عاود الكابتن «وينتربوتوم» قراءة المذكرة: «إن هدفي فيما سأقوله محدد .. إنه التأثير على المكاتب السياسية التي تعمل وسط القبائل، تلك القبائل التي تنقصها مهارة التطور .. إن الحكم غير المباشر يرتكز على المعاهد الوطنية والإدارة الوطنية أو القومية بالنسبة لعديد من الأمم الاستعمارية، نحن نسعى لتطهير النظام القومي من شوائبه لبناء حضارة عليا تسمو فوق الجذور القومية التي اكتسبت أفكارها من قلوب وعقول الشعب .. لا يجب أن ندمر البيئة الأفريقية أو العقل الأفريقي أو أصل جنسه.» - كلمات، كلمات، كلمات، حضارة، عقل أفريقي، بيئة أفريقية .. هل أنقذ رجلا كان مدفونا إلى رقبته حيا وقطعة من اليام المحمرة فوق رأسه لجذب النسور؟
قال الكابتن «وينتربوتوم» ذلك، وبدأ في السير إلى الأمام وإلى الخلف مرة ثانية .. كان يعرف أنهم جميعا خائفون من فقدان الترقية.
دخل السيد «كلارك» قائلا: سأقوم بأول جولة في المنطقة.
ودون أن ينظر إليه كابتن «وينتربوتوم» كعادته دائما لوح بيديه وقال: رحلة سعيدة.
وقبل أن يهم «كلارك» بالمغادرة سارع في ندائه قائلا: عندما تكون في «أوموارو» حاول جاهدا - بدون أن يدري أحد - أن تراقب «رايت» وترى الطريق الجديد الذي يشرف عليه؛ فلقد سمعت حكايات بذيئة كالجلد بالسياط وأشياء أخرى يمارسها، ولا أريد إصدار حكم قبل معرفة الوقائع، وإلا فلن أستطيع اتهامه .. لقد ضاجع امرأة سوداء .. على أية حال سوف أراك في خلال أسبوع، اهتم بنفسك، ورحلة موفقة.
كانت مقاطعة «كلارك» له قد مكنته من العودة إلى الاطلاع على المذكرة، وقد خفت حدة غضبه، لكنه كان يشعر بالإجهاد .. كانت المأساة الكبرى في إدارة الاستعمار البريطاني في الرجل الذي يعرف أفريقيته، ويعرف ما يقول حيث تتسلط عليه الأعين، وتتبعه إلى مركز القيادة.
كانوا منذ ثلاث سنوات يضغطون على كابتن «وينتربوتوم» لاختيار الرئيس المفوض ل «أوكبيري». وبعد مباحثات طويلة اختار «جيمس إيكيدي» الذكي، كي يقوم بالتعليم الخاص بالتبشير في تلك الأجزاء .. ولكن ما الذي حدث؟ .. سمع «وينتربوتوم» بعد ثلاثة شهور بعض الأقاويل عن هذا الرجل الذي تسلم التفويض .. لقد أقام حكما غير شرعي وسجنا خاصا، وكان يتزوج من امرأة جميلة دون أن يدفع لها المهر المألوف.
عرف كابتن «وينتربوتوم» كل شيء، وتجاهل كثيرا من الفضائح الخطيرة، ثم قرر أن يتركه في منصبه ستة شهور أخرى، يبدأ بعدها في سحب تفويضه تدريجيا، لكن المندوب السامي كان قد عاد حديثا من الخارج ولم يكن يعرف شيئا عن تلك الأحداث، فأعاده إلى منصبه وسرعان ما عاود فضائحه.
كانوا في ذلك الوقت يعملون في الطرق والمصارف والمجاري بعد انتشار مرض الجدري الوبائي، وكانت سمعة «جيمس إيكيدي» سيئة حتى لقبوه برئيس العمال السكير، وكان أهل البلد يدعونه بالمدمر .. كانت خطة الطرق والمجاري قد اكتملت منذ زمن طويل، ووافق الكابتن «وينتربوتوم» بنفسه دون التدخل مع الناس في شئون أرضهم وبيوتهم، لكن هذا الملاحظ راح يثير الخوف في قلوب الفلاحين بقوله إن الطريق الجديد سيتخلل أراضيهم وبيوتهم، ولم يكن يتوقف عن تهديده إلا بعد أن يأخذ منهم نقودا، وكان من لا يملك مالا يقترض من أحد جيرانه؛ فقد كانوا يعتقدون أن تلك أوامر الرجل الأبيض، وفي بعض الأحيان كانوا يبيعون الماعز أو اليام، فيأخذ الملاحظ ضريبته، ثم ينتقل لأخذها من مكان آخر، وكان حريصا على اختيار القرى الغنية.
عندما كانوا يتأخرون في الدفع كان يقوم بهدم ثلاثة أو أربعة من البيوت رغم بعد المسافة بين هذه البيوت وبين العمل في الطريق والمجاري. وهكذا فقد حصل رئيس العمال «إيكيدي» على قسط كبير من الأموال الحرام.
Bog aan la aqoon