صحيح السنة
بين أهل السنة والسنة
من إصدارات مدرسة لوامع الأنوار
الطبعة الأولى1420ه ، 1999م من إصدارات
Bogga 1
مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
ص.ب. 1135، عمان 11821
المملكة الأردنية الهاشمية
www.izbacf.org
Bogga 1
مقدمة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد وعلى أهل بيته الطاهرين، وبعد:
فهذه رسالة تدور حول مفترق الطرق بين الزيدية، وأهل السنة والجماعة، وهي منشأ الإختلاف، ومنها تشعبت مسائل الخلاف، وقد ناقشنا الجلال في بدايتها، وابن الأمير، ثم عممنا البحث بعد بطريقة عادلة.
وحضرنا الشهادة على أحقية المذهب الزيدي، ولم نقبل من الشهود إلا ما أجمعت عليه طوائف الأمة، ودانت بصحته، ووضعنا الصورة الحقيقة لأهل السنة والجماعة، ووضعنا الصحابة في مواضعهم الحقيقية التي وضعهم الله ورسوله فيها، وقشعنا عنهم ذلك الستار الذي وضعه أهل الغلو في قداستهم، وزيفنا الدعاية والتمويه المتعلقة بالصحيحين والتي راجت عبر قرون، وفصلنا باختصار من هم أهل السنة الحقيقيون، ومن هم الروافض، ومن هم القدرية، ومن هم أعداء السنة التاركون لها، ومن هم المقلدون.
ومهدنا الطريق الآمن لمن أراد التخلص من تبعات التفرق والإختلاف، وكشفنا القناع عن الوجه الحقيقي لأهل السنة والجماعة، واستدللنا على ما ادعينا عليهم من صحيح البخاري، وصحيح مسلم.
كما التزمنا في الإستدلال على جميع ما في هذه الأبحاث بما في الصحيحين، ولم نذكر في إستدلالنا من أحاديث الزيدية المروية في كتبهم شيئا، من أجل إقناع المتسننين.
وربما ولعل، فإن كثيرا من الناس إذا توضح له الصواب، وتبين له الحق، انقاد له ولم يتكبر، وكأني بآخرين إذا صدمتهم البراهين القاطعة من الكتاب والسنة يلجئون إلى سلاحهم التقليدي الذي توارثوه عن السلف وهو الشتم والسب، فيكثفون الدعاية والإعلام، مثل: هذه كتب الضلال، وكتب الرفض، وهؤلاء قدرية، يسبون الصحابة، ويسبون زوجات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وهذه مذاهب عباد القبور، هؤلاء القبوريون، وما أشبه هذه الدعاية التي ما زلنا نسمعها من بعض من ينتسب إلى أهل السنة والجماعة.
Bogga 1
ومن أجل السلامة من مثل هذه الدعاية فقد التزمنا أن لانستدل على ما نقول إلا بما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما ؛ لأن أهل السنة والجماعة يقولون: إن أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى هو صحيح البخاري، ثم صحيح مسلم.
?فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا، وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم?.
مدرسة لوامع الأنوار بفروة
شعبان 1420ه
تم الصف والإخراج بمركز أهل البيت(ع) للدراسات الإسلامية
اليمن - صعدة - ت(511816) ، ص ب (91064),
Bogga 2
التمذهب
الحمد لله وحده:
قال الجلال في شرح المقدمة في كتابه ضوء النهار ص67 الجزء الأول: ثم التزام مذهب إمام معين هو التمذهب الذي هو منشأ فرقة أهل الإسلام المنهي عنها بصرائح القرآن، إذ لو أخذ المقلد عن غير معين لاجتمع المسلمون على إمامهم الأول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان في أقواله وأفعاله غنية عن قول كل إمام، ولكن هكذا فليكن الإجتهاد لتقويم البدع، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
التعليق:
1 كلام الجلال هذا صادر عن وهم وجهل أو تجاهل فالتمذهب ليس منهيا عنه، المنهي عنه أيها الجلال هو مخالفة الحق المتمثل في الكتاب والعترة فمن خالفهما ضل وهلك سواءا كان ملتزما لمذهب إمام معين أم لا، فهذا هو الذي يمكن أن تقام عليه البرهنة القاطعة من الكتاب والسنة، ولو لم يكن إلا حديث الثقلين لقامت به الحجة لله على عباده، ولكنها لاتعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
2 قوله: إذ لو أخذ المقلد عن غير معين لاجتمع المسلمون....إلخ.
