وقد بسطت الجريدة سياستها في عددها الأول، فقالت بعد تمهيد طويل في قيمة الجرائد الحرة والصحف الوطنية بالقياس إلى غيرها:
الاستقلال منشور وطني حر يخدم أفكار العرب عامة والعراقيين خاصة يدافع عما يدافعون ويطلب ما يطلبون، ولا يبالي إذا انزعج منه الخائنون، ولا ينتسب إلا إلى الوطنية الصادقة، ولا يتكلم إلا بما يطابق أفكار الشعب، خطته الاعتدال والتبسط في حالتي العسر واليسر، واجتناب الشتم والقدح والذم وغيره من النقائص التي تشين الصحافة وتعيبها، كما أنه سيبذل قصارى جهده في تقويم المعوج وإصلاح الفاسد، فيقابل الاقتراح النافع بكل ارتياح ويصغي لنداء الوطنيين بملء أذنيه، ويقرع طنبوبه لمن يستصرخه لنصرة الأمة ضالته مسماه «أي الاستقلال» وأمنية الشعب هي غاية ما يتمناه، ثابت في عزيمته مثابر على مسلكه لا يقعقع له بالشنان ولا تزلزل أركانه الأراجيف.
تولى تحير «الاستقلال» قاسم العلوي، كما كتب فيه الكثيرون من رجال الأحزاب الوطنية غفلا من التواقيع، وساهم في كتابته بأسمائهم محمد مهدي البصير من مشهوري خطباء الثورة التي نحن بصددها، وسلمان الشيخ داود.
وأعظم ما صرفت إليه الجريدة جهدها المقال الافتتاحي، وكان العهد عهد مقالات فكان في الغالب يعالج القضية العراقية ويطالب بفسح لمجال الحرية، ويبرهن على استعداد الشعب للاستقلال. وقد عنيت الجريدة بمشروع الحكومة العراقية المؤقتة التي كونتها سلطة الاحتلال البريطانية تخلصا من أزمة الثورة، وتمهيدا لتأسيس دولة العراق.
ناصرت «الاستقلال» أول ما ظهرت سياسة البيت الهاشمي في النهضة، وعضدت حركة الملك فيصل في دفاعه عن سورية وبقية بلاد العرب، وكتبت تعليقات تؤيد ثبات هذا الزعيم في موقفه.
وما قدم السر برسي كوكس مندوبا ساميا لبريطانيا في العراق ومبعوثا خاصا لتنفيذ سياستها الجديدة في بلاد الرافدين حتى هرع إليه مدير صحيفة الاستقلال، وحصل على حديث سياسي منه، وفي ذلك الحديث بيان واضح عن السياسة التي اختطها السر برسي لمعالجة الوضع العراقي قال:
إن بالإمكان عقد الاجتماعات السلمية، وإصدار الصحف بعد الحصول على إذن الحاكم العسكري - البريطاني - وأنه يود إخماد الثورة بالتفاهم، وسيأتي وقت بعد انعقاد المجلس التأسيسي وقيام حكومة العراق الدائمة التي تنشئ الجيش الوطني يتسنى فيه سحب معظم القوات البريطانية لتحل محلها القوات الوطنية. وقد رحب بكل وفد يتوسط بين زعماء الثورة والحكومة الإنكليزية ويسعى لإخماد نار الحركة.
وقد جاهدت «الاستقلال» في شرح أسباب الثورة، وهي مشتعلة الأوار، وتحليل عوامل الاستياء والنقمة من حكومة الاحتلال، ومما تذرعت به شعر حماسي تنشر أبياته يوميا، وهو من نظم محمد مهدي البصير، وطالبت الحكومة المحتلة بحرية الصحافة وكتبت في فوائد الأحزاب، وتولت تنفيذ ما ورد على ألسنة بعض الرجال البريطانيين في مجلس العموم وغيره، ومزقت أراجيف بعض صحف الخارج عن العراق التي شاءت أن تشوه جهاده الوطني.
وكان المرء يحس وهو في إدارة هذه الجريدة أنه مؤسسة شعبية وطنية وناد سياسي مكتظ بالمكافحين، حركة نشيطة يشترك فيها جماعات من الأهلين من طبقات الشعب، هذا يتبرع بالمال وذاك يكتب وآخرون يتبرعون بتسيير إدارة الجريدة، وذلك يبدي الأفكار ويوجه، وتلف الجميع حماسة جارفة، ويجب ألا ننسى أن العمل الصحافي لم يكن معروفا في بلادنا في تلك الأيام على الطريقة الفنية الحديثة، وكان كل ما في الجريدة وإدارتها يرمز إلى هدف الاستقلال العربي، حتى إن «لافتة» الجريدة على باب الإدارة كتبت بالألوان المربعة «الأبيض والأسود والأخضر والأحمر»، وهي ألوان العلم العربي الذي حمل إبان الثورة في الحجاز، قبل أن يرفرف في سماء السواد علم عراقي.
وهناك حقيقة يحسن تسجيلها: أن صدر حكومة الاحتلال الإنجليزية كان رحبا إزاء ما تكتبه جريدة الاستقلال، فأفسحت مجالا لا بأس به من حرية الصحافة مما لم نجده بعد ذلك مراعى دائما في عهد الاستقلال.
Bog aan la aqoon