Sahih Ibn Hibban: Al-Taqasim wal-Anwa'
صحيح ابن حبان: التقاسيم والأنواع
Baare
محمد علي سونمز، خالص آي دمير
Daabacaha
دار ابن حزم
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
١٤٣٣ هـ - ٢٠١٢ م
Goobta Daabacaadda
بيروت
Noocyada
إهداء
إلى أمي الحبيبة عائشة المرحومة وأبي الكريم محمد المرحوم
تغمدهما الله تعالى برحمته وأسكنهما فسيح جناته.
المحقق
محمد علي سونمز الخانكَندي التركي
إهداء
إلى أمي العزيزة ناجية وأبي الودود خليل وشريكي الغالي حيدر.
المحقق
ابن طيبة
خالص آي دمير الأرضرومي التركي
1 / 5
شكر وتقدير
لا يسعنا في هذا المقام إلا أن نتقدم بجزيل الشكر والعرفان للأساتذة على ما قدموه من جهد ونصيحة وإمكان:
· فضيلة الأستاذ الدكتور حسين آلغول
· فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد صائم قِلاوُز.
· فضيلة الأخ الكريم المهندس حيدر سوي سال.
· فضيلة الأستاذ الدكتور إبراهيم خطيب أوغلو.
· فضيلة الأستاذ الدكتور بنيامين أرول.
· فضيلة الأستاذ المشارك الدكتور محمد يالار.
· فضيلة الأستاذ المشارك الدكتور مصطفى خضر دونمز.
· فضيلة الأستاذ المشارك الدكتور عبد الحميد بِرإشق.
· فضيلة الأستاذ للغة العربية محمد يِلماز.
· فضيلة الأستاذ المساعد المشارك حسن طاشكتيرن.
نسأل الله تعالى أن يجعل ذلك في ميزان حسناتهم، وأن يجزيهم عنّا وعن المسلمين خير الجزاء.
المحقق محمد علي سونمز
المحقق خالص آي دمير
1 / 7
الأستاذ الدكتور محمد علي سونمز
هو من مواليد قرية خانكندي من قرى مدينة العزيز التركية عام ١٩٤١ م وأبوه يدعى محمد أفندي وأمه تدعى السيدة عائشة.
بدأ حياته العلمية في مدرسة خانكندي الابتدائية ثم انتقل إلى مدرسة الأئمة والخطباء بمدينة العزيز ليكمل مرحلتي المتوسطة والثانوية فيها، وبعدها تخرج في كلية الإلهيات التابعة لجامعة أنقرة عام ١٩٦٤ م.
أما حياته العملية فإنه بدأ بها أول الأمر إمامًا وخطيبًا بمدينة العزيز ثم بمدينة أنقرة، ولما سنحت له الفرصة انتقل إلى مدرسة الأئمة والخطباء بالعزيز ليقوم بمزاولة مهنة التدريس فيها. وبعدها حصل المحقق على شهادة الدكتوراه من جامعة سوربون الفرنسية بباريس عام ١٩٧٢ م وذلك بعد أن تمت مناقشة رسالته بنجاح في ابن الصلاح الشهرزوري ومقدمته ومؤلفاته، ولما عاد إلى تركيا عمل أستاذًا بجامعة سلجوق الواقعة بمدينة قونيا وبجامعة أولوداغ الواقعة بمدينة بورصة حيث أحيل إليه في كلا الجامعتين مهمة تدريس مادة الحديث النبوي الشريف وعلومه.
وهو متزوج وله بنتان: نشه وأبرو، ومحال إلى التقاعد حاليًا ومقيم بمدينة بورصة.
1 / 9
الأستاذ المشارك الدكتور المهندس خالص آي دمير
من مواليد مدينة أرضروم التركية عام ١٩٧٤ م، والده يدعى خليل أفندي، وأمه تدعى السيدة ناجية.
بعد فترة قصيرة من ولادته ارتحلت عائلته معه إلى ألمانيا للعمل فيها غير أنها ما لبثت أن انتقلت من هناك إلى المملكة العربية السعودية. نشأ المحقق في مدينة جدة وابتدأ حياته الدراسية في مدرسة النعمان بن بشير الابتدائية غير أنه أكمل المرحلة الابتدائية بالمدينة المنورة في مدرسة الإمام الشافعي الابتدائية وذلك عام ١٩٨٥ م.
وبعد عودته إلى تركيا درس المتوسطة في مدرسة الأئمة والخطباء بمدينة أرضروم، والثانوية في مدرسة أرضروم الثانوية. كما أنه حفظ القرآن الكريم في سن الثانية عشرة، حيث يرجع الفضل في ذلك - بعد الله - لجده إبراهيم أفندي ﵀ وأخته العزيزة أبلة سعيدة. وقد تخرج في كلية الهندسة الكهربائية بجامعة إسطنبول التكنيكية.
عقب ذلك حصل المحقق على شهادة الماجستير برسالته التي أعدها وهي بعنوان: إشارات وأنباء إلى التكنولوجيا المتطورة في الأحاديث النبوية، ومن ثم حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة أولوداغ الواقعة بمدينة بورصة في القول البديع للصلاة على الحبيب الشفيع للإمام السخاوي ﵀ وذلك عام (٢٠٠٤ م). وبعدها نال المحقق درجة الأستاذ المشارك في علوم الحديث بأطروحته التي أعدها وهي بعنوان: نافع مولى ابن عمر تحت ضوء نظرية احتمال صحة الروايات عام (٢٠٠٨ م). وهو متزوج وله ثلاث بنات: خديجة شيماء، رزان، حنة.