كلام بناه على الحدس والظن والتخيل فقد تصور الجلال أن المقلد إذا أخذ دينه عمن هب ودرج واقتدى بدين أي ناعق ومال مع أي ريح إذا فعل المقلد كذلك، فإن المسلمين سيجتمعون وسيرتفع الخلاف في أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا يدل على نقص في العقل، وذلك أن الإمعة من الأخلاق السافلة عند أهل العقول السليمة ألا تسمع إلى قول الشاعر:
ولست بإمعة في الرجال .... أسائل هذا وذا ما الخبر
مع أن النهي قد ورد بما يؤيد دليل العقل، فروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله: ((لاتكونوا إمعة تقولوا إن أحسن الناس أحسنا...إلخ)).
نعم، ساق الجلال هذا الكلام مساق الإستدلال على هدم قوله في الأزهار ((فصل: والتزام مذهب إمام معين أولى ولا يجب)).
Bogga 1
ثم ذبل استدلاله بقوله الساخر: ولكن هكذا فليكن الإجتهاد لتقويم البدع، ثم قال كانيا ومشيرا إلى عظم المصيبة بكتاب الأزهار: فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ونحن نقول: أبعد الله اجتهادا يقوم على الأوهام والحدس، وقد كنت قبلا أتعاظم في نفسي الحسن الجلال فلما رأيت استدلاله هذا الذي لاينبغي تصطيره، ولا لعاقل تحريره وإخراجه مخرج الدليل القاطع الذي يحسب الجلال أنه قد هد به ذلك الفصل، وأن ما خالف دليله محكوم عليه بالإبتداع، وأنه مستحق للسخرية والإستهزاء، وإنها مصيبة ينبغي الإسترجاع عندها.
ثم نقول: إن الجلال قد تناقض كلامه، فقال أولا قبل هذا الفصل: إنه يجوز تقليد الفاسق تصريحا، واستدل بما لايفيد، وقال أيضا بجواز تقليد كافر التأويل وفاسقه، ثم فند أولوية أئمة أهل البيت، وربط الأولوية بشهرة الورع والإجتهاد كائنا من كان.
إذا، فلماذا جوز الجلال للمقلد تقليد من شاء من دون استثناء، وفتح الباب على مصراعيه، ثم يحرم تقليد علماء أهل المذهب خصوصا والفقهاء الأربعة وعلماء أهل البيت وعلماء غيرهم من الأولين والاخرين، هذا هو معنى كلامه ظاهره وباطنه، وتابع القراءة حتى تصل إلى نهاية البحث...
كما قدمنا فقد مال الجلال مع الدليل الذي نر فيه وقدره فحكم بحرمة الإلتزام والتمذهب بمذهب معين، وأوجب التقليد إذن فقد كلف الجلال المقلد بما لايطيق، كيف يصلي المقلد ؟
الجواب: يصلي المقلد على حسب اجتهاد الجلال كل صلاة على مذهب مجتهد، فيلزم المقلد إذن أن يعرف ما يدخل تحت قدرته من مذاهب علماء الأمة المجتهدين فيصلي كل فريضة على مذهب، فإذا استكمل العمل بتلك المذاهب فكيف يعمل ؟ هل يعيد الكرة ويبدأ بما بدأ به أولا ويختم كذلك ؟ أم أنه يجب عليه التعرف على مذاهب أخرى لكي يسلم من التمذهب الذي حرمه الجلال، هذه أسئلة هامة من المفروض أن الجلال قد وضع لها حلولا.
Bogga 2
نعم، قد صوبه في كلامه الذي قدمنا نقله صاحب المنحة محمد بن إسماعيل الأمير، وقرر أن التمذهب هو منشأ فرقة المسلمين، وباب كل فتنة في الدنيا والدين.
