Sahih Al-Adab Al-Mufrad
صحيح الأدب المفرد
Tifaftire
محمد ناصر الدين الألباني
Daabacaha
دار الصديق للنشر والتوزيع
Daabacaad
الرابعة
Sanadka Daabacaadda
١٤١٨ هـ - ١٩٩٧ م
Noocyada
٣٥٢/٩٧٧- (صحيح) عن أبي مجلز قال: إِنَّ مُعَاوِيَةَ خَرَجَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ قُعُودٌ، فَقَامَ ابْنُ عَامِرٍ، وَقَعَدَ ابْنُ الزُّبَيْرِ- وَكَانَ أَرْزَنَهُمَا- قَالَ مُعَاوِيَةُ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَمْثُلَ لَهُ (١)
عِبَادُ اللَّهِ قِيَامًا، فَلْيَتَبَوَّأْ بَيْتًا مِنَ النَّارِ".
(١) أي: أن ينتصب الجالسون قيامًا للداخل إليهم؛ لإكرامه وتعظيمه (فليتبوأ) أمر بمعنى الخبر، أي: دخل النار إذا سره ذلك، هذا هو المعنى المتبادر من الحديث، واحتجاج معاوية ﵁ به على من قام له، وأقره عبد الله بن الزبير ومن كان جالسًا معه، ولذلك فإني أقطع بخطأ من حمل الحديث على القيام له وهو قاعد، كما في حديث جابر المتقدم (٧٤٢/٩٦٠) ففيه أن هذا من فعل فارس. أي: الأعاجم الكفار، ولقد أحسن المؤلف ﵀ بالترجمة له هناك بـ: "بَابُ مَنْ كَرِهَ أَنْ يَقْعُدَ ويقوم له الناس" وترجم لحديث معاوية هنا بـ" "بَابُ قِيَامِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ تَعْظِيمًا"، وهذا من فقهه ودقة فهمه ﵀، ولم يتنبه له كثير من الشراح، والذين تكلموا في معناه، كقول ابن الأثير وغيره: أي: يقومون له قيامًا، وهو جالس"!
فحملوا معنى هذا الحديث على معنى هذا الحديث على معنى حديث جابر، وهذا خلط عجيب كنت أود أن لا يقع فيه شيخ الإسلام ابن تيمية؛ فإنه ﵀ مع تقريره أن القيام للقادم خلاف السنة وما كان عليه السلف، وقوه: " ينبغي لناس أن يعتادنا اتباع لاسلف" واحتج لذلك بحديث أنس المتقدم (٧٢٨/٩٤٦)، ولم يفته ﵀ أن ينبه أن الأصلح القيام للجائي إذا خشي من تركه وقوع مفسدة مثل التباغض والشحناء. وهذا من علمه وفقهه الدقيق جزاه الله خيرًا، ولكنه مع ذلك أتبعه بقوله:
" وليس هذا [هو] القيام المذكور في قوله ﷺ: "مَنْ سره أن يتمثل له الرجال قيامًا فليتبوأ مقعده من النار"؛ فإن ذلك أن يقوموا له وهو قاعد، وليس هو أي: يقوموا لمجيئه إذا جاء ... "!
كذا قال ﵀، ولعل ذلك كان منه قبل تضلعه في علمه، فقد رأيت تلميذه ابن القيم قد أنكر حمل الحديث هذا المحمل، وهو قلما يخالفه، فأظنه مما حمله عنه بعد، فقال ابن القيم ﵀ في "تهذيب السنن" (٨/٩٣) بعد أن ساق حديث جابر المشار إليه آنفًا:
"وحمل أحاديث النهي عن القيام على مثل هذه الصورة ممتنع، فإن سياقها يدل على خلافه؛ ولأنه ﷺ كَانَ ينهى عن القيام له إذا خرج عليهم، ولأن العرب لم يكونوا يعرفون هذا؛ إنما هو من فعل فارس والروم؛ ولأن هذا لا يقال له: قيام للرجل؛ وإنما هو قيام عليه، ففرق بين القيام للشخص المنهي عنه، والقيام عليه المشبه لفعل فارس والروم، والقيام إليه عند قدومه الذي هو سنة العرب، وأحاديث الجواز تدل عليه فقط".
وهذا غاية التحقيق في هذه المسألة مع الإيجاز والاختصار، فجزاه الله خيرًا، فعض عليه بالنواجذ؛ فإنه مما يجهله كثير من الدعاة اليوم، ويخالفه عمليًا الأكثرون، فاعتادوا خلاف ما كان عليه السلف، حتى في مجالسهم الخاصة، والله المستعان.
1 / 373