1 / 10
تقديم
الحمد لله الذي أبدع كل شيء فأحسنه؛ وأرسل رسوله محمدًا ﷺ بهذا الدين فبلغه وبينه؛ واختار له من الأصحاب والأتباع من نهضوا بنقله وتلقينه، وحفظه وتدوينه، حتى بلغ الخلف كما تلقاه السلف، غضًا طريًا مدى العصور.
أما بعد:
فقد أوجب الله على المسلمين طاعة رسوله ﷺ، وأمر بها في كتابه الكريم كقوله سبحانه: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: ٧]؛
وكقوله تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [آل عمران: ١٣٢]؛
وكقوله سبحانه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ [الأنفال: ٢٤]؛
وكقوله تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ [النساء: ٨٠]؛
فجعل الله طاعة رسوله طاعته.
وكقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ [آل عمران: ٣١]؛
فجعل الله حبه في طاعة رسوله ﷺ. وذلك لأن الله أنزل القرآن مجملًا، ووكل تفسيره إلى رسوله، فكان من وظيفته ﷺ أن يبين القرآن بأقواله وأفعاله وتقاريره.
قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: ٤٤]؛
وقال تعالى: ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [النحل: ٦٤]؛
وقال تعالى في سورة النساء: ﴿وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ [النساء: ١١٣].
فذكر الله الكتاب وهو القرآن الكريم، والحكمة وهي السنة المطهرة.
1 / 11
وقد شهد الله جل ثناؤه باستمساكه بما أمره به، في سورة الشورى: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: ٥٢].
فهدي رسول الله ﷺ هو صراط الله الذي أمر عباده باتباعه.
ولقد كان الصحابة ﵃ هم الرعيل الأول الذين رباهم رسول الله ﷺ، فتهذبت نفوسهم، وصفت قلوبهم، وكانوا ينظرون إلى النبي ﷺ قائدًا هاديًا، ومرشدًا مربيًا، فيتسابقون للاقتداء به في أفعاله، وعباداته، ومعاملاته؛ لأنه ﵇ هو الذي أنقذهم من الضلال والظلام إلى الهدى والنور. فكانوا يرجعون إليه في حل خصوماتهم، وقطع منازعاتهم، كما كانوا يسترشدون برأيه في الحوادث التي تقع، ولم ينص عليها القرآن؛ لأنه ﷺ أعلم الخلق بمقاصد الشريعة ومراميها.
فكتب السنة المشرفة مما يشتاق إليها محبو النبي ﷺ؛ إذ السنة هي الوحي بعد الوحي، وفيها تبيان القرآن وشفاء الصدور. وقد كثرت المصنفات في الحديث الشريف وعمت بركاتها. وفي كل كتاب منها فائدة لا تجدها في سواه.
وقد قام الإمام العالم الفاضل المتقن، المحقق الحافظ العلامة، حسنة الأيام، حافظ زمانه، وضابط أوانه، معدن الإتقان أبو حاتم محمد بن حبان التميمي البستي القاضي وهو أحد الأئمة الرحالة والمصنفين بتأليف كتاب سماه كتاب التقاسيم والأنواع. وهو من أجمع المصنفات في الأخبار النبوية، وأنفع المؤلفات في الآثار المحمدية، وأشرف الأوضاع وأطرف الإبداع.
وهذا الكتاب الذي نتشرف بتقديمه للمسلمين اليوم هو كتاب ترتيبه مخترع؛ ليس على الأبواب ولا على المسانيد، ولهذا سماه مؤلفه "التقاسيم والأنواع".
نسأل الله أن يوفقنا جميعًا لاتباع سنة نبيه، والاهتداء بهديه، والابتعاد عن محدثات الأمور؛
إنه سميع مجيب الدعوات.
الأستاذ الدكتور
محمد علي سونمز
جامعة ألوداغ، كلية الإلهيات، بورصة
الأستاذ المشارك الدكتور المهندس
خالص آي دمير
جامعة ألوداغ، كلية الإلهيات، بورصة halisaydemir@gmail.com
1 / 12
حول حياة المؤلف
هو أبو حاتم، محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ التميمي البستي. ولد في أفغانستان سنة بضع وسبعين ومئتين؛ وهو منسوب إلى قبيلة عربية مشهورة تدعى تميمًا. فقد وُلِدَ في مدينةٍ قديمةٍ، اسمها "بُسْت"؛ كانت تُعَدُّ من أعمال سِجِسْتَانَ، وموقعها اليوم ضمن أفغانستان الحديثة.
طلب العلم وعُمره ينيف على عشرين عامًا. سمع الحسن بن إدريس الهروي، وأبا خليفة، والنسائي، وعمران بن موسى، وأبا يعلى الموصلي، والحسن بن سفيان، وابن خزيمة، والسَّرَّاج وخلائق لا يُحصون كثرة بِخُرَسَانَ والعراق والحجاز والشام ومصر والجزيرة وغيرها من الأقاليم. قال في مقدمة كتابه هذا: ولعلنا قد كتبنا عن ألفيْ شيخ من إسْبِيجَابَ إلى الإسكندرية (^١).
روى عنه الحاكم النيسابوري، وأبو معاذ عبد الرحمن بن محمد السَّخْتِيَانِي، وأبو الحسن محمد بن أحمد بن هارون الزَّوزَنِيُّ، ومحمد بن أحمد بن منصور النَّوْقَانيُّ، وغيرهم.