م نقول هنا من بعد ما سمعت فيما تقدم في الجواب على زعمهما أن المقلدين وجميع المكلفين لو أخذوا أحكام دينهم من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم لاجتمعوا ولم يحصل بينهم شقاق ولا خلاف.
نقول تعليقا على ذلك:
الواقع يكذب زعمهما فتاريخ المجتهدين منذ ظهوره وإلى اليوم يشهد بخلاف قولهما، فخلاف علماء الصحابة وتنازعهم معلوم بالضرورة، مع قرب العهد بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم ورسوخ أقدامهم في معرفة لغة القرآن والسنة، وكذلك من بعدهم وإلى يومنا هذا، فحصول الإختلاف بين المجتهدين يكذب دعوى الجلال وابن الأمير.
ذلك هو الحل لاجتماع المسلمين عند الجلال والأمير، وما أدري من أين أتيا به، في حين أن الجلال نفسه لم يكد يجف قلمه من كتابة حديث الثقلين، وجزمه بتواتره، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)).
كيف ساغ للجلال ترك هذا النص المتواتر باعترافه والعدول إلى رأي نفسه، ولكن نقول كما قال ولا سواء: هكذا فليكن الإجتهاد لتقويم البدع فإنا لله وإنا إليه راجعون.
Bogga 3
بحث في حديث السفينة
قال الجلال بعد ذكر خبري السفينة، وإني تارك فيكم، والمراد بخبري السفينة: ((أهل بيتي كسفينة نوح...إلخ))، ((وأين يتاه بكم عن علم...إلخ)):
ثبتت تلك الأحاديث من طرق لايتسع لها هذا المقال ؛ لأنها متواترة المعنى كما حققناه نقلا في شرحنا لمختصر المنتهي وهو يغني عن تواتر اللفظ، إلا أن في ذلك بحثا، وهو: أن الأحاديث المذكورة إنما تنتهض على حقية إجماعهم لا على حقية رأي أفرادهم المختلفين، لجواز أن يكون الحق مع من لايقلده المقلد لعدم تعين الحق، ولو تعين المحق لكان تقليده متعينا لا أولى فقط، فالصواب ربط الأولوية بشهرة الورع والإجتهاد كائنا من كان انتهى كلام الجلال من ص65، 66 من ضوء النهار .
تعليق:
ما أحق الجلال بأن يجاب عنه بالحديث الذي ذكره هو في هذا البحث وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أين يتاه بكم عن علم تنوسخ من أصلاب أصحاب السفينة حتى صار في عترة نبيكم))، ومن أين ساغ له الحكم بتقليد غيرهم على الإطلاق مهما شهر بالورع والإجتهاد، أين الدليل على ما تدعي، يشكك في مدلول النصوص المتواترة، ثم يرفضها ويحكم برأيه من دون دليل.
نعم، الجلال راكب ناقة صعبة ليس لها زمام، فهي تقحمه المهالك والمغاوي.
هذا، وقد علق صاحب المنحة على كلام الجلال، وقال: إن عدم انتهاض تلك الأحاديث على حقية رأي أفرادهم لاتبطل دلالتها على أولوية تقليدهم !!.
Bogga 1
حديث الثقلين وخبر السفينة
قد سمعت كلام الجلال أنها متواترة، وهو الحق ولا سيما حديث الثقلين كما لايخفى، فما هو المعنى الذي قصده الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بحديث الثقلين ونحوه ؟
المعنى الذي قصده الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، هو: إرشاد أمته صلى الله عليه وآله وسلم إلى دين الحق وطريق الصدق الذي لايضل سالكها، وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم على علم بما سيحدث بعد موته من الفتن والشقاق والتنازع والخلاف، فحذره صلى الله عليه وآله وسلم من الفتن والخلاف والشقاق، ونزلت في ذلك الآيات.
فمن هنا أوضح الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لأمته أهل الحق حتى لايلتبس على الأمة دينها إذا حصلت الفتن وتفرقت في دينها ومذاهبها.
