مدخل إلى صلاح لبكي
آدم
الله
مدخل إلى صلاح لبكي
آدم
الله
سأم
سأم
تأليف
صلاح لبكي
Bog aan la aqoon
مدخل إلى صلاح لبكي
في مؤملي الذي يكاد يتقادم عهدا أن أقول في صلاح لبكي بعض العجب. فأية شيمة من شيم هذه الريشة الحلوة التي لا تهيب بي إلى كتابة طرفة، سواء داعبت الشعر، أو قصت القصص اللبناني، أو زأرت تحمي الجبل؟
ترى هي واحدة من أحلامي، تراودني في سويعات من العمر نوادر، بمشيق قد، ومحرور جسد، ونقل خطا في البال، عن أطيب من نغم القصب؟
ولكن هل يفسح لي أن أطيب قدر ما أشاء، ويعدل المقدور مرجوا؟
لأن تحيا نتاج هذا الشاعر عطية، ولأن تتوفق إلى التكلم على طربك لبثه الحنون، تمرس بتذوق البساطة. والبساطة آلهة عبادتها وجع وجزع!
لتقول ماهية هذا الشعر، عليك أن تطلع إلى العالم الأبجدي واحدة القلم في زنة القيم اللطاف، وإضاءة ما لم يفضح، ومس الحسن بإبهام، وسبابة.
ولأن شعر صلاح لبكي حبل به في سكون، تروح تتساءل: كيف لا يحبس القول فيه كأنما المتحدث عنه، ذاك الذي تعود سكر الناس، سئم عمله فقال: هذه المرة سأسكر أنا؟!
قصيدة صلاح ما صيغت صوغا فتلاحقها مستنطقا تأخذ عنها كيف رصف المداميك بصرامة، ولكنها نمت كالبنفسج والبيلسان. فهنا خواطر لم تعالج، واحدة تلو أخرى، بإزميل، ثم تركب موقتا في مكانها من البناء، تقيم كجزء من كل، ثم تنتزع؛ ليعاد النظر فيها، ولا تركز نهائيا إلا بعد أن تقول الأفق المنحني عليها في ذهول: «للجمال بدونها غير جمال!»
لا، فالكل في هذا الشعر كان - كما لو أمكن - جملة، يا صاح، حتى لكأن القصيدة اللبكية كالحب الكبير، تشعر أنك تجدف على قدساته حين تزعم أنه بني تباعا من ضمة حرى سنحت تحت ياسمينة، فمن قبلة خطفت عند مقعد، فمن تلهف في وحدة تؤنسها الذكريات! أما الحب الأشبه بشعر صلاح، فهو حبك العظيم الذي كان لك قبل أن تكون، والذي جاءت الأرض إلى الوجود من أجله، تفرش سندسها لك، ولحبيبتك مكان موعد !
ولأن صلاح لبكي شاعر في كل شيء، لا أستجيز لنفسي أن أحدثك عنه كإنسان. فالناثر فيه يضرب أبدا في مقلع الحسن، والسياسي يأبى إلا أن يتدخل في إقصاء البشاعة؛ فإذا كل إرادة من إراداته قصيدة.
Bog aan la aqoon
هدف صلاح، وسعيه (حتى وسط الجيل المكيافيلي الباطني الذي يعايش) كلاهما من معدن الخلق، والصراحة، والانخراط. ولكن ابن نعوم اللبكي - صقر القضية اللبنانية في عهده - أقرب الناس إلى دخول الحكم، لو عرف المداجاة قلامة ظفر، ولو نام يوما على أفكاره حيال مساس بحقوق بلاده، نومته أحيانا على الطوى من أجل لبنان، ومن أجل كرامته. وهكذا يؤذي الشاعر فيه رجل السياسة أذى لا أحب ولا أنبل! وكأني به واحد جماعة أبى معدنهم أن يجيئوا دست الحكم إلا راغمين روح الشر، لا بواسطة مماشاته أو الزلفى في العتبات.