قال أبو سعد الإدريسي: كان على قضاء سمرقند زمانًا؛ وكان من فقهاء الدين، وحفاظ الآثار، عالمًا بالطب والنجوم وفنون العلم. فَقَّهَ الناس بسمرقند.
وقال الحاكم النيسابوري: كان من أوعية العلم في الفقه، واللغة، والحديث، والوعظ، ومن عقلاء الرجال. قدم نيسابور مرتين، ثم ولي قضاء نَسَا، ثم قدم نيسابور ثالثةً وبني فيها خَانْكَاه. وقرئت عليه جملة من مصنفاته. ثم عاد إلى وطنه سمرقند. وكانت الرحلة إليه لسماع مصنفاته.
وقال الخطيب البغدادي: كان ثقةً، نبيلًا، فهمًا.
وقال ابن السمعاني: كان أبو حاتم إمام عصره؛ رحل فيما بين الشَّاشِ والإسكندرية.
توفي ليلة الجمعة لثمان بقين من شوال سنة أربع وخمسين وثلاثمائة، ﵀.
_________
(^١) انظر: مقدمة التقاسيم والأنواع للمؤلف (في الفقرة: والمتعري خبره عن التدليس).
1 / 13
مؤلفات ابن حبان
١ - المسند الصحيح على التقاسيم والأنواع (هو هذا الكتاب الذي نحن بصدد تحقيقه).
٢ - كتاب المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين. طبع في ثلاثة أجزاء بحلب بتحقيق محمود إبراهيم زاهد، سنة (١٣٩٦ ه - ١٩٧٦ م). قدم المؤلف لكتابه بذكر أنواع الجرح؛ وَعَدَّهَا عشرين نوعًا. ثم بدأ بذكر أسماء المجروحين على حروف المعجم وأعقبها بباب الكُنَى.
٣ - كتاب الثقات. طُبعَ الكتاب بتمامه في تسعة أجزاء بحيدر آباد الدُّكن سنة (١٩٧٣ - ١٩٨٣ م). بدأه المؤلف بذكر المصطفى ﷺ ومولده ومبعثه وهجرته إلى أن قبضه الله. ثم ذكر الخلفاء الراشدين والخلفاء الذين جاؤوا بعده حتى المُطِيع بن المقتدر. ثم ذكر الصحابة على ترتيب حروف المعجم؛ ثم التابعين على المعجم أيضًا؛ ثم أهل القرن الثاني الذين رأوا التابعين؛ ثم أهل القرن الثالث الذين هم أتباع التابعين. ورتب كل قرن على حروف المعجم أيضًا.
٤ - مشاهير علماء الأمصار. طُبعَ الكتاب في القاهرة سنة (١٩٥٩ م)، باعتناء المستشرق مانفرد فلاشمر. ذكر ابن حبان في هذا الكتاب مشاهير علماء المدينة، ومكة، والبصرة، والكوفة، وبغداد، وواسط وخرسان، والشام، ومصر، واليمن.
ويضم ١٦٠٢ من التراجم. رَتَّبَهُ على الطَّبقات، فذكر الصحابة ثم التابعين فأتباع التابعين.
٥ - كتاب روضة العقلاء ونزهة الفضلاء. طُبعَ هذا الكتاب في بيروت سنة (١٣٩٥ ه - ١٩٧٥ م). وهو كتاب في التهذيب، والآداب، ومكارم الأخلاق.
وللأسف الشديد لم يصل من مؤلفات الشيخ ابن حبان إلى يومنا هذا إلا هذا القدر اليسير، بالرغم من أن عددها يبلغ أكثر من مائة مؤلف.
1 / 14
حول الكتاب
اسم الكتاب: المسند الصحيح على التقاسيم والأنواع من غير وجود قطع في سندها ولا ثبوت جرح في ناقليها.
أُلِّف الكتاب بترتيب مخترع يتمايز به عن كل الكتب التي أُلِّفَتْ في السنن؛ مثل الصحيح للبخاري والصحيح لمسلم وأمثالهما. فقد قسم المؤلف ابن حبان ﵀ سنن المصطفى ﷺ إلى خمسة أقسام وهي: الأوامر، والنواهي، وإخبار المصطفى ﷺ، والإباحات، وأفعاله ﷺ.
وجعل لكل قسم أنواعًا كما يلي:
- الأوامر مائة وعشرة أنواع.
- النواهي مائة وعشرة أنواع.
- الإخبار ثمانون نوعًا.
- الإباحات خمسون نوعا.
- الأفعال خمسون نوعًا.
فالأحاديث ترد ضمن هذه الأنواع، وتحت ترجمة خاصة للحديث يُسَمِّيهَا الشيخ ابن حبان ﵀ بـ"الذِّكرِ". فكل من هذه التراجم يحتوي على خلاصة الحديث الذي يليه. وعندما يحتاج المؤلف أن يقول كلمة عن الحديث أو عن سنده أو عن ما شابه ذلك يبدأ بـ"قال أبو حاتم"، ويسرد قوله هناك. في هذا الكتاب حوالي ٧٥٠٠ حديث؛ وهذا يدل على أن في الكتاب تراجم أذكار بنفس العدد.