وحديث الثقلين واضح المعنى لايحتاج فهمه لأكثر من قراءته، والظاهر من كلام الأئمة الأولين أن المراد بالعترة في حديث الثقلين ونحوه السابقون كأمير المؤمنين والحسنين، وعلي بن الحسين، وزيد بن علي، ومحمد بن عبدالله، والقاسم، والهادي، وأشباههم من العترة عليهم السلام، ولا تخلو الأرض من قائم لله بحجة إما ظاهرا مشهورا، أو خائفا مغمورا، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام لئلا تبطل حجج الله وبيناته.
ففي كل عصر سابق بإذن الله هو حجة الله على عباده، وهو المقصود بالرجوع إليه في حديث الثقلين، فمن خالفه فقد ضل وهلك وسواء كان المخالف من العترة أم لا، فهو صاحب الهدى والحق وجماعته جماعة الهدى والحق.
Bogga 1
إستراحة
كتب معاوية إلى عمرو بن العاص وهو يومئذ بفلسطين:
أما بعد فقد كان من أمر عثمان بن عفان ما علمت، وأن علي بن أبي طالب قد اجتمع إليه رافضة أهل الحجاز وأهل اليمن والبصرة والكوفة...إلخ ما في كتاب الفتوح ج2 ص382 مرويا بأسانيده عن أبي إسحاق والواقدي وابن مزاحم وغير هؤلاء.
فقد سمى معاوية بن أبي سفيان كل أنصار علي الذين بايعوه سماهم رافضة، وقد حذى أهل السنة هذه السنة فسموا من أحب عليا وشايعه رافضة إلى يومنا هذا.
وفي كتاب كتبه زياد بن أبيه إلى يزيد بن معاوية لما بعث إليه برأس مسلم بن عقيل ورأس هانيء بن عروة: وقد بعثت برأسيهما مع فلان وفلان، وهما من أهل الطاعة، والسنة والجماعة، فليسئلهما أمير المؤمنين عما يحب، فإنهما ذوا عقل وفهم وصدق.انتهى من المصدر السابق.
قال ابن الأمير: إن أئمة الحديث إنما يعتمدون في الرواية صدق الراوي، وإن أتى بأي بدعة، واستدل لذلك برواية البخاري، وأبي داود، والنسائي عن عمران بن حطان، م قال: وأن رسمهم لعدالة الراوي باشتراط عدم البدعة كما في نخبة الفكر، وأصول الفقه، لم يتم لهم العمل عليه، أه من المنحة.
قلت: فعلى هذا فإن أئمة الحديث لايشترطون العدالة، ولا عدم البدعة، وهو كما قال، ولذا روى البخاري عن نحو: عمر بن سعد بن أبي وقاص قاتل الحسين، وعن عنبسة بن خالد، ومروان بن الحكم، ووحشي قاتل حمزة، وزياد بن جبير الثقفي، وزياد بن علاقة، والسائب فروخ المكي، وحريز بن عمان، وعكرمة، ونحوهم.
Bogga 1
وعلى هذا فإنه يجب النظر، ولا يجوز التقليد لأئمة الحديث فيما حكموا بصحته ولا الإعتماد على ذلك ما داموا لايعولون على العدالة ، والذي يدل على أنه لايجوز قبول خبر غير العدل قول الله تعالى: ?إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين?، فأمر الله سبحانه بالتبين، وسمى خبر الفاسق جهالة تعقبها الندامة، وقال سبحانه: ?ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار?، والإعتماد على الظالمين في أمر الدين من أعظم الركون.
والمشهور عن النقلة للأخبار، ورواة السنن والآثار أنهم يشترطون للعمل عدالة الراوي، ولذلك تراهم لايقبلون من المراسيل إلا ما عرفوا أن مرسله لايرسل إلا عن عدل.
وفي كتب أئمة الحديث الكثير من نحو قولهم فيه: فلان شيعي رافضي قدري مجهول مدلس...إلى غير ذلك مما يدل على أن العدالة عندهم شرط لابد من قبوله، فالأظهر أن العدالة شرط عند جماهير علماء الأمة من أهل السنة وغيرهم.
وقد استشكل ابن الأمير اشتراطهم العدالة في الراوي في كتب أصول الفقه، وفي كتب مصطلح الحديث، بينما البخاري يروي عن مثل أولئك الذين ذكرناهم، فجزم بما ذكرنا أولا من أنهم إنما يعتمدون صدق الراوي وإن أتى بأي بدعة.
