Sanado Thaqb Madoow

Husayn Mihran d. 1450 AH
28

Sanado Thaqb Madoow

سنوات الثقب الأسود

Noocyada

على رمال ذلك الشاطئ الأرستقراطي وقفا متجاورين ذات عصر يوم صيفي شديد الرطوبة، لم يكن التمتع بشرف الدخول إلى العالم السري لشاطئ بيانكي بالعجمي متاحا وقتذاك إلا لقلة محظوظة من الأثرياء وأصدقائهم. كانت الحكايات تنسج عنه وعما يوجد بداخله، وكان الجميع يسمع به ويتداول تلك الحكايات، ولكن لا يدرك الوصول إليه إلا تلك الفئة السعيدة، ولأن لياسين بعض المعارف والأصدقاء من أولئك الذين وقعت كراتهم في لعبة الروليت الكبيرة المسماة بالحياة في خانة الحظ السعيد فولدوا لآباء أغنياء؛ فقد كان باستطاعته من حين لآخر تدبير بعض بطاقات الدخول له ولأصدقائه. كان ذلك اليوم هو موعد الحفل السنوي الذي يحضر فيه المطرب الأشهر عمرو دياب ليغني حصريا لرواد شاطئ بيانكي، وكان بالمصادفة ذكرى مولد فريدة. كان الزحام شديدا، وكان الصخب فوق المعتاد، الكثير من مكبرات الصوت السوداء الضخمة نصبت على قواعد معدنية مرتفعة في كل أرجاء الشاطئ، لتصدح منها موسيقى غربية صاخبة، ينتقيها بعناية منسق الأغاني الشاب، الذي وقف على المنصة الخشبية المرتفعة بشورت فوسفوري لامع ونظارة شمسية من طراز كارتييه ذات عدسات عسلية اللون، وقد لوحت الشمس صدره العاري بحمرة داكنة. ظل الشاب يتقافز مع إيقاع الأغنيات الجديدة للفرق الغربية الشهيرة، وسط ترديد الجمهور المتراقص على الرمال وفي مياه البحر لكلمات الأغنيات بالإنجليزية، وفي بعض الأحيان بالإسبانية والإيطالية، بينما تتصاعد من المشهد الصاخب أدخنة السجائر والروائح النفاذة للبيرة الأجنبية في علبها المعدنية الخضراء، في انتظار قدوم النجم الذي سيغني بالتأكيد - كما تعود في كل صيف - مقطعا من ألبومه الجديد الذي لم يصدر بعد، مانحا بعض التميز للجمهور المحظوظ؛ ليتفاخر به بين أولئك العاديين ممن هم خارج حدود جنة بيانكي المحرمة.

كان ياسين قد وصل إلى هناك وبصحبته فريدة بعد أن اصطحبها من بيتها مستقلين ترام الرمل رقم 2 إلى محطة الرمل، ثم الميني باص الأزرق الجديد المتجه إلى البيطاش من ميدان سعد زغلول أمام فندق سيسيل في رحلة استغرقت ما يزيد على الساعة ونصف الساعة، حتى نزلا عند سنترال العجمي حيث يبدأ الشارع الرملي المؤدي إلى مداخل شاطئ بيانكي من شارع البيطاش الرئيسي، كان قد وعدها بأن يحتفلا معا بذكرى مولدها هذه السنة في حفل عمرو دياب الذي كانت تحبه كثيرا، بينما كان هو أكثر ميلا لمحمد منير بأغنياته؛ ذلك للمعاني الأكثر صدقا والموسيقى الأكثر جرأة.

لم يحاولا الاقتراب من المنصة الصاخبة؛ حيث لم يكن الزحام هناك محتملا، كما أنهما شعرا منذ الوهلة الأولى بعدم الانتماء لذلك المكان وكأنهما قادمان من عصر آخر، ابتعدا في اتجاه البحر الذي كان مكتظا هو الآخر بالسابحين، فتداخل مع صوتيهما هدير موج البحر وعصف الهواء وصخب الموسيقى وضحكات الراقصين من حولهما، قال لها بحنان وهو يمسك بيدها مطالعا انعكاس أشعة الشمس المائلة إلى المغيب على حدقتي عينيها: كل سنة وأنت بخير.

أجابت فيما بين العتاب والدلال: والعام القادم؟

ارتبك قليلا ثم أجاب في لهجة مطمئنة: العام القادم أعود إليك، نتقابل هنا في ذات المكان، نحضر ذات الحفل، أعدك بذلك.

ظهر الإحباط عليها وهي تجيب في ضجر: لقد سيطرت عليك فكرة السفر تماما يا ياسين، لا أصدق ذلك. ألم نتناقش مرارا في ذلك الموضوع؟

أجاب بلهجة اجتهد لتبدو واثقة: لقد قابلت صاحب عرض العمل الذي حدثتك عنه أمس الأول في الفندق الذي يقيم به في القاهرة، كنت سأحكي لك التفاصيل حالا؛ إنها شركة كبيرة للمقاولات لها ثلاثة فروع في جدة والرياض والدمام، لكنني اخترت جدة لأنني أعرف أنها الأكثر انفتاحا. الرجل مهذب ومتعلم كما أنه يقدر كفاءتي، لقد توصلنا إلى اتفاق جيد، تفاوضت معه على زيادة الراتب الذي عرضه في البداية فوافق، كما أنه سيوفر لي السكن . أتعرفين؟ بعد هذه المستجدات أعدت حساب التدفقات النقدية ووجدت أن أربع سنوات ستكون أكثر من كافية ، لن أحتاج حتى إلى سن...

قاطعته في بعض الحدة: هذا لن يحدث يا ياسين، أظنني كنت واضحة في ذلك.

أجاب في بعض الغضب وهو يتفادى الراقصين المارين بينهما: لماذا تفعلين ذلك بي يا فريدة؟ أريد أن أبني مستقبلنا وأحاول أن أفتح أبوابا جديدة، فلماذا ترفضين حتى مناقشة الأمر؟ إن لم نتعب وإن لم نبذل بعض التضحيات الآن فمتى نفعل؟

ارتفع الضجيج على رمال الشاطئ فجأة بشكل هيستيري، وانطلق الصفير والصيحات وعلا صوت التصفيق، بينما الرءوس جميعها تستدير ناحية المنصة المرتفعة، حيث ظهر النجم المنتظر في قميص قطني أبيض قصير الأكمام مفتوحة أزراره حتى المنتصف، وشورت برتقالي وحذاء صيفي خفيف، وقد قصر شعر رأسه بدرجة كبيرة أدهشت الحضور، وبدأ يصدح بأغنيته «ضحكة عيون حبيبي» التي كانت حديث العام السابق كله.

Bog aan la aqoon