يا ممثل الدولة الإنكليزية، إن الأركان التي اعتمدتم عليها لا تقوم عليها بيوت العناكب، فكيف تشيدون على أساسها الواهي دولة لا تدول وحكومة لا تزول؟ لقد أوجبت أركانكم هذه أن يصافح العراقيون مدافعكم، ويعانقوا بنادقكم، ويستعرضوا الكتائب من جيشكم، حتى يكتب الله انهدامها ويقيم على أنقاضها دولة عربية قانونها القرآن وشعارها محبة الإنسان.
يا ممثل الدولة الإنكليزية، غريب منك وأنت على كرسي الحكم المؤقت، عجيب منك وأنت ضيف ثقيل على البلاد أن تصف في كتابك شوكة الحكومة البريطانية وثروتها بقولك: «ومن قبل أن تقع الحرب العظمى كان للدولة الإنكليزية التي شعارها المسالمة جيش صغير للدفاع عن نفسها، فلما شرع الألمان والأتراك من تلقاء أنفسهم ... إلخ.»
فيا حضرة الحاكم إنا في غنى عن الإسهاب في بيان قوة الحكومة؛ فإنا نعرف ذلك كما تعرفه أنت، نحن لا ننكر عظيم قوتها فإنها أم العدد والعدد، وذات الحول والطول والقوة والاستعداد، إنها تستطيع أن تحشد نفس العدد الذي ألفته لقتال أعدائها، وهي أم النقود التي تدلي بها من بحر بعيد العمق، ولكن العراقيين يا أيها الحاكم قد تكاتفوا وتكافلوا وتعاضدوا وتساندوا، وقاموا للدفاع عن حياتهم وتطهير بلادهم، لا يبالون بعددكم، ولا يكترثون بعددكم، تكاتفت نياتهم وتوحدت غاياتهم، لا يتزايلون عن موقف ربضوا فيه كالأسود وثبتوا عليه كالجبال للوصول إلى الغاية وأخذ الاستقلال، فإما للحياة وإما للموت، فالموت سعادة في هذا السبيل، وحياة في الدفاع عن الحق.
يا حضرة الحاكم العام، لقد حشدت حكومتك الجيش الجرار، فحارب عن الحرية ودافع عن المدنية وأنت تريد محو الأمة وإتلاف البلاد، تهدد بالفتح والاستعمار، وتهدد بحشد جديد لإكراه العراقيين أم لتصديق «جئنا محررين لا فاتحين».
ثناء على حريتك وسياستك. أما قولك: «فأهل العراق قبلوا الدولة الإنكليزية وكانوا مسرورين من إبقاء جيوشها في هذه البلاد لما غلبت الأتراك.» فرية على أهل العراق، متى قبلوا بدولتكم وأصبحوا مسرورين من بقاء جيشكم؟ هذه وثائق الانتخاب أدلة واضحة على استيائهم منكم ورفضهم بقاءكم رجالهم وأطفالهم كبارهم وصغارهم، كلهم سواء لا يقبلون بكم ولا يميلون إليكم، وأنت تعرف ذلك حتى من الآحاد الذين اصطنعتهم لخدمتك واستعملتهم لأغراضك، فيا حضرة الحاكم العام، كيف تفتري على أهل العراق؟ ألم تطلع نفسك على رغباتهم التي تقف على تصريحاتهم؟ اذكر موقفك في النجف إذ جئت تعمل لتبديل الوثائق الموقعة من السادات والعلماء والأشراف من الرؤساء وسائر الطبقات، ألم يطلبوا فيها جلاءكم عن العراق ليؤلفوا حكومة عربية لا دخل لأجنبي فيها؟ اذكر طوافك في الأنحاء وبماذا قابلك الأعيان والزعماء؟ طالع يا حضرة الحاكم العام صحائف فشلك في العراق، فهل رأيت قبولا من الأمة أو ميلا صادقا إليكم؟ أم تجابهك بالرد؟ أم تقابلك بالتصريح؟ فمن أي القلوب تحققت القبول وفي أي الوجوه طالعت السرور؟ تخرص وتلفيق إلى هذا الحد ... أهذه هي المدنية؟
وأما قولك: «ولكن لما رأى بعض المفسدين والمغرضين.» فقول مجرد عن الصدق، بعيد عن الحق بين التحامل، واضح العداء، نسألك يا حضرة الحاكم العام بصلاحك المعروف وإصلاحك المشهور، نسألك بحق الاستعمار والاستعباد، بحق الظلم والاستبداد نسألك من هم المفسدون؟ نعم هم زعماء النهضة هم طلاب الاستقلال هم رؤساء الدين هم أئمة المسلمين!
عجيب يا أيها الحاكم تحاملك الشديد على العلماء وقادة الرأي العام، زعمت أنهم مفسدون، وبرهانك مطالبتهم بحقوقهم ودفاعهم عن حياتهم، أجوز لك القانون أن تسمي المدافعين عصاة والعلماء مفسدين والأئمة مضللين؟ أهذه هي الأخلاق الإنكليزية؟ سلام على علمك الواسع الغزير!
أما الحالة التي عبرت بأنها توجب الأسف، فإنها من نتائج تهوسكم وتجاوزكم من قلة تدبيركم وتدبركم، فلو كنتم بالعهود وفيتم، وعملتم طبق العهود، فحققتم رغائب الشعب المظلوم لحفظتم مكانتكم وثبتم في القلوب صداقتكم، ولكنك يا حضرة الحاكم أنت دفعت الأمة إلى القتال، أنت أسلمتها إلى هذه الحال، أنت أتعبت جيشك بلا دعوى، فأنت المسئول عن هذه الوقائع!
فيا حضرة الحاكم العام، إن المجلس العرفي الذي أمر حنانك بتأليفه لإعدام الوطنيين، ونفي الشبان المخلصين، وسجن الأبرياء والمظلومين، جدير بأعضائه العسكر أن يحاكموك، ومن أولى منك بالمحاكمة إذا كان للمجرمين وإذا أعد للمذنبين؟
يا أيها الحاكم العام، لقد قامت قيامتكم على القيصر غليوم، فأوجبتم محاكمته؛ لأنكم نسبتم إليه جناية الحرب؛ فهو مجرم عندكم؛ لأنه مثير الثوائر بزعمكم، فإن كانت شرائع الدول توجب قصاص المجرمين فأنت أولى بأن تقاصص وتعاقب؛ لأنك أكبر مجرم على الإنسانية، أكبر مجرم على الحكومة البريطانية!
Bog aan la aqoon