ورأيه هذا هو خلاف المعلوم من حال أئمة الحديث، ولكنه لما أعياه الأمر وضاق عليه المخرج لجأ إلى ذلك من أجل المحافظة على السنة من الضياع ؛ لأن السنة عنده هي ما عند هؤلاء الأئمة لاغير، والحق أن العدالة شرط لجواز العمل بالحديث عند الأئمة.
وما وقع في الصحيحين أو في غيرهما مما حكموا بصحته مع اشتمال سنده على مختل العدالة فهو اجتهاد منهم لايجوز تقليدهم فيه، فليسوا بمعصومين، وليست أقوالهم سنة يجب اتباعها.
Bogga 2
وقد أفرط قوم في غلوهم في الصحيحين فقبلوا ما فيهما على الإطلاق من دون نظر وتمييز، بل اتكالا منهم على التقليد، وخطأوا من خالف شيئا من ذلك، ونسبوه إلى الإبتداع، ومخالفة السنةن ونقول لا ينبغي ذلك، بل يلزم النظر والتحري، فهناك أحادي غير صحيحة، ألا ترى إلى ما رواه الشيخان واللفظ لمسلم أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم متى تقوم الساعة ؟ قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هنيهة، ثم نظر إلى غلام بين يديه من أزد شنوءة، فقال: ((إن عمر هذا لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة)) قال أنس: ذلك من أترابي.
فهذا الحديث وأمثاله مما رواه الشيخان مما يوقع الشك في الصحيحين.
ومثل ذلك ما رواه مسلم عن أبي هريرة: أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ((خلق الله التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الإثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم عليه السلام بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق من آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل)) وقد روى هذا الحديث كذلك أحمد والنسائي عن أبي هريرة.
وهذا الحديث مخالف لنص القرآن خلق السماوات والأرض في ستة أيام، وقد قال البخاري، وابن كثير وغيرهما إن أبا هريرة قد تلقى هذا الحديث عن كعب الأحبار، ذكر ذلك في كتاب [أضواء ص209]، وفي تفسير ابن كثير في سورة الأعراف في تفسير آية: ?إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام? [ج2 ص220] .
فالحق أنه ليس كل ما اشتمل عليه الصحيحان بصحيح، ولا ما صححه غيرهما أيضا كأهل السنن والمسانيد.
Bogga 3
فصحة كتاب البخاري ملا لازمة له فقط، ومقصور عليه العمل بها، وكذلك مسلم، وسائر الأئمة، فإذا كانوا عدولا أعني أئمة الحديث، فاللازم هو قبول رواياتهم، لا قبول آرائهم وأحكامهم بصحة الحديث أو حسنه أو ضعفه ؛ لأن ذلك ليس من الرواية في شيء بل هو نظر منه واجتهاد لاينبغي التقليد فيه والتعويل عليه، وتلك هي الإمعة المذمومة عقلا وشرعا، قال الشاعر:
ولست بإمعة في الرجال .... أسائل هذا وذا ما الخبر
فوظيفة أئمة الحديث أن يسردوا لنا الأخبار بأسانيدها، وعلينا نحن أن ننظر في أسانيدها فما صح للناظر عمل به.
ولا يجوز الإكتفاء بنظر صاحب الصحيح وتقليده في نظره وأحكامه على الأحاديث بالتصحيح والتضعيف، وإلا فلماذا التزم أئمة الحديث بذكر مسند كل حديث، كان يكفي ما دمنا عالة عليهم في آرائهم أن يذكروا لنا الأحاديث مرسلة بدون الأسانيد، فما في ذكرها إذن فائدة ؛ لأنا لسنا متعبدين بتلاوة الأسانيد.
فابن الأمير قد ثبت عنده أن العدالة شرط لقبول الرواية، وأن أئمة الحديث قد بنوا صحاحهم على ذلك، م إنه رأى البخاري ومسلما وغيرهم من الأمة يروون في الصحيحين وغيرهما عن الخوارج وأهل البدع، وأهل الضلال، فقرر أن الأئمة لايشترطون العدالة في روايتهم فأشكل عليه المخرج هل يترك تلك الروايات ولو كانت في الصحيحين، أم يقلد صاحبي الصحيحين فرجح تقليد أئمة الحديث ولو رووا عن غير عدل، وكان المخرج هو ما ذكرنا، "لو كان يطاع لقصير أمر"، ولكنهم وجدوا آباءهم على أمة....
