Maxbuusadda Tehran
سجينة طهران: قصة نجاة امرأة داخل أحد السجون الإيرانية
Noocyada
آخر من خطر ببالي قبل أن أستغرق في النوم هي سارة، تمنيت أن تكون بخير، وكل ما استطعت فعله هو الدعاء لي ولها ولسيرس وجيتا وكل أصدقائي الذين ألقي القبض عليهم.
منذ زمن ليس ببعيد كنا جميعا في المدرسة نلهو ونمرح. الآن أصبحنا سجناء سياسيين.
الفصل الخامس
كانت المدرسة الابتدائية التي أذهب إليها في زمن الشاه ذات أسوار قرميدية حمراء مغطاة بالكروم، وتبعد مسيرة عشر دقائق عن المنزل، فكنت أذهب إليها وأعود منها بمفردي. كان مبنى المدرسة القديم في الأصل قصرا مكونا من طابقين، وأخبرني أصدقائي أن مديرة المدرسة مرتضوي خانم التي التحقت بالجامعة في الخارج قد حولت هذا القصر لمدرسة فور عودتها إلى إيران. ومع أن كل الفصول كانت بها نوافذ طويلة، فإن المكان كان مظلما بالداخل دائما بسبب بعض أشجار القيقب العتيقة التي تنمو في فناء المدرسة، وكان لا بد من إضاءة الأنوار كي نتمكن من رؤية السبورة. بعد انتهاء اليوم الدراسي كل يوم أخرج أنا وسارة من المدرسة ونعبر الشارع معا، ثم تنعطف هي يسارا وأنا يمينا، ثم أستمر في السير جنوبا في شارع «رازي»، وأمر بالأسوار القرميدية التي تحيط بسفارة الفاتيكان ومطعم «أشنا» الذي تفوح منه رائحة الأرز المميزة واللحم المشوي، ثم أمر بمتجر صغير يبيع الملابس الداخلية يعرض مجموعة من ثياب النوم الحريرية الناعمة. ولما لم تكن أمي معي تأخذ بيدي وتأمرني أن أعتدل في سيري، كنت أحيانا أتخيل نفسي سحابة بيضاء صغيرة تنجرف وسط السماء الزرقاء، أو راقصة باليه أمام حشد كبير من الناس، أو سفينة تبحر في نهر سحري.
ما دمت لم أتأخر في الوصول إلى المنزل، فلا داعي للعجلة، ولكنني كنت دوما حريصة على ألا أغضب أمي؛ إن كان لديها زبائن فعلي الابتعاد عن الصالون، وإن لم يكن، فعلي التزام الهدوء لأنها كانت تعاني من الصداع غالبا. كنت خرقاء، وكان علي أن أنتبه كي لا أكسر شيئا أو أحدث فوضى عند إعداد شطيرة لنفسي، أو عند صب المياه الغازية أو الشاي المثلج في الكوب. كانت أمي سريعة الغضب، وجميلة أيضا؛ فكانت لها عينان بنيتان وأنف دقيق وشفتان ممتلئتان وساقان طويلتان، وكانت تحب ارتداء الفساتين ذات فتحات العنق الكبيرة كي تظهر بشرتها البيضاء الناعمة. كل خصلة من خصلات شعرها القصير الداكن كانت في مكانها دائما. وعندما أغضبها، كانت توصد باب الشرفة المتصلة بغرفتي علي وأنا بالخارج. كانت الشرفة محاطة بستائر الخيزران التي تستند إلى عمودين أفقيين وبضعة أعمدة رأسية. ومن الشرفة كنت أشاهد السيارات والمشاة يملئون الشوارع، والباعة يعلنون عن بضاعتهم، والمتسولين يستجدون الناس. كان الشارع المرصوف ذو الحارات الأربع يغص بالزحام المروري في ساعات الذروة، والجو يعبق برائحة العادم. وفي الجانب الآخر من الشارع، كان حسن أغا - البائع الأكتع - يبيع البرقوق الأخضر الحامض في الربيع، والخوخ والمشمش في الصيف، والبنجر الأحمر المطهو في الخريف، وأنواعا مختلفة من الكعك المحلى في الشتاء. كنت أحب البنجر المطهو على نار هادئة في وعاء واسع مسطح على لهيب موقد متنقل، حيث تغلي عصارته اللزجة وتتصاعد منها الأبخرة لتملأ الهواء برائحة حلوة. وفي الجانب الآخر من التقاطع يجلس رجل ضرير مسن يرتدي حلة ممزقة متسخة، ويمد يديه الضامرتين للمارة وهو يصيح: «ساعدوني لوجه الله!» من طلوع الشمس حتى غروبها. أمام شقتنا كان يوجد مبنى مكون من خمسة عشر طابقا، له نوافذ كبيرة من زجاج المرايا تلمع في الشمس وتعكس حركة السحب. وفي الليل تضاء مصابيح النيون الساطعة أعلى المتاجر وتلون الظلام بضوئها.
ذات يوم قررت أن أي عقاب سيكون أفضل من الحبس في الشرفة. نظرت إلى أسفل، ووجدت القفز مستحيلا. كان بإمكاني أن أصرخ، لكنني لم أرغب في لفت الأنظار كي لا يعرف جميع الجيران أن أمي حبستني داخل الشرفة. نظرت حولي، فوجدت الحقيبة البلاستيكية الصغيرة التي تضع فيها أمي مشابك الغسيل، ونظرت إلى الرصيف المزدحم مرة أخرى. إذا أسقطت المشابك على المارة، فلن تؤذيهم، لكن الفضول سيدفعهم إلى اكتشاف ما سقط على رءوسهم من السماء. عندها يمكنني أن أخبرهم بأمر المشابك وأتوسل إليهم أن يدقوا الجرس ويطلبوا من أمي أن تسمح لي بالدخول. كنت أعلم أن أمي ستغضب، لكني لم أهتم، فلم يكن بوسعي تحمل الحبس الانفرادي أكثر من ذلك. كنا في الشتاء، والرياح الباردة بدأت تهب، وسرعان ما اختفت الشمس وراء السحب وأخذت ندف الثلج تتساقط على وجهي. استجمعت شجاعتي وأمسكت مشبكا، واستندت إلى ستائر الخيزران التي تحيط بالشرفة، وأخذت نفسا عميقا، وأسقطته، لكنه لم يسقط على أحد، بل سقط على الرصيف. أعدت الكرة، ونجحت. توقفت امرأة في منتصف العمر ذات شعر بني طويل، وتحسست رأسها، ونظرت حولها، ثم انحنت للأمام، والتقطت المشبك، وتفحصته؛ وأخيرا نظرت لأعلى وحدقت في عيني مباشرة.
سألتني وملامح وجهها توحي بالغضب: «ماذا تفعلين أيتها الفتاة؟» - «آسفة. لم أقصد إيذاءك، لكن أمي حبستني هنا في الشرفة، وأريد الدخول لأن الجو بارد. هلا قرعت الجرس وطلبت منها أن تسمح لي بالدخول؟»
قالت وهي تبتعد: «بالطبع لا! لا دخل لي بالطريقة التي تعاقبك بها أمك. وعلى ما يبدو أنت تستحقين ذلك.» لكني لم أكن لأستسلم.
في المرة التالية سقط المشبك على رأس سيدة أكبر سنا ترتدي شادورا أسود، فنظرت للأعلى في الحال.
سألتني: «ماذا تفعلين؟» فأخبرتها بقصتي.
Bog aan la aqoon