وإن كل حديث ورد في هذا الكتاب يجب أن يكون جزءًا لقسم من أقسام السنن الخمسة. وهذا يعني أن القارئ إذا قرأ حديثًا من أي قسم، فإنه سيتنبه إلى أن ذلك الحديث يدل على أمر أو نهي أو إخبار أو إباحة من المصطفى ﷺ أو فعل تفرد به ﷺ. مثلًا، هب أننا جئنا إلى حديث من أحاديث قسم الأوامر؛ يسهل علينا أن نفهم أن الحديث يحتوي على أمر ما بصفة عامة؛ أما دلالته على وجه من الوجوه
1 / 15
الخاصة، فإن ذلك يتسنى من خلال وصف الأمر الذي في هذا الحديث، فهو يوجد في عنوان نوعه. وإلى ذلك كله، فإن ترجمة الذكر هي التي تضع النقطة الأخيرة التي يرى المؤلف ﵀ أنها جوهر الحديث.
وبناءً على هذا، فإننا نستطيع أن نقول إن كل حديث في الكتاب، تم تقييمه من أربعة نقاط:
١ - الأول منها أن كل حديث في هذا الكتاب صحيح يحتج به في الدين عند المؤلف ابن حبان رحمه الله تعالى؛ لأن اسم الكتاب يقتضي هذا.
٢ - أقسام الكتاب تدلنا على أن أي حديث يحتوي إما أمرًا أو نهيًا أو إباحة أو إخبارًا أو فعلًا.
٣ - تراجم الأنواع من أهم ما يُعَيِّنُ ما سيأتينا به الحديث في هذا الكتاب. إن كنا نتحدث عن أمر مثلًا، فسيسهل علينا أن نفقه من ترجمة نوعه حكم ذلك الأمر ومدى وجوبه حتمًا أو ندبًا ....
أمثلة من تراجم الأنواع في قسم الأوامر:
* النوع الثالث عشر:
الأمر بأربعة أشياء مقرونة في الذكر، الأول منها: فرض على جميع المخاطبين في كل الأوقات، والثاني: فرض على المخاطبين في بعض الأحوال، والثالث: فرض على بعض المخاطبين في بعض الأحوال، والرابع: أمر تأديب وإرشاد أُمِرَ به المخاطب إلا عند وجود علة معلومة وخصال معدودة.
* النوع الحادي والأربعون:
الأمر بالشيء الذي خير المأمور به في أدائه بين صفات ذوات عدد، ثم ندب إلى الأخذ منها بأيسرها عليه.
* النوع التاسع والثمانون:
ألفاظ المدح للأشياء التي مرادها الأوامر بها.
* النوع الرابع والتسعون:
الأوامر المتضادة التي هي من اختلاف المباح.
1 / 16
٤ - أما تراجم الأذكار، فكل واحد منها يأتي قبل الحديث الذي يتعلق به، ويعطينا فكرة الحديث؛ وهي فكرة مجملة بليغة ولكنها بينة. وفي نفس الوقت، يستخدم المؤلف ﵀ تراجم الأذكار لشرح الموضوع الذي هو بصدده وتحليله.
أمثلة من تراجم الأذكار في التقاسيم والأنواع:
ذكر نفي العذاب في القيامة عمَّن أتى الصلوات الخمس بحقوقها
ذكر البيان بأن الحق الذي في هذا الخبر قصد به الإيجاب
ذكر البيان بأن الصلاة لوقتها من أحب الأعمال إلى الله جل وعلا
من السهل على العاقل أن يلاحظ من خلال كل هذا، أن الشيخ المؤلف ﵀ قد بني كتابه على أساس يشمل أقسامًا متساوية متفقة التقسيم غير متنافية. لذلك، من المستحيل أن يقرأ أحد حديثًا من هذا الكتاب، فيزيل الحديث عن موضع القصد في سننه. فهذه خصلة خاصة لهذا الكتاب.
إن المشكلة الأساسية في عهدنا الحديث، هي عدم فهم كثير من القارئين لمغزى الحديث النبوي؛ لأن الأحاديث تشمل نماذج من حياة بَشَرٍ "ﷺ" وهي متنوعة مختلفة الأحوال. فعندما نأخذ حديثًا، ونتجاهل أسباب وروده والأحوال التي ورد فيها، وقصد المصطفى ﷺ حين ذاك، وأقواله بعده، قد نضع أنفسنا في مشكلة تسوقنا إلى فكرة تخالف وتهاتر أسس الدين. فمن السهل أن ترى طبقات من الناس يقرؤون الحديث، ويبتدعون أفكارًا قد تخالف كتاب الله وسنة نبيه ﷺ. فهذا الكتاب، بترتيبه الممتاز، لا يسمح لأحد أن يسيء فهم الحديث حتى يقع في خطأ من هذا القبيل.
ففي الحديث التالي أن رجلًا جاء إلى المصطفى ﷺ، وطلب منه أن يقيم عليه الحد؛ لأنه أصاب من امرأة. فأخبره ﷺ بعد الصلاة بأن الله قد غفر له بصلاته؛
أخبرنا ابن سلم، حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم، حدثنا الوليد، حدثنا الأوزاعي، حدثني شداد أبو عمار، حدثني واثلة بن الأسقع قال:
جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله، إني أصبت حدًا، فأقمه عليَّ!
1 / 17
قال: فأعرض عنه، ثم قال: يا رسول الله، إني أصبت حدًا، فأقمه علي، فأعرض عنه، ثم أقيمت الصلاة، فلما سلم قال: يا رسول الله، إني أصبت حدًا فأقمه عليَّ، فقال رسول الله ﷺ:
"هل توضأت حين أقبلت؟ " قال: نعم. قال: "وصليت معنا؟ " قال: نعم. قال: "فاذهب، فإن الله قد غفر لك".