Bogga 4
بحث يتبع ذلك
قال الله سبحانه وتعالى: ?قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا?:
كثير من الناس يحسبون أنهم في الطريق القويم، وعلى الصراط المستقيم، كالجلال، وابن الأمير، والشوكاني، ولكنهم في الواقع إمعة مقلدون، لايحلون أمرا ولايبرمون، بل غاية أمرهم ومدى اجتهادهم ونظرهم أن يقولوا صححه فلان، ضعفه فلان، متفق عليه، وقد ظنوا بصنيعهم هذا أنهم مجتهدون قد حرروا أنفسهم من ربق التقليد.
وما دروا أنهم مغمورون بين ظلمات التقليد، وغارقون في بحار الإمعات، فتراهم إذا تعارض الشيخان انحازوا مع البخاري، وإن عارضهما غيرهم إنحازوا معهما، ومرة يقلدون ابن السكن، ومرة الحاكم، وأخرى ينضمون مع الهيثمي، وتارة مع أبي زرعة، وتراهم يقولون: قال فلان كذا، وأعلاه فلان ووقفه فلان، وأرسله فلان، وقال فلان الأصح فيه كذا، يسوقون ذلك مساق الأدلة، ويرددون كلمات قالها ناس مخصوصون ليست أقوالهم حججا كقولهم: أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى صحيح البخاري ثم صحيح مسلم...إلخ.
من أين أتت هذه الأحكام، فليست في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا هي مما أجمعت عليه الأمة، ولا هي من القضايا العقلية الضرورية، نعوذ بالله من ضلال المقلدين.
Bogga 1
معنى الصحة عند أهل الحديث
وضع أئمة الحديث كتبهم بما فيهم البخاري ومسلم، وفتحوا المجال للناظرين، ولم يلزموا أحدا باعتقاد صحة ما صححوه، بل جمعوا من الأسانيد ما صح في أنظارهم.
قال ابن الصلاح: ومتى قالوا هذا حديث صحيح فمعناه أنه اتصل سنده مع سائر الأوصاف المذكورة في حد الصحيح، وليس من شرطه أن يكون مقطوعا به في نفس الأمر، وكذلك إذا قالوا: إنه غير صحيح فليس ذلك قطعا بأنه كذب في نفس الأمر.
وقال الزين العراقي في ألفيته: وحيث قال أهل الحديث: هذا الحديث صحيح، فمرادهم فيما ظهر لنا عملا بظاهر الإسناد، لا أنه مقطوع بصحته في نفس الأمر.
وقال السمعاني في القواطع: إن الصحيح لايعرف برواية الثقات فقط، وإنما يعرف بالفهم والمعرفة، وكثرة السماع والمذاكرة.
وقال الحاكم: كم من حديث ليس في إسناده إلا ثقة ثبت، وهو معلول واه.
وقال عبد الرحمن بن مهدي: معرفة الحديث إلهام، فلو قلت للعالم بعلل الحديث: من أين هذا ؟ لم يكن له حجة.
وقال ابن الصلاح في فتاويه: قالت الأئمة في الحديث:
أحديث إسناده صحيح ومتنه غير صحيح، ب إسناده غير صحيح ومتنه صحيح، ج إسناده مجهول ومتنه مجهول، د إسناده صحيح ومتنه صحيح...إلخ [هذه الأقوال منقولة من كتاب أضواء].
Bogga 1
السر في الغلو
من الغلو في التقليد أن تحكم على طائفة من المسلمين بل ولو على مسلم واحد تركوا العمل ببعض ما صح عند البخاري ومسلم بترك سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتنسبهم إلى الإبتداع كما يفعله الجلال والشوكاني وابن الأمير في مؤلفاتهم من نسبة أهل المذهب الزيدي ونسبة الحنفية والشافعية إلى الإبتداع وترك السنن، وكما نسمعه من المتسننين الجدد من أهل اليمن.
