ظهرت جريدة «الرياض» في 7 كانون الثاني (يناير) سنة 1910 أسبوعية عربية اللهجة أدبية المشرب، وإن لم تكن قويمة اللسان ولا مشرقة البيان، إلا أن صفتها التي انمازت بها هي العناية الفائقة بأخبار نجد وجزيرة العرب وإمارات الخليج العربي.
ويجب أن نعترف ونحن نحلل تسرب الفكرة العربية إلى الأذهان في حكم الترك الذين لم يكونوا يريدون للنزعة القومية انتشارا، بأن «الرياض» خدمت «القضية العربية» بما أحدثت من كثرة الضجيج والكتابة عن قلب الجزيرة وينبوع العروبة؛ فقد أذاعت الأحاديث عن العرب المعاصرين وقبائلهم ومنازلهم ومنازعاتهم وغزواتهم وحربهم وسلمهم بنطاق واسع، أثر على العقول ولفتها إلى هذه الرقعة من العالم العربي.
وليس عليكم بعد ذلك أن تدققوا أو تلحفوا في تمحيص صحة ما ترويه صحيفة «الرياض» من أخبار الإمارات العربية وسلطات الخليج وزعامات البوادي، فالمبالغة بادية عليها، ولكن هذا لا يهم الكاتب أو الناشر، إنما المهم أن أكثر مروياتها تشيع في عالم الصحافة، فتتناقلها الجرائد في العراق والشام ومصر. وقد تشغل بعض مروياتها من هذا اللون أسلاك البرق ودواوين الدولة العثمانية أياما بل أشهرا، بينما يكون الحادث من أساسه من مبتدعات خيال مدير «الرياض» أو محررها.
ولم يقف سليمان الدخيل عند الصحافة السياسية والأسبوعية، بل أنشأ مجلة «الحياة»، شهرية وأسس دار طبع ونشر، فنشر موجز «عنوان المجد في تاريخ نجد» لابن بشر، وألف ونشر «العقد المتلألئ في حساب اللآلئ» عن صناعة الغوص على اللؤلؤ في الخليج وقيمته، ومن أعجب حوادث نشر هذه الدار أنها طبعت كتاب «حساب الجفر» منسوبا إلى «ابن العربي» فتلقفته الأيدي وذاع بين القراء ودر على الدار أرباحا، وحقيقة الكتاب من نتاج مكتب تحرير «الرياض» أوحته قريحة سليمان أو إبراهيم أو أحدهما.
جريدة مصباح الشرق
ومن الجرائد التي ساهمت في خدمة النهضة القومية على ضفاف دجلة والفرات «مصباح الشرق»، أنشأها عبد الحسين الأزري الذي أصدر أول الأمر جريدة «الروضة» أدبية، ثم «مصباح الشرق» «فالمصباح» «فالمصباح الأغر»، صحف سياسية تتعطل الواحدة فيقيم الأخرى مكانها، وهي جريدة باللسان العربي وحده، أسبوعية بدا نورها في غرة آب (أغسطس) سنة 1910، وكان انتقادها ذا وقع أليم على السلطة، فصارت تتربص بصاحبها حتى إذا سبق غيره من الصحافيين في إذاعة مصرع فريد بك والي البصرة في اغتياله السياسي المعروف بتأثير حزب المعارضة هناك اتهمته بأن له ضلعا في معرفة المؤامرة مقدما، وحاكمته وحكمت عليه بغرامة، واستمرت الجريدة تصدر إلى أن اعتقل منشئها في الحرب العظمى الأولى وصودرت مطبعته.
جريدة الرصافة
ومن الصحف الجريئة «الرصافة » لصاحبها صادق الأعرجي، ظهرت في 17 حزيران (يونيو) سنة 1910، فلما عطلتها الحكومة بعد عام استعاض عنها بجريدة «الصاعقة» التي كان قد بدأ ينشرها مؤسسها عبد الكريم الشخلي في 8 حزيران (يونيو) سنة 1911. وقد غضب الوالي مما نشرته في عددها الجديد بعد هذا التحايل، فأوعز إلى أحدهم من الدهماء بشكوى الأعرجي إلى المحاكم بتهمة ملفقة، فأوقف الكاتب في السجن، فأهاج هذا الظلم إحساس الناس، فتجمهر خلق كثير في سراي الحكومة احتجاجا على اعتقال الكاتب المقدام. وقد شجع هذه الحركة الوجيهة عيسى الجميل الذي يتمتع بزعامة شعبية، فأبرق بالمضابط إلى قاعدة السلطنة «إستانبول» فصدر أمر وزارة الداخلية بالإفراج عن الصحفي المضطهد.
جريدة النهضة
وتفاقمت النعرة القومي عند أهل بغداد، ولا سيما بعد انعقاد «المؤتمر العربي الأول» في باريس سنة 1913، وكثرت الجمعيات السياسية السرية والعلنية في أنحاء الإمبراطورية، وقوي ساعد المطالبين باللامركزية وإبراز شخصية الأمة العربية وكيانها، فنهض فريق من الشباب المتوثب فأسس «النادي العلمي الوطني» ببغداد، وتقدم أكثر العاملين فيه حماسة مزاحم الأمين الباجه جي، فأصدر جريدة «النهضة» في 3 تشرين الأول (أكتوبر) سنة 1913، فإذا هي الصحيفة القومية الفذة بين زميلاتها، جهيرة الصوت بليغة التعبير في محاسبة الحكومة العثمانية، والمناداة بحقوق العرب، وعهد بتحريرها إلى إبراهيم حلمي العمر محرر جريدة «الرياض»، فتجلت فيها مواهبه الكتابية وطارت شهرته، إلا أن الحكومة لم تتحمل لهجتها النارية فعطلت بعد عددها الحادي عشر، وهرب مؤسسها ومحررها إلى البصرة لاجئين إلى طالب باشا النقيب، حيث اجتمع نفر من حملة الأقلام والصحفيين البغداديين منهم غير من ذكرنا رشيد الهاشمي الشاعر الكاتب وصادق الأعرجي ومحيي الدين الكيلاني صاحب جريدة «النور».
Bog aan la aqoon