قد يفهم القارئ من هذا الحديث أن الصلاة تُكَفِّر الحدَّ عن مرتكب الزنا. ولكن المؤلف ﵀، أورد ثلاثة أحاديث بعد هذا الحديث تحت تراجم هذه الأذكار الآتية، للحيلولة دون الإخطاء في فهمه:
* الأول:
ذكر البيان بأن الحد الذي أتى هذا السائل لم يكن بمعصية توجب الحد
* الثاني:
ذكر خبر ثانٍ يدل على أن هذا الفعل لم يكن بفعل يوجب الحد مع البيان بأن حكم هذا السائل وحكم غيره من أمة المصطفى ﷺ فيه سواءٌ
* الثالث:
ذكر خبرٍ ثالثٍ يُصَرِّحُ بصحة ما ذكرناه
يصر ابن حبان ﵀ عند بداية كل من أقسام السنن على أنه ألَّف كتابه لئلا يتعذر على الفقهاء حفظ الحديث، ولا يصعب على الحفاظ وَعْيُهُ.
فهذا الترتيب غير المعهود لأهل العلم والذي شرحناه، لا يوجد في أي كتاب من الكتب التي ألِّفت في عهد ابن حبان ﵁؛ لأن ابن حبان هو الذي أبدع هذا النوع من الترتيب في سنن المصطفى ﷺ؛ ولم يستطع أحد بعده أن يتابعه في مثله رحمة الله عليه. ولكن هذا الترتيب لم يعقل، ولذلك لم يُهْتَم به قرونًا، ولم يحظ بالعلاقة التي تليق به؛ لأن الناس كانوا مُتَعَوِّدِين على الترتيب المُبَوَّبِ. لذلك لم يَعْقِلوا مدى امتياز الكتاب. حتى إنهم بعد تأليف الكتاب بأربعة قرون تقريبًا، استبدلوا ترتيبه بالترتيب على الكتب والأبواب، متعللين في ذلك بصعوبة الحصول على الحديث
1 / 18
المطلوب عند البحث. فجمعوا أحاديث الكتاب، وبَوَّبُوهَا، وأضاعوا ترتيبه الممتاز.
وكادت نسخ الكتاب تغيب عن الوجود نتيجة لقلة اهتمام طالبي العلم بدراسته طوال القرون الماضية بعيدة المدى.
1 / 19
صفة الأجزاء
١ - الجزء الأول من نسخة، بإستانبول في مكتبة أحمد الثالث:
* رمز المخطوطة في التحقيق: (د)
* (إستانبول، طُوبْقَابِي سَرَاي، M-٢٨٩، عدد أوراقها: ٣١٣)
هناك خَطَّان في هذا الجزء. يبدأ الجزء بخط يشبه الخط التعليقي، وهذا الخط ينتهي في الورقة رقم: ٩٠؛ والباقي من الجزء كتبت بخط يشبه الخط النسخي. ومن هنا يتبين لنا أن الجزء قد جمع بين جزءين من نسختين مختلفتين.
بداية هذا الجزء في حالة سيئة جدًا؛ وخاصة القسم الذي كتب بالخط التعليقي؛ حيث إن بعض أوراقه متمزقة، وبعضها مقطوعة. وقد أصاب بعضها البلل أو بلي الورق. ويلاحظ في بعض الأوراق أنه قد تم ترميمه فيما بعد. وكنا نظن أولًا أن أوراق الجزء متتابعة، لا ينقصها شيء، حتى إذا ما قرأناها وجدنا فيها خرومًا تبلغ عددها ١٣ ورقة، وهي بين الأوراق التالية:
ورقتان من بعد ورق ب ٤١؛ ورقتان من بعد ورق ب ٤٣؛ ثلاثة أوراق من بعد ورق ب ٧١؛ ورقتان من بعد ورق ب ٥٦؛ وأربعة أوراق من بعد ورق ب ٩٠.
كلا الخطين واضحان؛ في كل صفحة من خط التعليق، هناك ٢٢ سطرًا عمومًا، وفي الخط النسخي ٢١ سطرًا عمومًا.
هناك في بداية الجزء، يلاحظ فهرس يحتوي على موضوعات الكتاب على حسب أبواب الفقه، وواضح أنه تم وضعه فيما بعد. ويحتوي هذا الفهرس على عناوين الموضوعات وأرقام أوراقها. ورأينا أن الأوراق المفقودة من الجزء لا توجد في هذا الفهرس أيضًا، وهذا يدل على أن الفهرس قد رتب حديثًا، بعد حدوث هذه الخروم.
هذا وتوجد في بداية الجزء في الصفحة الأولى، أسماء من تملكوا الجزء ووقفوه. وكذلك هناك اقتباسات من بعض التفاسير لبعض الآيات القرآنية وضعت قبل الفهرس الذي تحدثنا عنه آنفًا؛ وتوجد الكتابات نفسها في آخر الكتاب أيضًا.
1 / 20
بداية تراجم الأنواع والأذكار في هذا الجزء مكتوبة بالحبر الأحمر، وحروفها أكبر من غيرها.
يشتمل هذا الجزء على القسم الأول من التقاسيم والأنواع كاملًا. فلذلك يبدأ الجزء بمقدمة المؤلف ﵀. ويليها الأوامر من المصطفى ﷺ حتى آخر نوع منها وهو النوع العاشر بعد المائة.
ينتهي هذا الجزء بهذا القول: "تم قسم الأوامر وبنحاره (؟) بجزء السِّفرِ الثاني من الكتاب. الحمد لله حق حمده وصلاته على سيدنا محمد وآله وآله (^١) وسلم تسليمًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه".