فهذا الصنيع هو من الغلو المنهي عنه في القرآن الكريم، وعلى لسان الرسول الرحيم صلى الله عليه وآله وسلم، قال تعالى: ?ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا?.
وإنما قلنا إن ذلك من الغلو والسرف ؛ لأن الشافعية بما فيهم إمامهم الشافعي من أهل العلم بالسنة، فعمل بما صح في نظره من سنة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك الحنفية وإمامهم، والزيدية وأئمتهم كل عمل بما صح عنده من السنة بعد النظر والإجتهاد والتحري، وقد قال تعالى: ?لايكلف الله نفسا إلا وسعها?، وهذا فيما يتعلق بمسائل الأحكام العملية.
ومن هنا قال الحفاظ: إن مسلما لما وضع كتابه الصحيح عرضه على أبي زرعة الرازي، فأنكر عليه وتغيض، وقال: سميته الصحيح !! فجعلته سلما لأهل البدع وغيرهم، فإذا روى لهم المخالف حديثا يقولون: هذا ليس في صحيح مسلم، ولما قدم مسلم الري خرج إلى أبي عبدالله محمد بن مسلم بن واره، فجفاه وعاتبه على هذا الكتاب، وقال له نحوا مما قال أبو زرعة. [انتهى من أضواء ص309].
وبناءا على هذا، فقد يصح الحديث عند قوم ويضعف عند آخرين، وقد يكون سند الحديث عند هذا مستوفيا للشروط المعتبرة في قبول الرواية بينما هو عند الآخر ليس كذلك، وفي الصحيحين كثير من هذا.
Bogga 1
فقد خرج البخاري عن جماعة لم يرتض مسلم عدالتهم، وفي مسلم كثير من من لم يرتضهم البخاري، ولذا فإن علماء الأمة لم يتقيدوا بما فيهما، حتى جاء الزمان بقوم اكتفوا من العلم بقشوره، فضللوا من ترك العمل ببعض ما في الصحيحين ونسبوهم إلى البدعة، ومخالفة السنة مستندين في ذلك إلى كلمات قيلت في القرون الوسطى لايدرون قائلها، من ذلك قولهم: إن صحيح البخاري أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى، ثم صحيح مسلم، ثم...ثم... إلى آخره، فاعتقدوا ذلك وبنوا على ذلك العقائد، وشرائع الأحكام، وفضائل الأعمال، وحكموا بالهدى لأنفسهم، وبالضلال لمن خالفهم، وكل ذلك ظلمات بعضها فوق بعض، وقد قال تعالى: ?فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى?.
وذلك لأنهم في طريقتهم هذه لم يستندوا إلى دليل بل استندوا إلى تقليد المشائخ في أمر دينهم، وقلدوا الرجال في آرائهم.
Bogga 2
دعوى بغير دليل
لابد من دليل على ما يزعم هؤلاء للبخاري ومسلم ثم للطبقة الثانية إما من الكتاب أو من السنة أو أن يجمع على ذلك علماء أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ومع العلم أنه لايوجد شيء من ذلك لا في الكتاب ولا في السنة، ولا في الإجماع.
أما عمل بعض من العلماء على ذلك فلا حجة في قول أحد بعد المعصوم في حين أن أكثر علماء الأمة قد تركوا العمل بكثير مما في تلك الكتب كالحنفية والشافعية والمالكية والزيدية والإمامية.
ولكن هؤلاء المقلدين المتأخرين الذين غلوا في تقليد هؤلاء الأئمة اكتفوا بظاهر من القول، وقنعوا من الدليل بالإسم.
فاكتفوا في معرفة السنة الصحيحة بأن أهلها سموها صحاحا، وكتبوا على ظهورها الجامع الصحيح، وخصوصا في هذا الزمان المتأخر الذي توفرت فيه الكتب المطبعية وانتشرت، فهذا صحيح البخاري، وذاك صحيح مسلم، وتلك كتب السنن.
وقرأوا فيها الأحاديث المسندة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فظنوها سنة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكتفين من الدليل بأن إسمها كتب السنة، فاغتروا بالأسماء وظنوا أنهم هم أهل السنة، وفي الواقع أنهم من السنة بمراحل.