لقد أغنى بلادنا كثيرا هذا الفتى الأسمر.
زاد شعره كر العنادل في الجبل، فالضوء المجلبب منعطفاتنا أصبح بعده أنعم وأكثر مخملية، والظلال المنطرحة على السهل غدت أطرى وأندى.
أي غزارة لا تود بعده أن تشق لمعاندة الأمر الواقع! أي إعصار تجرأ قبله على الجهر في وجه الدوحة الهرمة: «سأحطمك وإن سقطت علي!» أي ديمة كانت في سوى لفتاته ديمة، أو كانت لتهمي لو لم تومئ يداه!
وله نبرة علية وحنون معا، ترد الحسن أحسن، فالأشياء بعد أن يعالجها قلمه أكثر من أشياء. صديق لمعظمها هو، ورفيق حياة، وخدين كأس، صحبها منذ هدوء التلة - تلك التي هي في غير لبنان، تراب وحجر - إلى قلق الغصن تحت البلبل، إلى عصف الشوق في الصدور، الشوق الذي لا اسم له في غير لغتنا!
حتى إذا توغل بعض التوغل في جهاده، هذا المخلص، الأبي، الكبير، الطموح، المتوحد مع قضية بلاده، الشجاع، القاطع كالسيف، المتواضع المضحي بذاته أحيانا؛ تنحيا لرفيق نضال، العنيد في المضي إلى الحق، السمح الضربة، البحر العطاء، والشاعر، الشاعر أبدا، ذو القلب الطفل، المستعد للوئام إذا ثبت له صحة العكس؛ فإنما يدرك الناس أي إرث من دربة القتال، واستئناف مدرسة في المروءة ، ودك الأنبياء الكذبة، والذود عن حياض الأقداس، وخدمة الحق لوجه الحق، يمكنهم أن يجمعوا من وراء القصبة التي براها هذا الفتى في مستوى خلقه وحسه، فإذا هو وبال على ذات يده وصحته، ونعمة على لهاف المتتلمذين للحق، والجمال.
واحدة من ألف إعلانهن خيانة لشيمتهن الحيية: يوم راح الاستقلال - وهو صفحة نور خطها لبنان المعاصر - يبهر نفرا من الذين اتفق أن كانوا بين أبطاله، فلم يفهموا حماسة الشعب لهم إلا فرصة سانحة للتعهر في المغنم، فاستثمروا، وانتقموا، ونكلوا بالخصم، عندئذ افتتح ابن اللبكي، وحده، وسط ذلك الجو الإرهابي، حملة تحطيم الأوثان، وتنوير الرأي، والتفريق بين عصمة الاستقلال، وذل الاستغلال!
وكما أن صلاحا السياسي أخ للقيم، فصلاح الشاعر أخ للطيب، والليل، والربوة، وهدير الموج. تعلمنا بعده كيف نشم حفنة من أرضنا فنتعبد لها، وكيف نبصر ثلما في البحر وراء شراع، فنقوم إلى ملك بنيناه، وهناك، في نهايات الأرض وسيعا سعة الطموح في الصدور.
يتغنى صلاح فيحرك في القلوب دفئا. وهو كأنما يقول لا ينظم.
وكيف - إلا إذا قسرت المستحيل على طاعتك - يمكن التأليف بين أناقة، وسذاجة، بين الدعوة إلى أقصى المطالب، والترصن في القول ترصن البنفسج في كب الشذا؟
Bog aan la aqoon
أي يد لصلاح لبكي على الجمال - والجمال أقنوم من ثالوث العقل، علة وجود الجبل - حين لعبنا اللعبة الكبرى في إدخال الشعر إلى دارة ومدينة، بعد أن كان في الصحراء يجري وراء الأظعان، أو في مضارب الوبر!
هو من عندنا هذا الشاعر، وأدبه من عندنا.
قصيدته بناية، وأقصوصته ومقالته.
