فرحم الله من أقبل على صلاته خاشعا خاضعا ، ذليلا لله عزوجل ، خائفا داعيا راغبا ، وجلا مشفقا راجيا ، وجعل أكبر همه في صلاته لربه تعالى ، ومناجاته إياه ، وانتصابه قائما وقاعدا ، وراكعا وساجدا، وفرغ لذلك قلبه وثمرة فؤاده ، واجتهد في أداء فرضه ، فإنه لا يدري : هل يصلي صلاة بعد التي هو فيها ، أو يعاجل قبل ذلك ؟ فقام بين يدي ربه عزوجل محزونا مشفقا ، يرجو قبولها ، ويخاف ردها ، فإن قبلها سعد ، وان ردها شقي .
فما أعظم خطرك يا أخي في هذه الصلاة ، وفي غيرها من عملك ، وما أولاك بالهم والحزن ، والخوف والوجل فيها ، وفيما سواها مما افترض الله عليك ، إنك لا تدري : هل يقبل منك صلاة قط ، أم لا ؟ ولا تدري : هل يقبل منك حسنة قط ، أم لا ؟ وهل غفر لك سيئة قط ، أم لا ؟ ثم أنت - مع هذا - تضحك وتغفل ، وينفعك العيش ، وقد جاءك اليقين : أنك وارد النار(1)، ولم يأتك اليقين أنك صادر عنها ، فما أحق بطول الحزن منك ، حتى يتقبل الله منك ؟
ثم - مع - هذا لا تدري ، لعلك لاتصبح إذا أمسيت ، ولاتمسي إذا أصبحت ، فمبشر بالجنة ، أو مبشر بالنار .
وإنما ذكرتك يا أخي لهذا الخطر العظيم إنك لمحقوق أن لا تفرح بأهل ولا مال ولا ولد ، وإن العجب كل العجب من طول غفلتك ، وطول سهوك ولهوك عن هذا الأمر العظيم ، وأنت تساق سوقا عنيفا في كل يوم وليلة ، وفي كل ساعة وطرفة عين ، فتوقع يا أخي أجلك ، ولا تغفل عن الخطر العظيم الذي قد أظلك ، فإنك لابد ذائق الموت ولاقيه ، ولعله ينزل بساحتك في صباحك أو مسائك ، أشد ما تكون عليها إقبالا ، وكأنك قد أخرجت من ملكك كله ، فإما إلى الجنة وإما إلى النار.
Bogga 112