Bogga 1
إختلاف الأمة
أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم طوائف: زيدية، وشافعية، وحنفية، وحنبلية، ومالكية، وظاهرية، وجعفرية، وسنية أو (وهابية) كما يسميهم الناس، وإلى آخر ما في هذه الأمة من الطوائف.
وكل فرقة من هذه الفرق والطوائف لها كتب في الحديث مسندة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كل كبير وصغير من أمر دينها.
فأخبرني أيها المتسنن كيف العمل إذا اختلفت الطوائف في حديث من الأحادي، فطائفة قالت أنه صحيح، وأخرى قالت إنه ضعيف، وثالثة قالت إنه موضوع، وأخرى قالت كذا، و....إلخ.
من من هذه الطوائف قوله الحق، وما سواه باطل ؟
فإذا أجاب المتسنن، وقال: إن قوله الحق واستدل على ذلك بتصحيح البخاري ومسلم، فهل ياترى ما دام البخاري ومسلم قد صححا الحديث كما قال المتسنن فإنه يجب على جميع طوائف المسلمين أن يقلدوهما، وهل ترى أنه سيقتنع بقية الطوائف بهذه الحجة، لا أراهم سيقتنعون.
ثم إذا أجاب الزيدي مثلا أو الجعفري، وقال: بل الحق ما قلناه نحن، واستدلوا على ذلك برواية الإمام زيد بن علي أو الإمام جعفر الصادق بالإسناد عن آبائهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فهل سيقتنع السني بهذا الإستدلال، لا أراهم سيقتنعون.
فمن هو الأولى بالحق من طوائف المسلمين ؟ مع العلم أن كل واحده من طوائف المسلمين تعتقد أنها على سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأن ما عندها من الأحاديث هي السنة الصحيحة التي كان عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه.
ثم نسال هذه الطوائف ثانيا: هل حفظت سنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كما حفظ القرآن ؟
الجواب: لا أرى أهل الطوائف يجيبون على هذا السؤال إلا بالنفي، فإن المعلوم أن السنة لم تكتب في زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأنها لم تدون إلا في زمان التابعين وتابعيهم، ولو كانت محفوظة كما حفظ القرآن لم يقع فيها خلاف ولا اختلاف.
Bogga 1
ثم نسأل أهل الطوائف: من منكم على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ؟ ومن الذي هو متبع لسنته فعلا ؟
أجابت كل طائفة بأنها هي التي على ذلك وملتزمة بذلك.
قلنا: هذه دعاوي فأين البينات ؟ لايكفي أن تسموا أنفسكم أهل السنة، أو طائفة الحق الظاهرة، أو دعوى أنكم على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، لابد من دليل قاطع من الكتاب أو من السنة أو إجماع من الأمة.
هذا هو موقف من يطلب الحق، ولا يعول على آراء المشائخ وغلاة المقلدين، يسأل ويبحث ويجادل إلى أن يعرف الحق.
إن القرآن الكريم هو أول الأدلة، ولا خلاف بين طوائف المسلمين في شيء منه، وهناك طائفة من الحديث لاخلاف في صحتها بين طوائف المسلمين.
فإن قلت: ما هي هذه السنة التي لا خلاف فيها ؟
قلت: هي ما صح من الحديث عند كل طائفة مثلا إذا روت الحديث الزيدية وصححوه، ورواه أهل السنة وصححوه، ورته الإمامية وصححوه، و....إلخ، فإن ما كان كذلك من السنة، فلا شك في صحته.
أما إذا قال الجعفري مثلا: إن هذه الأحاديث صحيحة ؛ لأن الإمامية قد أجمعوا على أنها صحيحة، أو يقول السني: إن هذه الأحاديث صحيحة لأن أهل السنة والجماعة قد أجمعوا على صحتها.
فإن ذلك ليس بمقنع، ولا يسمى دليلا، لا شرعا ولا عرفا، وهنا قد ادعت كل طائفة، وشهدت لنفسها، وما كان كذلك فلا يقبل، فكل طائفة ما زالت في حيز الدعوى وشهادتها لنفسها لاتقبل.
Bogga 2