" طعم الآلاء أحلى من المن ... وهي أمر من الآلاء عند المن " (3) تكملة:
هذا منه مبالغة أخرى فإن الإعتياض بالتراب من الطعام [67ظ] مخالف للعادة , وخارق لها , نعم , وقع مثل ذلك كثيرا لبعض الأولياء العارفين على سبيل الكرامة بأن يجعل الله فيه اقتياتا وطعاما كالأقوات المألوفة , كما وقع لسيدنا موسى بن جعفر الصادق - رضي الله تعالى عنهما - وذلك حين ذهب إلى الحج في بعض السنين , حدث بذلك عنه شقيق البلخي (1) قال: خرجت مع قافلة الحاج إلى مكة , وفي القافلة غلام يمشي متجنبا عن الطريق , فلما نزل الحجاج للإستراحة قريب الغروب أبصر ذلك الغلام قد جلس منفردا على كثيب من كثبان تلك الأرض , فقلت في نفسي: أذهب إلى هذا وأعنفه على فعله حيث غر بنفسه , والطريق بعيد , وأقوم بحوائجه , فلما قدمت عليه أبصري في يده إداوة , وهو يأخذ من ذلك الرمل ويضع فيها فلما فرغ من ذلك شرب منها , فقلت في نفسي: لعل هذا مجنون , لكن قلت أولا أطلب منه أولا أن يسقيني مما في هذه إلاداوة فإن كان فيها رمل ممزوج بمائها , فهو كما ظننت , فقلت: اسقني مما في يدك فناولني الأداوة , فشربت ما فيها أجمع , فإذا فيها سويق ملتوت , فعرفت أن الغلام من الكاملين , فقمت مفارقا له , ولم أفه له بشيء , فلما أصبحنا وسارت القافلة سار ذلك الغلام على عادته , وبقيت متندما على ظني فيه ما لا ينبغي حتى حملني الندم على أن نزلت من راحلتي للإعتذار منه فأدركته على شفير بئر قد صعد إليه ماؤها [68و] حتى ملأ أداوته ونزل الماء إلى مستقره , فلما أبصرني قبل أن أفوه بشيء تلا قوله تعالى: {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ... (2)} , فقبلت يده , واستعفيته فقال: قد عفونا عنك يا شقيق , فلما قربنا من المدينة رأيت أهلها قد خرجوا لاستقباله وهم بين باك , ومقبل قدميه , فسألت عته حينئذ رفقاءنا فقالوا: هذا الإمام موسى الكاظم , وهذه العبيد والخيام والمحامل التي تسير معنا هي ملكه , لكنه أحب الحج ماشيا , فجئت إليه , وقبلت يديه , وقد تبسم في وجهي ولله الحمد (3).
Bogga 224