إنها سعادتها عدوي الوحيد، إن أبي وأمي يحرقان صبري بخورا يجلب لها السعادة ... ***
دعني أقدمه لك أولا ... إنه ليس رجل أعمال خطير الشأن تتحرك لحركته دوائر المال والأعمال، أو تنخفض الأسعار وترتفع ... ولا هو رجل فكر يوجه الرأي العام بآرائه، ويميل بتفكيره حيث يريد، ولا هو أديب يمتشق قلمه فتتلقف المطبعة ما ينثال من هذ القلم لتنشره على الناس ... إنه ليس هذا ولا ذاك ولا الذي قبله ... إنه مجرد إنسان عادي ولد في القرن العشرين وما زال يعيش مع الأسف (وهذا تعبير مأخوذ من مذكراته) أما كيف ولد؟ فإن لذلك قصة دامية.
لقد تعسرت ولادته على أمه، فخرج بعملية جراحية إلى الوجود وعادت هي بالعملية نفسها إلى العدم ... وكان أبوه يحب أمه حبا يقرب من العبادة، فكرهه هو لفعلته الشنعاء كراهية تقرب من الكفر، وليس تعبير «فعلته الشنعاء» من عندي، إنه تعبيره أيضا عن موت أمه بعد ولادته، إنه يقول في مذكراته إن أباه كان يناديه منذ بدأت أذناه تعيان الألفاظ قائلا: «تعال يا قاتل أمه ... كل يا قاتل أمه ...» وإذا كانت القصص لا تنتهي بالولادة، وإنما تبدأ بها، فلا بد أن تسير في حياته منذ ذلك اليوم فتراه يكبر كما تكبر الأطفال حتى يبلغ التاسعة، وعندئذ يتزوج أبوه من سيدة لها طفلة في مثل عمره، ويضاف إلى حجرته سرير صغير كسريره تنام عليه أخته الجديدة.
وكل التجديد الذي يطرأ على حياته منذ ذلك اليوم هو مولد عدو جديد هو السيدة والدة الأخت وزوجة الأب ... ومنذ ذلك اليوم يبدأ كتابة مذكراته ... لا يكتبها على الورق، وإنما ينقشها في صفحة خياله حتى تمر خمس سنوات، ويصل إلى سن الرابعة عشرة فيدخل عليه أبوه ذات يوم حجرته، ويدفع إليه بمفكرة كبيرة للعام الذي انصرم قائلا: خذ! بدلا من شراء كراريس، حل واجبات الحساب في هذه الأجندة.
ولما كان يعرف نتيجة تنفيذ رغبة والده، خمس ضربات بالعصا الرفيعة على باطن اليد، العقوبة الرسمية التي يفرضها مدرس الحساب لمن لا يحل الواجب بخط نظيف في كراسة المدرسة، فهو يؤثر السلامة، ويتظاهر بإجابة والده، ولكنه لا ينفذها ... إنه ينفرد بنفسه بعد ذلك في الحجرة، ويأخذ في تقليب «الأجندة» ويلاحظ أن لكل يوم صفحة، ويخطر له الهدف الذي يحتفظ الناس من أجله بالمفكرات لكي يكتبوا في صفحة كل يوم ما حدث فيه ... أو ليقيدوا مواعيد الأيام المقبلة حتى لا ينسوها.
ونحن الآن ... هو والمفكرة والقراء حسب تعبير المذيعين ... نحن الآن في عام 1938، و4 من مارس 1938 على وجه التحديد ... والمفكرة هي مفكرة هدية من إحدى شركات الأدوية لرأس السنة عام 1937 ... وفي كل صفحة منها حكمة، أو قول مأثور، وتحته إعلان عن أحد أدوية الشركة.
إنه سيبدأ كتابة هذه المذكرات من اليوم ...
لكن الأربعة عشر عاما التي مرت ... ألا يحسن به أن يكتب ما يذكره عنها ... إن لديه صفحات المفكرة من أول يناير 1937 إلى 4 من مارس 1937 فليجعل لكل شهر مضى من حياته صفحة، إن أجمل ما في الماضي - ماضي الطفولة - أنه ليس طويلا كالحاضر ... إن الإنسان يستطيع أن يتمثله في لحظة واحدة، في إحساس سريع كالبرق ... إحساس فرح أو إحساس حزين ... ولكنه لا يستطيع حتى أن يجعل لكل شهر من حياته صفحة من صفحات المفكرة، وذهنه الصغير يهديه إلى حسه الساذج أن أيام حياته إلى اليوم ثلاثة ... يوم ولد، ويوم تزوج أبوه، ويوم جلس مع أخته ... أخته التي فرضها عليه القدر كما فرض عليه أن يكون طفلا بغير أم ... يوم جلس مع هذه الأخت على مائدة الطعام، وأمامهما والده ووالدتها، وقالت زوجة أبيه: بنتي الآن ليست صغيرة، وأريدها أن تنام وحدها في حجرة أخرى.
وأجاب أبوه: وإذا كانت حجر المنزل محدودة، فماذا نفعل؟
وردت الزوجة: أبدا، نستطيع أن ننقل المكتب إلى حجرته، وننقلها إلى الحجرة الثانية، ونشتري لها دولابا. - ومحمود الخدام ... أين ينام؟
Bog aan la aqoon