تمسكه بالسنة كانت السنة في حياة الإمام أحمد قضية لها شأن ، ليست مسوحا يتمسح به إن كانت لهواه ، وإن خالفته أدار لها ظهره .
وهذا أقوله لأن هناك مرضا عضالا يفتك بنا في الحقيقة ونحن لا ندري ، ولهذا لا يبارك لنا في علمنا كثيرا ولا ننتفع به ، فنحن إلا من رحم ربك نطير بالسنة عاليا ونرفع بها عقيرتنا إذا كان فيها ما يخدم مصلحتنا ، وإذا كانت أهواؤنا تسير في الاتجاه المعاكس ، تنصلنا من السنة وتأولنا حتى لا نطبقها ، ولم يكن الإمام هكذا بل السنة سنة في الرخاء والشدة .
وتمسكه بها يظهر في ناحيتين :
الأولى : حرصه على العمل بها : قال المروذي : ( قال لي أحمد : ما كتبت حديثا إلا وقد عملت به ، حتى مر بي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم فأعطى أبا طيبة دينارا ، فأعطيت الحجام دينارا حين احتجمت )(1)، وهو يقول هذا لأن أجر الحجامة في وقته لا يصل دينارا ، ولكن لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى الحجام دينارا اعطاه هو الآخر دينارا ، فإذا عرفنا أن المسند وحده يحوي أربعين ألف حديث فكم حديثا عمل به أحمد وكم سنة طبقها ؟
الثانية : أنه يستعملها كانت له أو عليه ، وقد مر معنا أنه لم ير الخروج على السلطان لأن السنة خلاف ذلك مع أن هناك من حرضه وعرض عليه ذلك مستغلا ظروف محنته والأذى الذي لقيه من السلطان ، لكنه اتبع السنة في السلطان ولو لم يتبعها السلطان فيه .
Bogga 27