت معا، وقتل بعضها بعضا، ونتج عنها الكثير من الاتحادات والإمبراطوريات، واصطدمت مرة تلو المرة بالفوضى الاجتماعية، وراحت تتصارع بين الفينة والأخرى بشيء من التردد نحو تحقيق الطوباوية المجرية. قلة منها قد حققت ذلك الهدف بالفعل، غير أنها قد اكتوت بالمرارة. عدد أكبر كان لا يزال في طور التخبط، بينما العديد كانت قد قوضته الحرب حتى إنه لم تكن هناك من إمكانية كبيرة للتعافي. وقد كانت مجرتنا ستنتمي إلى هذا النوع لولا الحظ الطيب للسلالات التكافلية.
ينبغي أن أضيف أمرين إلى هذا المسح المجري؛ أولهما: هو وجود أنواع معينة من المجتمعات المجرية المتقدمة للغاية التي كانت شاهدا تخاطريا على التاريخ بأكمله في مجرتنا وجميع المجرات الأخرى؛ ثانيهما: هو أن النجوم قد بدأت حديثا في الانفجار وتدمير أطواقها من العوالم في عدد غير قليل من المجرات. (2) كارثة في مجرتنا
بينما كان اتحاد العوالم في مجرتنا يحكم رؤيته التخاطرية، ويحسن من بنيته الاجتماعية والمادية في الوقت ذاته، أرغمته الكوارث غير المتوقعة التي راقبناها قبل ذلك من بعيد، على الالتزام بمهمة حفظ حيوات العوالم التي يتألف منها التزاما صارما.
كانت واقعة الحادثة الأولى هي محاولة لفصل نجم عن مساره الطبيعي وتوجيهه في رحلة عابرة للمجرات. كان الاتصال التخاطري مع أقرب المجرات الغريبة جديرا بالموثوقية إلى حد ما، غير أنه قد تقرر، مثلما قلت، أن الانتقال المادي بين العوالم سيكون ثمينا للغاية من أجل الفهم والتعاون المشتركين؛ ومن ثم فقد وضعت الخطط من أجل قذف العديد من النجوم بما يسكنها من أنظمة العوالم عبر محيط الفضاء الشاسع الذي كان يفصل بين الجزيرتين الطافيتين للحضارة. لا شك أن الرحلة كانت ستستغرق آلاف الأضعاف من الوقت الذي استغرقته أي محاولة سابقة. وعند اكتمالها، سيكون العديد من النجوم في كل مجرة قد توقفت عن السطوع بالفعل، وتكون نهاية الحياة في الكون قد لاحت في الأفق بالفعل. بالرغم من ذلك، فقد ساد الشعور بأن مشروع ربط المجرة بالأخرى في جميع أنحاء الكون على هذا النحو له ما يبرره بشدة؛ إذ سيؤدي إلى زيادة عظيمة في التفاهم المشترك بين المجرات في آخر مراحل الحياة الكونية وأصعبها.
Bog aan la aqoon