لا يوجد أي نص للسماع لهذا الجزء في نهايته. إلا أن هناك نصًا قد كتب من قِبَلِ الناسخ عند آخر نقطة فرغ من إملاء الجزء، وهو: "فرغ محمد العمراني من إملائه، نفعه الله به، ليلة الأحد غرة شهر المحرم مبدأ سنة عشرين ومائتين وألف".
وفوق هذا النص توجد كتابة أخرى، ليس هناك ما يدل على من كتبها، وهي تصرح باستنساخ الجزء، وهي كما يلي: "انتهى من نسخة صحيحة قرئت عَلَيَّ الخلصى، أعنى من قوله "تم قسم الأوامر"، لا الكتاب كله، فليُعْلم! ".
وفوق هذه أيضًا هناك كتابة أخرى يشبه خطها الخط الذي به كتبت بداية الجزء، وهو الخط التعليقي الذي أخبرنا عنه سابقًا. وفي هذه الكتابة: "بلغ العراض بالأصل المنقول منه ولله الحمد".
٢ - قطعة من الجزء الأول بدار الكتب المصرية:
· رمز المخطوطة في التحقيق: (ص)
· (القاهرة، دار الكتب المصرية، مجموعة: ٢٢٧ مجاميع م (أي أنها من كتب الأمير مصطفى فاضل)، عدد أوراقها: ٧٢)
وهي ناقصة من آخرها، فليس فيها ختام الجزء، ولا تاريخ كتابته. بل هي قطعة ضاع الباقي منها، هناك خَرْمٌ بين الورقتين ٦٩، ٧٠، وعندما قارنَّاه بالجزء الأول من
_________
(^١) هكذا مكرر في الأصل.
1 / 21
نسخة إستانبول، رأينا أن ما تعرض منه للخرم يبلغ ٣٨ حديثًا، يبدأ من الحديث رقم ٢٨٥ وهو "ذكر رجاء نوال المرء المسلم بالطاعة روضة من رياض الجنة إذا أتى بها بين القبر والمنبر" حتى الحديث رقم ٣٢٢، وهو "ذكر استحباب ارتباط غير الشِّكالِ من الخيلِ".
وهذه القطعة واضحة الخط، جيدة الضبط، يغلب عليها الصحة، والظاهر أن كاتبها من أهل العلم بالحديث، كثيرًا ما يرمز فوق أسماء الرواة في الأسانيد، أو بالهامش، برموز الكتب الستة المعروفة، مما هو طريقة "التهذيب" وفروعه. يريد بذلك الدلالة على أن هذا الرجل له رواية في الكتب التي على اسمه رمزها. ومن البيِّن أنه لا يريد به تخريج الحديث نفسه الذي فيه هذا الراوي، يعرف ذلك أهل المعرفة.
وكتب عنوانها على الصفحة الأولى منها، هكذا:
الجزء الأول من المسند الصحيح على التقاسيم والأنواع من غير وجود قطع في سندها ولا ثبوت جرح في ناقليها، من تصنيف شيخ الإسلام أوحد الحفاظ سيد النقاد أبي حاتم محمد بن حبان بن أحمد بن حبان التميمي، تغمده الله برحمته.
رواية أبي الحسن محمد بن أحمد بن محمد بن هارون الزَّوْزَنِيِّ عنه.
رواية أبي الحسن علي بن محمد بن علي البَحَّاثِيِّ عنه.
رواية أبي القاسم زاهر بن طاهر بن محمد الشَّحَّامِيِّ (^١) عنه.
رواية الحافظ أبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر (^٢) عنه.
والذي يظهر لنا من ذلك أن كاتبها أحد تلاميذ الحافظ ابن عساكر. فإن توقف الناسخ في سلسلة الرواية، عند رواية ابن عساكر، يرجح أنه هو شيخه الذي روى عنه الكتاب، على عادتهم في ذلك. وأغلب ظننا أنّه لو كان ناقلًا عن نسخة أخرى بهذه الصيغة فقط لأشار على ذلك، لئلا يوهم أنه يروي شيئًا لم يروه، وقد كانوا يحذرون ذلك أشد الحذر. نضيف إلى هذا أن خط هذه القطعة يشبه كثيرًا بما رأينا من خطوط القرن السادس.
_________
(^١) توفي سنة (٥٣٣ هـ - ١١٣٨ م).
(^٢) توفي سنة (٥٧١ هـ - ١١٧٥ م).
1 / 22
وهذا السند لابن عساكر، ثابت تاريخيًا: فقد نقل ياقوت في معجم البلدان في ثنايا ترجمة ابن حبان، عن الحافظ ابن عساكر قال: "وحصل عندي من كتبه بالإسناد المتصل سماعًا: كتاب التقاسيم والأنواع، خمس مجلدات، قرأتها على أبي القاسم الشحامي عن أبي الحسن البحاثي عن ابن هارون الزوزني عنه" (^١) أي عن ابن حبان.
وأيضًا أشار إليه الفيروزبادي في القاموس، مادة "بحث"، حيث قال: "وعلي بن محمد البحاثي راوي كتاب التقاسيم لابن حبان، عن الزوزني، عنه".
وأخطأ السيد مرتضى الزبيدي في شرحه، في هذا الموضع، حيث ظن أن الزوزني راوي الكتاب عن ابن حبان هو: "أبو العباس الوليد بن أحمد بن محمد الزوزني".
وذلك أنه لم يحصل على ترجمة أبي الحسن محمد بن أحمد بن محمد بن هارون الزوزني، فتوهمه رجلًا آخر أشهر منه وأعرف. والفرق بينهما في الاسم والكنية والنسب واضح وضوح الشمس (^٢) .
