أقول: على أن الجمع مقدم على الترجيح مهما أمكن، وهنا في بعضها ممكن، لكن لا على الوجه الذي سبق من حمل القنوت على طول القيام لأن الظاهر المتبادر من كلام الشارع المعاني الشرعية لا اللغوية، سيما وقد صرح في بعض الروايات بأنه صلى الله عليه وسلم : ((قنت شهرا ثم تركه إلا في الصبح فإنه لا زال يقنت في الصبح إلى أن فارق الدنيا)). انتهى، فهذا الاستثناء وقع في القنوت الصادر منه صلى الله عليه وسلم وهو قنوت النازلة لأنه إنما كان دعا على الكفرة، ومعلوم أنه قنوت شرعي لا لغوي، فالمستثنى كذلك، بل على أن يقال: معنى الحديث: قنت للنازلة في جميع الصلوات شهرا ثم ترك القنوت فيها لها إلا الصبح فإنه صلى الله عليه وسلم لا زال يقنت فيها للنوازل إلى أن فارق الدنيا، وبقية الأحاديث السابقة لا تأبى هذا الجمع؛ فحديث أبي رافع: ((أن عمر كان يقنت في الصبح)) ليس فيه إلا إثبات القنوت في الصبح، وليس فيه أنه لم يكن للنازلة.
وكذا حديث الأسود: ((صليت خلف عمر في الحضر والسفر فما كان يقنت إلا في صلاة الصبح))، ليس فيه إلا نفي القنوت في بقية الصلوات وإثباته في الصبح، وليس فيه أنه لم يكن للنازلة.
وكذا حديث ابن مقرن: ((قنت علي في الفجر)).
ويوضح هذا الجمع حديث أبي هريرة عند البخاري من رواية إبراهيم بن سعد عن الزهري، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يدعو لأحد أو يدعو على أحد قنت في الركعة الأخيرة)).
وأورده ابن خزيمة من رواية أبي داود الطيالسي عن إبراهيم بن سعد بهذا الإسناد بلفظ: ((كان لا يقنت إلا إذا دعا لأحد أو دعا على أحد)).
Bogga 57