يقولون لك: إن له مجموعة نثرية، وألف دراسة على الخاطرة السياسية العارضة. فلا تصدق! ريشته توهمك أنها تنثر في حين أن قصصه والمقالات قصائد ذات أوزان أرحب، وروي خفي.
ومن «أرجوحة القمر» إلى «أعماق الجبل»، مرا ب «مواعيد» وعشرات العشرات من العجالات التي تكون كل صباح غذاء اللبنانيين السياسي، فتتصدر أقوى صحفنا وأصرحها، ولا تتشرف بتوقيعه، ليصح أن يقال إن صلاح لبكي هو «جندي السياسية المجهول»، إلى تحفته «سأم» التي بين يديك، وهي آية الشعر يوم الكلام على مفزعة الإنسان من الحياة إلى التكبر على الحياة، في إطار من ربيع الطبيعة، ومن الحب، ومن التمرس بالبرء من عدم، إنما تمتد سلسلة نتاج خير ما عرف لبنان أقرب منه إلى قلبه، يؤلف بينها ما يؤلف بين دعوة الكروان صباحا على صنوبرة في بعبدات، وصمود صور، مدينة البطولة غير منازعة، للغزاة الذين تهزأ بهم اليوم أمواجها المغنية على الدهر، والخاطرة التي يولج إليها فتتسع بنسبة الولوج، حتى لتبوح المادة، والكون، والحياة بسرها وأبد مداها في بنت شفة تكتنه.
يجيء يوم يحب فيه صلاح لبكي كثيرا.
سعيد عقل
آدم
آدم.
آدم
Bog aan la aqoon
متى يسفر الأفق الغيهب
وتسمع، يا رب، ما أطلب؟
رأيتك قبل انهمار السنين
يؤانسني وجهك الطيب
وأنت قريب إلي، قريب
كنفسي مني بل أقرب
تحدثني فأحس وميضا
تفجر بي نبعه الصيب
وترمقني فيهم البياض
ويغمرني ضوءه الأشنب
Bog aan la aqoon
الفردوس
ويوم وطئت الثرى ووقفنا
نسمي براياك، أو ننسب
ترنحت الأرض تيها وخفت
تبث الحياة وتعشوشب
بها نشوة مثل ما بي منك
تجور وآونة تعذب
ولما قفلت إلى ما وراء ال
غيوم وحجبك الكوكب
تهاوت على الكون ريح الأسى
Bog aan la aqoon
وهبت أعاصيرها الغلب
ومرت ألوف السنين على
ألوف من الدهر لا تنضب
وأنت خفي كأنك لا
تحس الحنين، وتستوعب
تركت فتاك وحيدا شريدا
على الأرض ليس له مأرب
وما أربي؟ وأنا المستطيع ال
قوي المطاع الذي يرهب
إذا شئت غيضت هذا الفرات
Bog aan la aqoon
وزحزحت لبنان لو أرغب
وأمس أمرت الرياح فهبت
على الكون صواحة تندب
فلم أر إلا نجوما تغور
وتهوي، وأخرى بها تضرب
وإلا صباحا بكيا ذريا
ينم به ضوءه الأشهب
ولم يقرع الأذن إلا العويل
يردده الجبل المتعب
وإلا عزيف الغصون تحط
Bog aan la aqoon
م والغاب مجرودة سيب
وإلا هدير البحار العماق
يجيش به صدرها المغضب
يقينا إذا قلت للشمس مهلا
تناهى على أفقه المغرب
ويخفق، إما رفعت يدي
وينجاب وجه الدجى السبسب
وضعت يدي على الكائنات
جميعا فهن كما أطلب
وبي سأم ...
Bog aan la aqoon
وبي سأم من قواي فهلا
مريد ينازعني أغلب
لعلي أحس جديدا، وأبلو
جديدا من العيش لا أرقب
أنا اليوم صنو الكآبات باتت
وبت وصدري بها مخصب
فما للسرور إلى خاطري
سبيل، وليس له مسرب
ولست ليؤنسني شادن
ولست ليشتاقني ربرب
Bog aan la aqoon
جعلت فتاك شبيهك حسنا
فأرهقه الشبه المعجب
إذا ما ظهرت أروع السباع
فلا تطمئن ولا تقرب
كأني مكانك في كل عين
فمن ذا سميري، ومن أصحب؟!