٣ - الجزء الثاني من نسخة أخرى بإستانبول في مكتبة أحمد الثالث:
* رمز المخطوطة في التحقيق: (س)
* (إستانبول، طُوبْقَابِي سَرَاي، A-٣٤٧١١، عدد أوراقه: ٢٢٢)
كتبها أحمد بن يحيى بن علي بن محمد بن عبد الرحمن بن عساكر. فرغ من كتابتها في ١٧ جمادى الأولى سنة (٧٣٩ هـ). ثم قرأه على شيخين؛ أحدهما: قطب الدين أبو بكر محمد بن الإمام جمال الدين محمد بن المكرم الأنصاري (توفي سنة ٧٥١ - ١٣٥٠ هـ)؛ والثاني: ناصر الدين محمد بن محمد بن أبي المنصور الكناني العسقلاني ثم المصري.
وهو من نسخة صحيحة جليلة القدر، خطها واضح، ودقتها في الإتقان بينة.
وقد أثبت أحمد بن يحيى بن عساكر على النسخة نصوص السماعات التي وجدها في الأصل الذي نقل منه هذه النسخة ليصل إسناد الكتاب إلى المؤلف ابن حبان ﵀ سماعًا. وهي تدل على أن أبا عبد الله السلمي سمع أحاديث الكتاب
_________
(^١) ياقوت، معجم البلدان، ١/ ٤١٨.
(^٢) انظر: ابن حبان، المسند الصحيح على التقاسيم والأنواع، دار الكتب المصرية، مجموعة: ٢٢٧ مجاميع م، الإحسان، بتحقيق أحمد محمد شاكر، ١/ ٢٢ - ٢٥.
1 / 23
من الشيخ الإمام أبي روح عبد المعز بن محمد بن أبي الفضل البَزَّاز الصوفي الهروي الحافظ (توفي سنة ٦١٨ هـ - ١٢٢١ م). وأبو رَوْح سمعه من أبي القاسم تميم بن أبي سعيد بن أبي العباس الجُرْجَانِي (توفي سنة ٥٣١ هـ - ١١٣٦ م). وأبو القاسم تميم سمعه من أبي الحسن علي بن محمد البحاثي، هو الذي سمع منه أبو القاسم زاهر الشحامي شيخ الحافظ ابن عساكر الكبير. فالتقى الإسنادان في أبي الحسن البحاثي الذي سمعه من أبي الحسن بن هرون الزوزني، راويه عن مؤلفه الحافظ ابن حبان ﵁.
ثم قرئ هذا الجزء مرتين على الشيخ أبي عبد الله شمس الدين محمد بن الشيخ شهاب الدين أحمد بن نور الدين علي بن عبد الرحمن الصوفي المقرئ المحدث الشافعي الرَّفَّا (توفي سنة ٧٩٢ هـ - ١٣٨٩ م). وأثبت مُحْضِرًا السماعَين في آخر الجزء.
أما السماع الأول فإن كاتبه الذي قرأه على الشيخ الرَّفَّا، لم يذكر اسمه؛ فلم نعرف من هو؟ وقد ذكر أن القراءة كانت في سبعة أيام، آخرها ١٤ رمضان سنة ٧٨٩ هـ - ١٣٨٧ م، أي بعد كتابته وقرائته على ابن المكرم وزميله بأكثر من ٥٠ سنة.
وهذه القراءة كانت بمنزل الشيخ الرَّفَّا بالقاهرة، كما ثبت ذلك في ثبت قراءة المجلد الثالث، الآتي بيانه.
وأما سماع الثاني، فإنه كان في سبعة مجالس أيضًا، آخرها يوم الأحد ١٣ شوال سنة ٧٨٩ هـ - ١٣٨٧ م. وكان السماع "بقراءة كاتب هذه الأحرف، عبد الله بن محمد بن إبراهيم الرشيدي (توفي سنة ٨٠٧ هـ - ١٤٠٤ م) ".
وكتب الشيخ شمس الدين الرَّفَّا في آخر هذا السماع ما نصه: "صحيح ذلك. وكتب الفقير إلى عفو الله ومغفرته محمد بن أحمد بن علي المقرئ الشافعي الشهير بالرَّفَّا، حامدًا ومصليًا ومسلمًا على رسول الله ﷺ ".
وإسناد شمس الدين الرَّفَّا بالكتاب ثابت في السماع الثاني، أنه رواه عن "الشيخ الإمام العالم العلامة الرُّحَلَة قاضي المسلمين أبي عمر عز الدين عبد العزيز بن قاضي المسلمين أبي عبد الله بدر الدين محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكِنَاني الشافعي (توفي سنة ٧٦٧ هـ - ١٣٦٥ م). وابن جماعة سمعه من أبي إسحاق الطبري،
1 / 24
الذي اتصل به إسناد الكتاب آنفًا (^١) .
يبدأ هذا الجزء بالنوع السادس والتسعين من قسم الأوامر من الكتاب، وينتهي بالنوع الثامن من قسم الإخبار من الكتاب.
٤ - الجزء الثالث من النسخة السابقة نفسها بإستانبول في مكتبة أحمد الثالث:
* رمز المخطوطة في التحقيق: (ح)
* (إستانبول، طُوبْقَابِي سَرَاي، A-٣٤٧١١١، عدد أوراقه: ٢٢٢)
هذا الجزء من النسخة السابقة نفسها، بخط الكاتب نفسه: أحمد بن يحيى بن علي بن محمد بن عبد الرحمن بن عساكر. أتم كتابته يوم الخميس ٢٣ رجب سنة (٧٣٩ هـ - ١٣٣٨ م)، "تجاه الكعبة المعظمة، زادها الله تعالى تشريفًا وتعظيمًا ومهابةً".
