مكث عماد الدين على مثل الجمر وهو يردد ما سمعه عن راشد الدين، وتغلبت عليه الشكوك في كراماته. لكنه ما زال مكبرا اقتداره. وبينما هو في ذلك إذ جاءه خادم للشيخ أصم أبكم مثل سائر خدمه. وإنما يقتني الصم والبكم للخدمة لئلا يفهموا شيئا مما يدور بينه وبين رجاله. فهم يحملون الأوامر بالإشارة. فلما جاء ذلك الأبكم يطلبه مشى في أثره حتى دخل به على راشد الدين وهو في غرفة صغيرة ليس فيها سواه. وقد تخفف بعمامة صغيرة وجعل يتمشى ذهابا وإيابا ويداه وراء ظهره وفيه عرج قليل.
فلما رآه عماد الدين، سيطرت عليه الرهبة ووقف وقفة الاحترام. فأشار راشد الدين إلى الحارس أن ينصرف. وأقفل الباب وراءه ولم يبق عنده إلا عماد الدين. فدعاه إلى أن يقترب منه. وابتسم وقال له: «انظر في عيني.»
فنظر فإذا هما تلمعان ويكاد الشرر يتطاير منهما.
فقال راشد الدين: «ماذا ترى فيهما؟»
فاستغرب سؤاله وقال: «لا أرى فيهما شيئا يا مولاي غير النور والذكاء.»
قال: «أما أنا فأرى في عينيك أشياء كثيرة، إني أقرأ فيهما ما يكنه ضميرك.»
فخاف عماد الدين أن يطلع راشد على ما خامره من الشكوك فيه فقال: «لا غرابة في ذلك، فقد تحققناه من قبل.»
قال: «ويسرني أني تحققت صدق طاعتك وإخلاصك، ولذلك رأيت أن أسرع في مكافأتك، وهذا لا يكون إلا بمهمة تقضيها. ورغبة في التعجيل جعلت ذلك قريبا في هذا الحصن. فهمت؟»
قال: «إني طوع أمرك يا مولاي.»
قال: «إن في هذا البيت المنفرد داخل سور هذا الحصن أميرا كبيرا ينبغي أن يذهب من هذا العالم بلا ضوضاء ولا شكوى، وأن يكون ذلك على يدك. فما رأيك؟»
Bog aan la aqoon