لك المجد! كيف خلاصي مني
ومما أحس وما أحسب؟
الربيع
مالت الأرض بالهوى من جديد
Bog aan la aqoon
وسرى البوح في الربا والصرود
فعلى كل نسمة بث شكوى
وحنين من مدنف معمود
في خرير الغدران لهفة مشتا
ق معنى، وفي وجوم البيد
وله الحب أفؤد الطير في الغا
ب وأغوى حتى قلوب الأسود
فأغاني الهوى تردد في الأو
داء والسهل، والربا، والجرود
بين كرات بلبل مطمئن
Bog aan la aqoon
وشكايات ربرب مفئود
وتعلات مورق يتثنى
ونفاثات ناديات الورود
هذه زفة الربيع انتباه
من سبات وصحوة من جمود
فالضياء الدفيق من كل صوب
يترامى على الغصون الغيد
ينبت اللون حيث يسقط فالأل
وان وهج من خيطه الممدود
وإذا آدم يراقب حيرا
Bog aan la aqoon
ن اندفاع القوى، وبعث الوجود
آدم
أي شيء، ترى، يعيد إلى النه
ر انطلاق المياه بعد ركود
ويذر العبير في ورق الزه
ر ويغري الطيور بالتغريد؟!
شئت ما شئت أنت، فاندفع الكو
ن وليدا على غرار وليد
أنا وحدي نبوت عن سنن الأر
ض وعن كل محدث موجود
Bog aan la aqoon
لا شبيها ولا مثيلا ألاقي
لي، في عالم الطريف التليد
وشتائي صنو لصيفي أبقى
فيهما واحدا صليب العود
فكأن الزمان ليس زمانا
يبتليني بما به من عهود
البرايا، ما ملت يبدين من دو
ني جبينا معفرا في الصعيد
فخذ السطوة التي بي، واسمح
تبتدرني الدنيا بغير السجود
Bog aan la aqoon
الله
الله.
صوت الله
تكلم الله فخف السنا
من كل صوب، وتنادى الضياء
وامحت الأظلال من ساحة الدن
يا وغارت في سيول البهاء
كأنما الأشياء شقت فلا
تمنع سير الضوء أنى يشاء
تكلم الله، فيا نشوة
Bog aan la aqoon
من غير ما حد وغير ارتواء!
ضاق بها الكون على رغبة
فيها وإلحاح عليها، وناء
في وجهه ملامح من هوى
مرنح، أو من تقى، أو وفاء
لذائذ مبتكرات على
لذائذ ليس لهن انتهاء
تكلم الله، فيا نغمة
ماجت بعيدا في مرامي الفضاء!
لا تلتقي الأنغام في ساحها
Bog aan la aqoon
إلا خجالى خافتات النداء
صوت كأن الحب من مائه
والعطف من رونقه والصفاء
يخفق في رفق، وفي رقة
وينجلي عن لفتات الرجاء
ما لأغاني الفجر ذكر إذا
ماج، ولا ذكر لشجو المساء
الخليقة
هذا الوجود المنتظم
خلقته من العدم
Bog aan la aqoon
لقد كفاني أنني
أردته حتى استتم
فانبسطت سهوله
وانبثقت منها القمم
وغارت الأوداء، وان
شقت إلى القمر الأصم
ارتعش الشط، وكر
الموج من صدر الخضم
وارتفعت قبته ال
خضراء من فوق السدم
Bog aan la aqoon
فسيحة تجمع أش
تات الدراري، وتضم
يتيه في رحابها ال
خيال، والظن الملم
وتسرح الأبصار لا
يصدمهن مصطدم
هناك لا حد، ولا
نهاية، ولا علم •••
ورقص الضوء، وهل
اللون فانهل النغم
Bog aan la aqoon