وفي آخره السمعات الثلاثة الماضية: سماع كاتبه أحمد بن يحيى، بقراءته على الشيخين، قطب الدين بن المُكَرَّم (توفي سنة ٧٥١ هـ - ١٣٥٠ م)، وناصر الدين محمد بن أبي المنصور "خادم الحرم الشريف"، وبحضور الإمام شمس الدين بن القَيِّم "وكان الأصل بيده ينظر فيه ويعارض به"، وبحضور عبد الله ولد ابن القَيِّم "وكان يَنْسَخُ"، والشيخ محمد بن أحمد بن مجاهد "وكان بيده نسخة يُعارض بها مسموعته على المرسي". وكان هذا السماع في مجالس، آخرها ١٠ ذي القعدة سنة (٧٣٩ هـ - ١٣٣٨ م). وصحح السماع والإجازة أبو بكر محمد بن محمد بن المكرم (توفي سنة ٧٥١ هـ - ١٣٥٠ م)، بخطه، كمثل ما صنع في السماع الذي في المجلد الثاني. ثم سماعان على الشيخ الرَّفَّا، مثل السماعين عليه في الجزء الثاني: أولهما في ٨ مجالس، آخرها يوم الأربعاء ٤ رمضان سنة (٧٨٩ هـ - ١٣٨٧ م)، بقراءة كاتب السماع "عبد الله بن محمد بن إبراهيم الرشيدي"، نحو ثبت السماع بقراءته في الجزء الثاني.
وكتب الشيخ الرَّفَّا بخطه في آخره تصديقًا له، كما صنع في الجزء الثاني، ونصُّ
_________
(^١) انظر: ابن حبان، المسند الصحيح على التقاسيم والأنواع، طُوبْقَابِي سَرَاي، مكتبة أحمد الثالث بإستانبول، رقم ٣٤٧ - ٢، رقم الورقة: ب ٢٢٠ - ب ٢٢٢؛ مقدمة الإحسان بتحقيق أحمد محمد شاكر، ١/ ٢٥ - ٢٩.
1 / 25
ما كتب: "القراءة والسماع والإجازة، كل صحيح. وكتب محمد بن أحمد بن علي المقرئ الشافعي الشهير بالرَّفَّا. حامدًا ومصليًا ومسلمًا".
ثم كتب بخطه أيضًا عقب ذلك: "وهذا الجزء قرئ عليَّ قبل الثاني من هذه النسخة، لتعذره. وكتبه محمد بن أحمد بن علي الشهير بالرَّفَّا، عفا الله عنهم".
وهذا صحيح. وهي ملحوظة دقيقة من الشيخ الرَّفَّا، خشية أن يشتبه الأمر على من رأى الجزءين، فيشك في صحة السماعين أو أحدهما، إذا ما رأى أن الجزء الثالث تمت قراءته على الشيخ في "٤ رمضان سنة (٧٨٩ هـ - ١٣٨٧ م) ". في حين أن تمت قراءة الجزء الثاني بعد الثالث، في "١٣ شوال سنة (٧٨٩ هـ - ١٣٨٧ م) ".
"وثانيهما: في ٦ مجالس، آخرها يوم الجمعة ٢٠ رمضان سنة (٧٨٩ هـ)، بخط كاتب السماع الأول في الجزء الثاني، الذي لم يذكر اسمه هناك، كما لم يذكر اسمه هنا أيضًا. ونص الكتاب فيه على أن هذا السماع كان بمنزل الشيخ "بالقاهرة المحروسة".
وفي هذين الجزءين نصف الكتاب، باعتبار التجزئة. فإن ناسخها "أحمد بن يحيى بن عساكر" قال في آخر المجلد الثاني: "آخر المجلد الثاني من التقاسيم والأنواع لأبي حاتم ابن حبان ﵀، من تجزئة أربعة أجزاء".
وهما نصف الكتاب تقريبًا باعتبار الأنواع. فإن ابن حبان، كما سيذكر في مقدمة كتابه، قسَّم الكتاب إلى ٥ أقسام، فيها ٤٠٠ نوع.
وأول المجلد الثاني: النوع ٩٦ من القسم الأول، وهو الأوامر، وأنواعه ١١٠، وفي هذا المجلد منها ١٥ نوعًا. ثم فيه القسم الثاني كله، وهو النواهي، وأنواعه ١١٠. وفيه ٨ أنواع من القسم الثالث، وهو الإخبار. فهذه ١٣٣ نوعًا.
وأول المجلد الثالث: النوع ٩ من القسم الثالث، وهو ٨٠ نوعًا، ففيه منها ٧٢ نوعًا. ثم فيه ١٠ أنواع من القسم الرابع، وهو الإباحات. فهذه ٨٢ نوعًا.
ففي الجزءين معًا من عدد الأنواع ٢١٥ نوعًا. وهي أكثر من نصفها عدًّا (^١) .
_________
(^١) انظر: ابن حبان، المسند الصحيح على التقاسيم والأنواع، طُوبْقَابِي سَرَاي، مكتبة أحمد الثالث بإستانبول، رقم ٣٤٧ - ٣، رقم الورقة: ب ٢١٩ - أ ٢٢٢؛ مقدمة الإحسان بتحقيق أحمد محمد شاكر، ١/ ٢٩ - ٣٢.
1 / 26